بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

علي جمعة: أفعال المسلمين ليست حجة على الإسلام

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة - عضو هيئة كبار العلماء

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، إن في العصر الحاضر خلط كثير من الناس بين تصرفات الصوفية وبين التصوف،‏ كما خلط كثير من الخلق بين أفعال المسلمين وبين الإسلام،‏ وأفعال المسلمين في أي مكان وفي أي زمان،‏ لم تكن أبدا حجة على الإسلام.

 

وأوضح جمعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر الناس من فساد الزمان ومن البعد عن السنة،‏ وفي حديث حذيفة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم،‏ يبين رسول الله ﷺ أن الشريعة هي الأساس،‏ وأننا سنرى فتنا،‏ وسنرى مخالفة‏، وسنرى اختلافا بين الناس،‏ يقول حذيفة‏:‏ كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير،‏ وكنت أسأله عن الشر،‏ مخافة أن يدركني،‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله،‏ إنا كنا في جاهلية وشر،‏ فجاءنا الله بهذا الخير،‏ فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال‏:‏ نعم وفيه دخن،‏ قلت‏:‏ وما دخنه؟ قال‏:‏ قوم يهدون بغير هديي،‏ تعرف منهم وتنكر، قلت‏:‏ فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال‏:‏ نعم،‏ دعاة إلى أبواب جهنم،‏ من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت‏:‏ يا رسول الله،‏ صفهم لنا،‏ فقال‏:‏ هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت‏:‏ فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال‏:‏ تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت‏:‏ فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال‏:‏ فاعتزل تلك الفرق كلها‏، ولو أن تعض بأصل شجرة،‏ حتى يدركك الموت وأنت على ذلك‏.

 

وتابع: "فالحق أن المسلمين ليسوا حجة على الإسلام،‏ ولما أمر ﷺ أمير الجيوش قال له‏: "..‏وإن حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله،‏ فلا تنزلهم على حكم الله،‏ ولكن أنزلهم على حكمك،‏ فإنك لا تدري،‏ أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ‏(أخرجه أحمد‏).

 

ولذلك،‏ فإننا عندما نتفاوض،‏ نتفاوض باجتهادنا،‏ فليس هذا هو كلام الله ولا كلام رسوله،‏ إنما هذا ما فهمناه من كلام الله ورسوله ﷺ، ومن أجل ذلك،‏ فإن العلماء من أهل التصوف تقيدوا بالكتاب والسنة،‏ واجتهدوا كما اجتهد الفقهاء،‏ وكما اجتهد أهل العقيدة والمتكلمون،‏ اجتهدوا في هذا الفهم،‏ لكنه مقيد بالكتاب والسنة‏.

 

وذكر جمعة، أنه نشأت الآن ناشئة تنكر التصوف‏،‏ لما رأته من بعض خلل أو بدع‏‏ ممن ينتسبون إلى التصوف،‏ ولو نظرنا إلى سيرة رسول الله ﷺ، لوجدنا أن هذا الذي فعلوه مخالف للمنهج النبوي،‏ فلقد وجد رسول الله ﷺ أصناما حول الكعبة فلم يهدم الكعبة؛ وإنما أزال الأصنام وأبقى الكعبة،‏ هذا هو المنهج النبوي،‏ إنه منهج رباني، كذلك لو نظرنا إلى قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) فهذه الآية تبين‏:‏ أن الصحابة

كان عندهم حرج أن يفعلوا تلك الأفعال التي فعلها المشركون،‏ عندما قصدوا وحجوا إلى بيت الله، وأرادوا إلغاء السعي جملة،‏ لكن السعي من دين إبراهيم،‏ هذا من الحنيفية، هذا بأمر الله سبحانه وتعالى،‏ وهؤلاء المشركون قد خلطوا الوثنية بشريعة إبراهيم،‏ فخلصها الله سبحانه وتعالى منها،‏ وجعل شريعة إبراهيم صافية‏,‏ نحج بها إلى يومنا هذا‏: من طواف‏، وسعي،‏ ورمي، ومبيت،‏ ووقوف بعرفة‏..‏ إلى آخر هذا،‏ وخلصها من النواقص أو الزوائد التي أضافها الوثنيون المشركون‏، لم يلغ هذا الأمر،‏ لأن هذا ليس من الإنصاف،‏ وليس من العدل‏، ورسول الله ﷺ يعلمنا الإنصاف والعدل،‏ ولذلك خلص هذا من ذاك‏.

 

وبين أنه منهج واضح أننا إذا اختلط الأمر،‏ لا نرمي الجميع‏،‏ بل علينا أن نخلص هذا من ذاك، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وننكر البدع والانحرافات‏، لكن التصوف في عصرنا الحاضر تاه بين أعدائه وأدعيائه،‏ فهناك من يتمسك بمجموعة من البدع مدعيا أنها هي التصوف،‏ والتصوف براء من ذلك‏.

 

وأكمل: والتصوف هو حفظ مرتبة الإحسان،‏ ومقيد بالكتاب والسنة،‏ وله علماؤه عبر العصور،‏ كتبوا فيه وعاشوا من أجله،‏ وأوضحوه بألفاظ مختلفة في عصور مختلفة،‏ تكلموا عن الزهد،‏ وألف فيه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة،‏ تكلموا عن الورع،‏ والتقوى،‏ وأعمال القلوب،‏ وكتب كل هؤلاء في هذا،‏ ولكن ابتلينا في عصرنا هذا بمن يريد أن يخالف المنهج النبوي في حقيقة أمره،‏ إلا أنه تزيا -في الظاهر- بالزي النبوي،‏ تراه يطلق لحيته،‏ ويقصر ثوبه،‏ ويضع سواكه فوق أذنه وكأنه من الجيل الأول،‏ ومن السلف الصالح،‏ ثم تراه في بعض الأحيان عن جهل،‏ وفي بعض الأحيان عن غرور وكبر يخرج على المنهج النبوي،‏ أحداث الأسنان سفهاء الأحلام،‏ يقولون من كلام خير البرية،‏ لا يجاوز إيمانهم تراقيهم،‏ فإنا لله وإنا إليه راجعون.