بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

دولة المخبرين والبلطجة


من‮ ‬يقرأ جيداً‮ ‬تحقيقات الشرطة في‮ ‬أي‮ ‬قضية مهما كانت‮ ‬يجد أن معظم التحقيقات تعتمد علي‮ ‬التحريات وهي‮ ‬في‮ ‬الأساس كلام مرشدين سريين دون أن‮ ‬يشير التحقيق إلي‮ ‬أسماء هؤلاء ومن أين جمعوا معلوماتهم في‮ ‬القضية،‮ ‬وصار العرف الأمني في‮ ‬عهد النظام السابق أن‮ »‬المخبرين لا‮ ‬يكذبون‮«.. ‬وبمرور الوقت تحول المخبرون والمرشدون إلي‮ ‬دولة لا تحكمها أي‮ ‬قوانين سوي‮ ‬القوة وتبادل المصالح‮.. ‬فالعلاقة بين المرشد والضباط تبدأ‮ ‬غير سوية وتنتهي‮ ‬إلي كارثة خاصة أن الخيانة عامل مشترك في‮ ‬تلك العلاقة وكل من الضباط والمرشد علي‮ ‬استعداد للتخلص من الآخر في‮ ‬سبيل تحقيق مصلحته‮.‬

لا‮ ‬يوجد حي‮ ‬في‮ ‬مصر إلا وبه مرشد سري معروف للجميع وفي الوقت نفسه‮ ‬يفرض سطوته علي‮ ‬أهل الحي الذي‮ ‬يسكن فيه،‮ ‬لأنه‮ ‬يعتمد علي‮ ‬مبدأ المصلحة المتبادلة مع ضابط المباحث حيث‮ ‬يقوم المرشد السري‮ ‬بجلب القضايا التي‮ ‬تفيد ضابط المباحث دون أن‮ ‬يكلف هذا الضابط نفسه عناء البحث عنها أو التحقق من صحتها من أجل حصوله علي‮ ‬ترقية أو تكريم ويؤدي‮ ‬هذا المبدأ‮ ‬غير الشريف إلي‮ ‬إحساس هذا المرشد أنه أقوي‮ ‬من القانون فيقوم بتلفيق القضايا لأبناء الحي‮ ‬الذي‮ ‬يقيم فيه علي‮ ‬اعتبار أنه مسنود من رجال الشرطة‮.‬

وتكمن الخطورة هنا في‮ ‬اعتماد المخبر أو المرشد علي‮ ‬علاقته بضباط المباحث واستخدامه السييء لهذه العلاقة في‮ ‬ارتكاب العديد والعديد من الجرائم مقابل المساعدة التي‮ ‬يقدمها باعتباره عين ذلك الضابط وذراعه الطويلة‮. ‬سؤال تجيب عنه قصة عزت حنفي‮ ‬المسمي‮ »‬إمبراطور النخيلة‮«‬،‮ ‬حيث كان‮ ‬يقوم بمساعدة ومساندة رجال الشرطة في‮ ‬الانتخابات والعديد من الحوادث الإرهابية والقبض علي‮ ‬مرتكبيها أحياناً‮ ‬وفي‮ ‬سبيل ذلك‮ ‬يسمح له بامتلاك أسلحة بكميات ضخمة جداً‮ ‬بحجة القضاء علي‮ ‬الإرهاب الذي كان منتشراً‮ ‬في‮ ‬أسيوط وتغاضي ضباط الداخلية عن جرائمه الأخري‮ ‬في‮ ‬تجارة السلاح والمخدرات والعنف وتضخمت ثروته إلي‮ ‬حد استحواذه علي‮ ‬280‮ ‬فداناً‮ ‬زرعها بالمخدرات فضلاً‮ ‬عن جرائم القتل،‮ ‬وعندما فاحت رائحته

وانكشفت هذه العلاقة المريبة بين حنفي‮ ‬والشرطة كان القرار القبض عليه ومحاكمته علي‮ ‬الفور‮.‬

قضية أخري‮ ‬تكشف عن مدي‮ ‬إيمان سطوة دولة المخبرين إلي‮ ‬حد القتل في‮ ‬وضح النهار،‮ ‬حين وشي بعض المرشدين بالشاب خالد سعيد،‮ ‬بينما قام زملاؤهم من المخبرين بسحله وضربه حتي‮ ‬لفظ أنفاسه الأخيرة أمام عيون الناس،‮ ‬وهناك عشرات القضايا والقصص التي‮ ‬تثبت تورط ضباط المباحث وعلاقتهم بالمرشدين السريين في‮ ‬تلفيق القضايا للأبرياء‮.‬

ولأن دولة المرشدين السريين لا تعترف بالقانون وتحاول فرض القوة تصدوا بكل قوة لثورة‮ ‬يناير التي‮ ‬كتبت شهادة وفاة تلك الدولة مع انهيار جهاز الشرطة فحاول المرشدون فض اعتصامات التحرير بالقوة واستعان بهم النظام المخلوع بعدما فقد شرعيته للاعتداء علي‮ ‬المتظاهرين فيما عرف بـ»موقعة الجمل‮« ‬كما كان لهم الدور الأكبر في‮ ‬الثورة المضادة ومارسوا أدواراً‮ ‬مشبوهة في ترويع المواطنين وإرهابهم إلي‮ ‬الاعتداء علي‮ ‬المعارضين واشعال الفتنة بين المسلمين والأقباط‮.‬

كما أن دولة المرشدين كانت لها اليد العليا في‮ ‬اختيار نواب البرلمان الذين جاءوا بالبلطجة والتزوير وكان المرشح لأي‮ ‬انتخابات‮ ‬يعتمد علي‮ ‬جيش من المرشدين لمساعدته في‮ ‬إرهاب المواطنين وتزوير أصواتهم والتلاعب في‮ ‬النتائج وتغيير الصناديق إلي‮ ‬غير ذلك من الممارسات السيئة التي‮ ‬أضرت بالمواطنين‮.‬

والسؤال الذي‮ ‬يفرض نفسه‮: ‬هل المرشدون عامل أساسي‮ ‬في‮ ‬مهمة الأمن لا‮ ‬يجب الاستغناء عنه؟