بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

حسن هلال .. قبطي منياوي صائد الدبابات في حرب اكتوبر

صورة لهلال في فيلم
صورة لهلال في فيلم الممر

جمعتنا شراكة ابدية في حب الوطن، ورصاص العدو كان لا يفرق بين، ( عيسى ومحمد )، ارتوت ارض الفيروز سيناء بالدماء الطاهرة للمصرين مسلمين واقباط ، لف العلم المصري الشهداء والأبطال، قدم الجميع الملاحم البطولية، والتي مازالت تدرس في المدارس العسكرية العالمية، أناس باعوا ارواحهم  فداءا  للوطن الحبيب مصر المحروسة، حتى كللت بطولاتهم بالنصر المبين، وإستعادة ارضها وعزتها وكرامتها وشموخها.

 

كتير من الناس  الدروس والعبر والحكمة، سردتها بطولات المصريين (مسلمين واقباط)، واليوم نسرد احد اروع القصص بطولة ل(مصري قبطي ) بمحافظة المنيا ، البعض تحدث عن فيلم الممر، وقالوا ان فيه نقطة سلبية، وهي عدم وجود جندي مسيحي في احداث الفيلم ،  رغم ان في حرب أكتوبر ، كان عدد كبير جدا من قادة الفرق مسيحين، لكن الناس لم تدرك أن الجندي هلال هو شخصية مسيحي منياوي ، فهل تعرف شخصية هلال فى  فيلم الممر  الحقيقية لماذا سمى ،إبنه "حسن"؟

 

في شهر مايو 1974، دقت أجراس مطرانية المنيا، استعداد لصلوات الإكليل  للعريس ، هلال (مسعد ) حنا عبد المسيح ، من قرية تله ، إحدى قرى مركز المنيا ، علي مريم جرجس قلادة، جلس العريس والعروسة على الخورس امام المذبح استعدادا لبدأ الصلوات وهو يرتدي جلبابا أبيض ويلف رقبته بشال أبيض، كان العريس نحيف القوام، جاحظ العينين، طويل الوجه ، مع شارب خفيف أسفل أنفه المدبب، كان زائغ النظرات، ينقل عينيه سريعا في قلق بين المدعوين وباب القاعة الرئيسية، ويرسم علي وجهه ابتسامة باهتة.

 

لاحظت العروس ما به فسألته عن سبب قلقه، ابتسم وقال ، لاشئ، راح يتمتم لنفسه ، ربما لن يأتي، ربما لم يصله التليغراف، ربما كانت مشغولياته تمنعه، بينما صعد علي الخورس القسوس والقمامصة لبدأ الصلوات، وسط سكون وهدوء الحضور والمدعوين، وفجأة علت همهمة بين الحضور بدأت وتيرتها ترتفع، استرعي ذلك نظر الاباء الكهنة، وتم وقف الصلوات، دخلت مجموعة من الخفراء، والعساكر ، و أمناء الشرطة ، يتبعها مأمور قسم المنيا، بدأ الجميع يتوجس خيفة، أنهم قرويون بسطاء، لم يروا هذا المأمور إلا في المناسبات القومية والأعياد ، أيكون معزوما ؟ وفي فرح من ؟ مسعد ابن فريال؟ ام هل حضروا للقبض عليه لانه ارتكب مصيبة، بينما ارتسمت البهجة  على وجه هلال .

 

تقدم المأمور ، وجلس في الصف الأول، وفجأة بدأت الهمهمة تتزايد، ودخل ضابط جيش عظيم ، تحيطه الشرطة  العسكرية،  وعدد من الضباط الصغار، انه هو من يرونه فى التلفزيون اللواء أ.ح "حسن أبو سعدة" قائد الفرقة الثانية مشاة وقتها ، ثم بدأ المدعون يقفون للزائر الجديد، ويطلقون الزغاريد، وتلتهب أكفهم بالتصفيق!

 

فالزائر يعرفونه جيدا فقد كان في طليعة الجيش المصري ، الذي أقتحم خط بارليف، وما أن رآه هلال حتي سحب يده من يد القس ، وقفز من فوق الخورس مهرولا نحو الزائر الجديد، تعانقا طويلا، صاح هلال والدموع تختلط بكلماته "كنت عارف إنك مش هتكسر بخاطري  وهتحضر زواجي ، رغم مسئولياتك ومشاغلك"، ربت اللواء علي كتف مسعد ، وقال "الوعد  يا هلال".

 

إصطحب مسعد ، اللواء حسن الي الصف الأول ، وجلس بجانبه ناسيا العروس والإكليل حتي نبهه القس، صعد للخورس وعيناه لم تزل معلقة علي اللواء،  وبمجرد انتهاء صلوات الإكليل ، صعد اللواء الى الخورس ، وأمسك بالمايك ، قائلا "لقد جئت من مسافة 650 كيلو لأحضر فرح هلال، وفاء لوعد قطعته علي نفسي أمامه.

