بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

المياه.. بدلاً من الدماء 3

من أخطاء مصر التي لا تغتفر أنها أعطت ظهرها لأفريقيا كلها.. القريبة المجاورة لها.. أو البعيدة.

وحقيقة كانت مصر قد أقامت علاقات طيبة، حتي مع الزعامات الشعبية خلال مرحلة النضال ضد الاستعمار.. ومدت مصر يديها في بادرة رائعة وكان عقل مصر الذي نفذ هذه السياسة الرائعة هو الوزير محمد فائق الذي اختص بالملف الإفريقي قبل، وبعد أن أصبح وزيرا للإعلام.. وكان يقود الجناح الاقتصادي محمد أحمد غانم الذي انشأ العديد من المراكز لتقديم المساعدات والعون خصوصاً لدول غرب افريقيا من خلال افتتاح مراكز وفروع لشركة النصر للتصدير والاستيراد هناك علي نفس خطي شركات الهند الشرقية الهولندية والانجليزية والفرنسية وتطبيقاً لهذه السياسة الواعية فتحت مصر أبوابها لأي إفريقي يلجأ إليها من شرق القارة أو من غربها.. وأخذت تبث برامج لهذه المناطق باللغات المحلية فيها مثل السواحلية وغيرها.

** وردت أفريقيا الجميل لمصر في محنتها بعد هزيمتها في يونيه 1967 ولكننا للأسف أنكفأنا علي انفسنا.. فأهملنا الاهتمام بالملفات الافريقية واعطينا كل جهدنا للملفات العربية.. وبالذات الملف الاسرائيلي.. واستغلت اسرائيل انكماشنا في افريقيا وزحفت هي لتحتل المواقع التي كانت مصر قد نجحت في اقامتها.. وشيئاً فشيئاً تغلغلت اسرائيل وبشدة في كل افريقيا.. وبالذات تلك الدول الممتدة من المدخل الجنوبي للبحر الاحمر عند باب المندب.. متجهة غرباً إلي ان وصلت إلي كل دول جنوب الصحراء، حتي المحيط الاطلنطي.. أي ببساطة أحاطت أصابع اسرائيل - بالكامل - بحدودنا الجنوبية ونامت مصر إفريقيا.. ولم تستيقظ إلا بعد ان فات الأوان.

** وبعد أن كان قادة استقلال هذه الدول يحنون إلي مصر التي مدت لهم يديها، بينما العالم كله يتغافل عنهم.. رأت شعوبهم ان مصر تنعم بالخير.. وهم يرونها، كما تري نحن أمريكا وشمال وغرب أوروبا

والحقيقة المؤكدة أن دول إفريقيا حساسة تجاه من يعتدي علي أي دولة منها.. بل هي »كلها« تتحد خلف هذه الدولة وتقف وبقوة وراء الدولة المعتدي عليها.. وبالتالي علينا أن نضع استراتيجية جديدة تتفق وروح العصر.. وكان هذا اهم اسباب الحوار الدائر الآن في وزارة الموارد المائية والري بدعوة وزيرها الدكتور حسين العطفي.

** ولا يجب ان ننظر إلي الأمر من منظور مياه النيل وحدها.. بل في إطار سياسة عامة منفتحة علي التعاون والمصالح المشتركة. وإذا كنا نري ان المياه هي أغلي ما في الوجود.. فإننا نقول انه من أجل هذه المياه علينا ان نفعل المستحيل.. نقول ذلك لأن دول منابع النيل بحوضه الشرقي الاثيوبي.. والغربي بحوضه الاستوائي تتحدث حقيقة الآن عن بيع المياه لمن يريد.. ما دامت هي تشتري البترول.. لتحصل علي الطاقة.

** من هنا مطلوب ان تنطلق البعثات الي كل

دول النيل العشر.. وكانت حركة طيبة أن تبدأ »مصر الحديثة« أول خروج لها بعد ثورة الشباب.. بالخروج إلي السودان، حيث دولتان من دول الحوض الاستوائي: جمهورية السودان.. ثم جمهورية جنوب السودان اي بزيارة الخرطوم وجوبا.. وإذا كانت هذه الزيارة لم تستغرق الا حوالي يومين، الا اننا نطالب ببعثات طويلة المدة.. ليس للسلام والشد علي الأيدي.. ولكن الذهاب يكون بأفكار عملية.. لمشروعات واقعية جاهزة للتنفيذ.. فاذا كانت »جمهورية جنوب السودان« تعاني من نقص شديد في البنية الاساسية من طرق ومساكن ومياه للشرب وكهرباء ومبان إدارية وعيادات صغيرة متعددة ومنتشرة .. ومدارس عديدة.

** ونفس الشيء في دول أكثر بعداً مثل بوروندي ورواندا وأيضا أوغندا. وإذا كانت مصر قد اشتركت في تمويل انشاء خزان أوين الذي ساهمت فيه مصر في اوغندا علي بعد 3 كيلو مترات من مخرج المياه من بحيرة فيكتوريا وكان الغرض منه توليد الكهرباء.

كما ساهمت مصر في انشاء خزان جبل الاولياء جنوب الخرطوم.. وللحقيقة فإنه لم تكن لمصر منفعة مباشرة من هذين الخزانين.. ولكنهما كانا بادرة تعاون مع الدولتين.

وهناك العديد من الافكار يمكن تنفيذها عند بحيرة فيكتوريا وتطل عليها أوغندا وتنزانيا وكينيا. منها مواجهة انخفاض منسوب مياه ببحيرة فيكتوريا، حيث معدل المطر أعلي ما يمكن ولكن معدل البحر في هذا المسطح الهائل كبير للغاية.. واذا تمكنا جميعاً من رفع هذا المنسوب بزيادة المياه الداخلة إلي البحيرة.. فان هذه الدول يمكن ان تنتفع معاً بالزيارة المرتقبة.. وبالمثل بحيرة ألبرت.

** الخلاصة ان هناك مشروعات كبيرة يمكن ان تستفيد منها كل الدول دون المساس بحصة مصر التاريخية.

وهكذا نقدم نموذجا للتعاون المشترك.. في جنوب السودان حيث إحياء مشروع قناة جونجلي.. وايضا حيث مناطق السدود في مشار أو في كل حوض بحر الغزال.