بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

الثورة.. والدم!

من المنطقي أن تشهد الثورات أعمال عنف وإسالة دماء.. لأنها تهدف في الغالب لخلع الطغاة.. وهؤلاء لن يتنازلوا عن عروشهم إلا بالدماء الذكية التي تتحول إلي نار تحرقهم وتقضي علي حكمهم.

لهذا كان من الجائز والطبيعي أن ندفع دماء شهدائنا في ثورة يناير فالدم هو وقود الثورات ومشعلها.. لكن غير الطبيعي وغير المنطقي وغير العقلاني هو دعوة البعض الآن لمزيد من الدماء في ذكري الثورة، فهنا تكون الدعوة مجنونة والداعي شيطاناً لا يراعي الله ولا مصالح الوطن وإنما هو مجرد أداة في يد شيطان لا يشبع ولا يرتوي من دماء أبنائنا.. صحيح أن هناك أخطاء، بل قل خطايا من نظام الحكم، وسوء إدارته للبلاد والعباد، لكن ذلك كله ليس مبرراً لإراقة دماء المصريين فالعنف لا يولد إلا العنف، والتدمير لا يقابله إلا التدمير!
فهناك صندوق انتخابي جاء بالحاكم، فإذا ما أردنا تغييره وتبديله فلا سبيل أمامنا إلا اتباع نفس الآلية، ونحمد الله أن انتخابات الرئاسة كل أربع سنوات وليست مؤبدة كما كان يحدث إبان فترة حكم المخلوع، فإذا أساء الحاكم نستطيع أن نقول له «مع السلامة» ونأتي بآخر، ولا يعني هذا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام أخطاء وخطايا الحاكم ولكن علينا أن نعترض كما نشاء وأن نخرج في تظاهرات أو اعتصامات، لكن بدون عنف لأن السياسي يظل - في رأيي - سياسياً حتي يحمل سلاحاً أياً كان نوعه سواء سلاحاً نارياً أو مولوتوف أو حتي حجراً، هنا يتحول إلي بلطجي خاصة إذا كان الغضب ضد حاكم منتخب، خاصة إذا ما افتقدت هذه الأعمال غير الثورية، للظهير الشعبي، لأن الثورة لا تكون ثورة إلا إذا كان لها ظهير شعبي، ويجعل منها لسان الشعب والمعبر عن آماله وطموحاته، فالثورات المصرية المتعاقبة، لم يقم بها كل الشعب - حتي ثورة يناير - إنما الذي منحها النجاح والمشروعية هو رضاء الشعب، الذي مثل غطاء شرعياً لكل الأعمال حتي أعمال العنف التي صاحبتها مثل حرق وتدمير مقار الحزب الوطني المنحل، أما أن تأتي اليوم وترتكب نفس الأفعال ضد مقر الحزب الحاكم فلن يكون ذلك عملاً ثورياً علي الاطلاق، إنما هو عمل بلطجي وإجرامي.
أقول ذلك لأنني أدرك أن الدم المصري

غال، وأن الله سيحاسبنا إن ضللنا شبابنا، ومنحناهم صكوك الشهادة وتذكرة دخول الجنة لمجرد أنهم شاركوا في الهجوم علي وزارة الداخلية، أو حاولوا اقتحامها، أو وقفوا أمام باب مجلس الوزراء يمنعون رئيس الحكومة من دخول مكتبه، فهنا لا يمكن أن نتوسع في توزيع صكوك الشهادة وتذاكر الجنة!
فمن يحاول اقتحام وزارة الداخلية ويقتل لا يمكن أن نصفه بالشهيد.. ومن يموت ورائحة المولوتوف تبلل ملابسه، وهو يلقيها علي أشقائنا البؤساء من جنود الأمن المركزي لا يمكن أن نطلق عليه شهيداً، خاصة إذا ما كان هذا العمل غير مرتبط بثورة شعبية وأهداف نبيلة لها ظهير شعبيي كما أسلفت.
فللأسف دخلنا في مزاد الشهادة في العامين الماضيين، حتي أننا منحناها لبعض المسجلين خطر، وأصحاب سوابق الآداب، بل إن زوجة اتفقت مع عشيقها علي قتل الزوج وحملوه وألقوه أمام ماسبيرو ليدخل المرحوم في عداد الشهداء ويكرم، وتصرف له مستحقات الشهيد ومعاشه.
لذلك أرجو أن يبادر أزهرنا الشريف وعلي رأسه العلامة أحمد الطيب ودار الإفتاء وعلي رأسها المستنير علي جمعة - مع حفظ الألقاب - أن يبادرا فيعرفا لنا من هو الشهيد الذي تنتظره الجنة ونعيمها - إن شاء الله - ومن هو البلطجي الذي لا تجوز عليه الرحمة.. لأن الحابل اختلط بالنابل.. وحتي لا نضلل أولادنا ونصور لهم الأعمال الإجرامية علي أنها بطولة، وساحة للاستشهاد وتذكرة لدخول الجنة، فالسياسي يظل سياسياً حتي يحمل سلاحاً.. هنا يكون بلطجياً وقاتلاً ومكانه السجن وظلام السجن.