 

وواصل اللواء كلامه وهو يشرح ويحكى لأسرة هلال، هذا الرجل الذي يجلس أمامكم ليس رجلا عاديا، إن بطولاته تدون في كتب، لن أنسي أول مرة رأيته فيها، كان أشبه بالطفل الذي ضاعت منه  أمه في الزحام، يخاف من كل ما حوله، وقلق من كل شئ، ينظر لما حوله بتوجس، فهو لم يخرج من حدود قريته وتم تجنيده ، أخذوه من الدار الي النار، أشفقت عليه، ضممته الي المجموعة الخاصة بي، كنت أراه ينظر للدبابة في دهشة بالغة ، وأحيانا كنت أراه يدور حولها ليكتشف هذا الكائن الاسطوري.

 

ذات يوم دخل لمكتبي ، وطلب الإنضمام لفرقة (الآر بي جي )، التي تنظمها القيادة، قلت له ان هذه الفرقة قاصرة علي المتعلمين،  وأنت لا تجيد القراءة ولا الكتابة، فجأة مال علي يدي ليقبلها حتي أوافق، رأيت في عينه إصرارا غريبا، قبلت علي مضض وتحت مسئوليتي. المفاجأة أنه

كان الأول دائما علي جميع أفراد الفرقة.

 

اشترك فى حرب الاستنزاف فى معارك خلف خطوط العدو ، ونفذ معنا عدد من العمليات البطولية ،  كنا نرعب العدو ونستنزف قواه، وجعلنا جنوده يعرفون ان هناك ابطالا فوق العادة ،  سيستعيدون يوما الارض، وان بقاءهم مسألة وقت لا اكثر، ثم بدأت الحرب وعبرنا القناة ، وكان هو في مجموعة القناصة، هاجمنا اللواء 190مدرع بقيادة عساف ياجوري، تصدت له كتيبة الآر بي جي،  وعلي رأسها هلال ، كان كل صاروخ علي كتفه يساوي دبابة، لم يخطئ مرة واحدة، نفدت ذخيرته الصاروخية، وفجأة لمح دبابة تهرب من ميدان المعركة وتكاد أن تفلت.

 

 فجأة ينطلق خلفها مسعد يسابق الريح، يقفز علي مؤخرتها كالنمر الكاسر، يفتح باب برجها ويلقي داخله بقنبلة يدوية، ثم يقفز بسرعة رهيبة، لتتحول الدبابة الي كتلة من النيران، ثم تأتي مجموعة من العربات المجنزرة ويتم التعامل معها، تتعطل عربة ويهبط منها ضابطان يجريان ناحية الأحراش، ينطلق خلفهما مسعد دون إنتظار أي أوامر بالإشتباك، يغيب لدقائق ثم يعود ووجهه مضرجا بالدماء ، وهو يسحب أحد الضابطين من قدمه ليلقيه أمام زملائه .

 

ثم يعاود الدخول للأحراش مرة أخري كنمر يعرف جيدا بقايا فريسته، يتأخر حتي يأكلني القلق عليه فأدفع بمجموعة من الجنود للمساعدة، وفجأة يخرج هلال بنفس الصورة ساحبا الضابط الآخر من قدمه. هذه المرة يسقط مغشيا عليه، نقلته للمستشفي، لأفاجأ في اليوم التالي بمسعد يقف أمامي ، وقد غطي وجهه وزراعه بالضمادات، عاد وهو يحمل علي كتفه مجموعة جديدة من الآر بي جي، نلتحم ثانية مع تبة حصينة ويكون هلال أول المقتحمين.

 

ثم تنتهي الحرب ويسلم مسعد مهماته العسكرية، يتقدم مني علي استحياء ويعانقني ثم يقول لي "لي عندك طلب، أنا هاتزوج قريب، ممكن تشرفني في الفرح" ربت علي كتفه وقلت له "أعدك  يا هلال "، يصلني بالامس تليغرافه، لم أكن أستطيع التخلف عن هذه المناسبة، إعتبرتها واجب قومي ، وأقل شئ يقدم لهذا البطل"

 

كانت العروسة تسمع هذا الكلام وتنظر لمسعد غير مصدقة ، أهذا الشاب الخجول يصنع كل هذه البطولات، تهمس أم العروس في أذن ابنتها "ده اللي كنتي مش عايزاه  يابنت (ال....)".. يستأذن اللواء حسن في الانصراف،  ويصر هلال  أن يترك عروسه ويوصله لمحطة القطار، وقفا سويا يستعيدان ذكريات الحرب، ثم أقبل القطار فأخرج اللواء حسن مظروفا دسه في جيب هلال، ثم قال له وهو يودعه "عايزك راجل يلا في بيتك زي ما كنت في الحرب"، يضرب هلال  علي صدره بفخر "إحنا أسود يافندم"

 

يعود هلال لقاعة الفرح  للمطرانية ، ليستكمل الاحتفال ، ليفاجأ بالحضور ، وقد اصطفوا في استقباله كحرس شرف، هذا يسلم عليه وهذا يقبله وذاك يعانقه، وبعد تسعة أشهر يرزق مسعد بمولود ذكر، يصر علي أن يسميه حسن رغم اعتراض الجميع، ولكن من كان يستطيع أن يعارض أسدا بمخالب وأنياب ؟