بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

مليارات الأخشاب في‮ ‬جيوب تجار‮ "‬درب سعادة‮"‬


وصل الاسبوع الماضي‮ ‬وبشكل سري‮ ‬خطاب رسمي‮ ‬من جهاز دعم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الي‮ ‬غرفة صناعة الأخشاب باتحاد الصناعات المصرية‮ ‬يطالبها فيه بارسال قوائم محتكري‮ ‬الاخشاب بالسوق المحلية للتعامل معهم وفقاً‮ ‬لأحكام قانون الاحتكار،‮ ‬وذلك بعد ان قفز سعر الأخشاب ليسجل نسبة ارتفاع بلغت‮ ‬45٪‮ ‬دفعة واحدة حيث بلغ‮ ‬سعر متر الخشب‮ ‬2800‮ ‬جنيها‮.‬

والغريب ان هذا الارتفاع اثر علي حجم الاستيراد الذي‮ ‬انخفض الي‮ ‬230‮ ‬مليون دولار عام‮ ‬2010‮ ‬بدلاً‮ ‬من‮ ‬688‮ ‬مليون دولار في‮ ‬السنوات الماضية وهذا حسب تأكيدات مصادر مطلعة بوزارة الصناعة والتجارة الخارجية‮.‬

ولكن ما هي‮ ‬حقيقة هذا الاحتكار؟ وما هي‮ ‬الأسواق الخاصة بتجارة الأخشاب والتي‮ ‬يديرها مجموعة محدودة من المستوردين؟

‮"‬الوفد الأسبوعي‮" ‬حاولت الاجابة عن هذه التساؤلات من خلال جولة داخل‮ "‬درب سعادة‮" ‬السوق الأشهر لتجارة الأخشاب منذ الخمسينيات وهو عبارة عن شبكة خيوط معقدة من الشوارع الضيقة والدروب الخفية التي‮ ‬لا‮ ‬يمكن تخيل كم الورش ومخازن الاخشاب الموجودة بها‮.‬

يبدأ السوق من حارة الأمير حسين المتفرع من شارع محمدعلي‮ ‬وقد بدأ العالم السري‮ ‬لتجارة الأخشاب بهذا السوق منذ عام‮ ‬1950‮ ‬عن طريق تجار كانوا‮ ‬يتعاملون في‮ ‬بقايا الأخشاب ومخلفاتها وذلك عن طريق الدخول في‮ ‬مزادات خاصة كان سعر متر الخشب وقتها لا‮ ‬يتعدي الـ‮ ‬30‮ ‬جنيها ومن اشهر التجار في‮ ‬هذه الحقبة عرفة وهبة وزينهم لاتزانا ما المخرج الراحل حسام الدين مصطفي‮.‬

ثم جاء عام‮ ‬1968‮ ‬ليحدث انقلاباً‮ ‬في‮ ‬سوق الأخشاب وذلك بعد فتح استيراد الاشخاب مثل خشب السوياجي‮ ‬والزان والابلاكاج من الكتلة الشرقية وظل هذا الاستيراد قائما الي أن حدثت أزمة بسوق الأخشاب أدت الي اعلان الكثرين من التجار افلاسهم وذلك خلال عامي‮ ‬73‮ ‬و74‮ ‬لكن حدثت انفراجة في‮ ‬سوق الاخشاب مجدداً‮ ‬عام‮ ‬1976‮ ‬عقب انشاء الشركة المصرية التجارية للاخشاب وهي‮ ‬شركة قطاع عام تخصصت في‮ ‬استيراد الاخشاب لكنها انهارت هذه الشركة بعد ظهور المستوردين بمنطقة العامرية بالاسكندرية لتعيدها للحياة مرة اخري‮ ‬وزارة الاستثمار في‮ ‬عهد محمود محيي‮ ‬الدين برأسمال مليون جنيه وعرض أسهمها للشراء باجمالي‮ ‬20‮ ‬مليون سهم‮.‬

وحسب اسماعيل جعفر احد التجار بدرب سعادة فإن التجار كانوا‮ ‬يحصلون علي الأخشاب من هذه الشركة عن طريق بطاقات تموينية وقتها وكان سوق درب سعادة‮ ‬يحصل علي نصيب الاسد من كميات اخشاب الشركة المستوردة بنسبة‮ ‬75٪‮ ‬لكن مع قانون الاستثمار العربي‮ ‬والأجنبي‮ ‬عام‮ ‬74‮ ‬تم فتح ابواب الاستيراد امام رجال الاعمال المصريين لينهوا خلال‮ ‬4‮ ‬سنوات سيطرة الشركة المصرية لتجارة الاخشاب،‮ ‬واشهر هؤلاء رشاد عثمان الملقب بـ‮ "‬حوت الميناء‮" ‬والذي‮ ‬طالته قرارات التأميم الناصرية ليغادر البلاد عام‮ ‬62‮ ‬ويعود مع الانفتاح الاقتصادي‮ ‬في‮ ‬منتصف السبعينيات ليكون أهم مستورد للاخشاب في‮ ‬السوق المحلية‮.‬

