علينا بأنفسنا.. أولاً
الذين يتصورون أن حال البلاد من الممكن أن يتحسن بين عشية وضحاها واهمون، وأن الحياة ستسير إلى الأفضل والأحسن بين يوم وليلة أكثر وهماً، وأن المصريين سينعمون بالرخاء قريباً، لا يعيشون بيننا وإنما فى أبراج عاجية!!!.. أما الذين يعتقدون أن الأمور انتهت بثورة يناير ضد الظلم والطغيان، فهذا تصور خاطئ للغاية، والذين حلموا بحكم مدنى وقد تحقق بالفعل على أرض الواقع وتوقفت أحلامهم عند هذا الحد، إنما هم بذلك لا يدركون حقائق الأمور ومتطلباتها!!!
أقول هذا الكلام بمناسبة أن الناس تصورت أنه بمجرد نجاح الثورة ستتحقق آمالهم فى الحياة الكريمة الهانئة دون العمل الجاد الذى يجعل هذا محققاً، فالمسألة ليست ثورة وكفى، وليست حلماً تحقق بإزاحة النظام السابق دون العمل الجاد لما يتسبب فى تحويل حياة الناس إلى الأفضل والأحسن.. نجاح الثورة الحقيقى لابد أن يعقبه تغيير شامل فى طبائع المصريين، وتغيير نظم حياتهم بما يتماشى مع هذه الثورة المباركة..أما الذين يتصورون أنه بعد تغيير النظام وانتخاب رئيس مدنى فى أول انتخابات رئاسية نزيهة حرة، ستتحقق أحلامهم فى الحياة الهانئة دون تغيير فى ثقافة المصريين وطريقة عملهم ونظام حياتهم فهذا وهم كبير.. الرئيس محمد مرسى الذى انتخبناه واختارته الإرادة الشعبية، لا يملك عصا موسى السحرية حتى يحقق طموحات الناس دون قيام الناس أنفسهم بتغيير طريقة تفكيرهم ونظام حياتهم ومعيشتهم.
ويخطئ من يظن أن الدولة المصرية تملك سحراً حتى تتمكن من إنعاش حياة الناس وتوفير كل ما يحتاجه المواطنون.. ليس معنى ذلك أننى أحمل المصريين مسئولية القهر والظلم والطغيان الذى تعرضوا له على مدار عقود طويلة من الزمن، ولا أتهمهم ـ لا قدر الله ـ بمسئوليتهم عن الخراب الذى حل بالبلاد بشكل يدمى له القلب، ولكن أنبه إلى حقيقة مرة وهى أن الآمال المعقودة على اجراء تغيير إلى الأفضل، لم تتحقق أبداً فى ظل عدم تغيير ثقافة وطبائع البشر، فلابد من احداث تغيير شامل وجذرى فى طبيعة المجتمع حتى تتمكن الدولة من احداث التغيير الذى ينشده الجميع.. ليس بمقدور الرئيس ولا أى حكومة أن توفر للناس الحياة الكريمة دون أن يسعى الشعب نفسه إلى العمل من أجل تحقيق هذا الحلم، فالمصريون بحاجة شديدة جداً إلى استمرار الثورة فى نفوسهم ضد كل السلبيات داخل المجتمع، فالحكومة مثلاً لن ينجح وزراؤها فى مراقبة الفاسدين والمرتشين داخل الدواوين الحكومية.. لكن احتكاك المواطنين بهذه الدواوين وحرصهم على منع الفساد هو الذى يقضى على هذه الظاهرة السلبية.
والناس لو قرروا عدم التعاقد مع المدرسين الخصوصيين، واكتفوا فقط بما يتم فى المدارس، لانتهت الدروس الخصوصية الى غير رجعة، ولو امتنع المواطن عن تقديم الرشوة إلى الموظف، فسيضطر هذا المرتشى الى تنفيذ طلب المواطن المشروع الذى لا يخالف القانون.
الأمر هو أن التغيير الحقيقى، ليس هو استبدال نظام بنظام آخر بديل، ولا حكومة بحكومة، لكن سلبية الناس وتجاهلهم