بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

لوذوا بالله .. يا أهل البلاء

د. محمد داود
د. محمد داود

من سنن الله الجارية فى الأفراد والجماعات والأمم: سنة الابتلاء، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت/2-3].

والمتأمل لآيات الذكر الحكيم عن هذه السنة الإلهية: سنة الابتلاء والمحنة والفتنة، يجد أن هناك أمورًا ثلاثة ارتبطت ببعضها فى محيط الفتنة والابتلاء:

الأول: أمر الفتنة والابتلاء.

 

الثانى: الصبر على الابتلاء.

 

الثالث: البشارة والفرج.

 

وحين نتدبر الآيات القرآنية نجد أن هذه الثلاثة كلها من الله عز وجل. فالابتلاء من الله الحكيم، والصبر هبة من الله، ولا يفلح العبد فى الصبر على البلاء إلا بتوفيق الله وعونه وتأييده، لقوله تعالى مخاطبًا نبيه:  {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [النحل/127].

والبشارة إنما هى فضل ونعمة من الله. فماذا بقى للعبد؟!

وهذا يؤدى بالعبد - إذا فقه هذه الحقيقة الإيمانية- إلى التسليم والرضا.

ومن الحقائق التى تتعلق بهذه الأمور أن البشارة لا تتأتى إلا إذا امتثل العبد لأمر ربه وأيقن أن الأمر كله لله، وأن الخلق كله لله، وأن الله يفعل ما يشاء، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

كيف لا؟! وربنا قد بيَّن ذلك فى قرآنه، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة/155-157).

وإذا ما انتبهنا إلى أن اللام فى (لله) للملكية، بمعنى أننا ملك لله، فالعبد وما ملكت يداه ملك لسيده ومولاه، وللمالك أن يتصرف فى ملكه كيف يشاء.

من هنا ندرك أن الابتلاءات فى الأفراد والجماعات والأمم لا تُرفَع إلا بالامتثال لأمر الله، والصبر على المكاره، وعدم السخط على قدر الله.

ومن حقائق الابتلاء فى القرآن الكريم أن الابتلاء لا يكون بالشر وحده، وإنما يكون بالخير أيضًا، لقول ربنا تبارك وتعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء/35]، بل إن نعمة الحياة كلها اختبار وابتلاء ليميز من يحسن ومن يسىء، من يشكر ومن يكفر: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِيٌّ كَرِيمٌ}، {الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك/2].

ومن حقائق الابتلاء فى السنة النبوية أن الابتلاء لا يكون فقط عقوبة بسبب الذنوب والآثام، بل هو سبب رحمة، به تغفر الخطايا وترفع الدرجات، وفى الحديث:

عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْت:ُ يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا! قَالَ: «أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ». قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ. قَالَ: «أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ, مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا».

[البخارى، ك: المرضى/5216]

عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». [البخارى، ك: المرضى/5210]

والمتأمل المتدبر يرى أن الفتن والابتلاءات فى هذا العصر فتن خطيرة، فتن كقطع الليل المظلم، فأنت تجد ما يراه الشباب من عرى وافتضاح يُرَغِّب إليهم الرذيلة، ويُحَبِّب إليهم المعصية، ومن الفتن أيضًا: أن تكون المقدمة فى المجتمع لمن ليس أهلاً لها، فالنجومية والمثل الأعلى ليست فى العلماء ولا فى الكادحين الجادين من أهل العمل، لكنها - فى الأعم الأغلب - فى أناس أحوالهم تتنافى مع هذه القيم، وأصبح الإنسان فى المجتمعات المعاصرة يكتسب قدره من مستوى السيارة التى يركبها، أو الشقة التى يسكنهـا، أو رصيده المالى، لا لـعلم ولا لتقـوى ولا لصلاح!

• ومن الفتن المعاصرة التضييق على أهل الصلاح والعلم، وإفساح المجال وإتاحة الفرصة لغير أهل الكفاءة ولا عجب، فالنبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» فلما سئل صلى الله عليه وسلم: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسِّد الأمر غير أهله، فانتظر الساعة». [البخارى: ك العلم/57].

وينبغى على المؤمن ألا ينهار أمام هذه السلبيات، بل يصبر، ويرى فيما عند الله عوضًا عن كل مفقود، امتثالاً لقول الله تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}(القصص/60)، {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً} (مريم/ 76).

• ومن أخطر الفتن أن يكون حال الأمة وحال المسلمين ضد الإسلام، يصد عن سبيل الله. فحين يرى غيرُ المسلم المسلمَ يكذب ويخون الأمانة ولا يلتزم بإتقان عمل ولا معاير جودة، هنالك يصبح المسلم غير الملتزم عبئًا على الإسلام وفتنة لغير المسلمين. وهذه أخطر الفتن: أن نصد عن دين الله عز وجل.