ويقدر بعض المتخصصين في‮ ‬هذا المجال استثمارات رشاد عثمان بنحو‮ ‬45‮ ‬مليار جنيه،‮ ‬يأتي‮ ‬بعده أيمن الدوني‮ ‬والذي‮ ‬بدأ حياته مع الأخشاب في‮ ‬نهاية السبعينيات اذ ورث تركة تجاوزت‮ ‬28‮ ‬مليون جنيه من والده،‮ ‬ويستحوذ الدوني‮ ‬علي حصة سوقية من الأخشاب بالسوق المحلية تصل الي‮ ‬38٪‮ ‬حسب تأكيدات بيانات‮ ‬غرفة تجارة الاخشاب بالاتحاد العام للغرف التجارية،‮ ‬ومع التوسع في‮ ‬الاستيراد ظهر الي جانب هؤلاء المستثمرين اسماء اخري مثل علي‮ ‬أبو زيد وحسن أبو العينين ويستحوذان علي نحو‮ ‬18٪‮ ‬من السوق المحلية طبقاً‮ ‬لبيانات قطاع التجارة الخارجية بوزارة التجارة والصناعة ويعملان في‮ ‬استثمارات تتخطي خمسة مليارات جنيه لكل منهما‮.‬

أما تجار درب سعادة فأشهرهم اسماعيل جعفر والشقيقان علي‮ ‬وابراهيم أبو هديمة وهما‮ ‬يمثلان الجيل الثالث

من تجار السوق والذي‮ ‬بدأ في‮ ‬اواخر السبعينيات امتدادً‮ ‬لجيل عطية ابو هديمة وحسن عبد الشافي‮ ‬ومنتصر رضوان وقد حولا السوق من مجرد ورش ومكاتب صغيرة الي‮ ‬امبراطوريات مترامية الاطراف تدير مخازن ضخمة للاخشاب في‮ ‬امبابة ومسطرد والعبور ومنشية ناصر والخلفاوي‮ ‬وتسيطر عائلة هديمة علي نحو‮ ‬60٪‮ ‬من تجارة الدرب باستثمارات تصل الي نحو‮ ‬11‮ ‬مليار جنيه،‮ ‬اما النسبة الباقية والبالغة‮ ‬40٪‮ ‬فيتقاسم سيطرتها اربعة رجال اعمال اهمهم علي ماضي‮ ‬وعبدالله اسماعيل وسيد عبد النعيم‮.‬

الغريب ان هناك تجارا اخرين لكنهم لم‮ ‬يتمكنوا من الصمود في‮ ‬وجه حيتان المستوردين ومن بين هؤلاء التجار الذين اعلنوا افلاسهم بينماغير البعض نشاطه وابرزهم حسين عبد الموجود وابراهيم شلهوب بمنطقة عابدين وسليمان القاضي‮ ‬بباب الخلق ورياض سعد واشرف بازاني‮ ‬بدرب الجناينية‮.‬

ويبدو ان هذا التاريخ القديم لسوق درب سعادة سيصبح وهما ويسقط من الذاكرة التجارية خاصة بعد رغبة قطاع التجارة الداخلية بوزارة التجارة والصناعة في‮ ‬نقل السوق الي مدينة القطامية الجديدة‮.‬

في‮ ‬اتحاد الصناعات وبالتحديد‮ ‬غرفة صناعة الاخشاب بدت اراء رئيس الغرفة اكثر تحيزا لكبار المستوردين حيث ارجع السر في‮ ‬ارتفاع الاسعار الي الفروع بين اسعار‮ ‬الاخشاب محلياً‮ ‬وعالميا وهي‮ ‬الاسعار التي‮ ‬تتراوح ما بين‮ ‬4‮ ‬و6‮ ‬آلاف جنيه لمتر خشب الابلاكاج و7‮ ‬آلاف و9‮ ‬آلاف جنيه‮.‬

لمتر خشب الزان مع ارتفاع تكاليف الشحن وتحصيل الدولة جمارك وضرائب مبيعات‮ ‬يصلان معا الي‮ ‬10٪‮ ‬من قيمة الأخشاب الواردة بغرض البيع مباشرة و5٪‮ ‬علي‮ ‬الأخشاب القادمة بهدف التصنيع المحلي‮.‬

حجم استثمارات في‮ ‬قطاع الأخشاب‮ ‬يصل الي‮ ‬768‮ ‬مليون دولار سنويا كفيل بإحداث صراعات خفية ومعلنة علي‮ ‬مزادات الأخشاب بمنطقة العامرية بالاسكندرية والتي‮ ‬يصل سعر المزاد الواحد الي‮ ‬170‮ ‬مليون جنيه علي‮ ‬الخشب المحلي‮ ‬و300‮ ‬مليون جنيه علي‮ ‬الخشب المستورد،‮ ‬مشكلة أخري‮ ‬باتت تتدخل لوقف النشاط التجاري‮ ‬بالأسواق وهي‮ ‬مشكلة الأخشاب الصينية والتي‮ ‬يسيطر علي‮ ‬وارداتها عدلي‮ ‬المصري‮ ‬ومحمد عامر وصدقي‮ ‬القليوبي‮ ‬ويبلغ‮ ‬سعر‮ »‬كونتنر‮« ‬الخشب الصيني‮ ‬85‮ ‬ألف جنيه،‮ ‬والغريب أنه لاتوجد عليها حظر جمركي‮ ‬بحجة أنها قادمة بغرض التصنيع فقط ما‮ ‬يتم دفعه هو نسبة الـ5٪‮ ‬المتمثلة في‮ ‬تكاليف الجمارك وضريبة المبيعات‮.‬

وقد قام أعضاء‮ ‬غرفة صناعة الأخشاب باتحاد الصناعة ورابطة تجار الأخشاب بالغرف التجارية برفع توصية خاصة لجهاز الإغراق لفرض رسم إغراق علي‮ ‬هذه المنتجات رديئة المنشأ‮.‬