بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

هل الأفضل ختم الصلاة سرا أو جهرا ؟

يسأل الكثير من الناس هل الأفضل ختم الصلاة سرا أو جهرا ؟ فأجاب الشيخ عطية صقر رحمه الله وقال 

وردت نصوص فى فضل الإسرار بالذكر والدعاء عامة ، منها قوله تعالى { واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال } الأعراف :205 ، وقوله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } الأعراف :55، وروى مسلم عن أبى موسى قال : كنا مع النبى @ فى سفر-وفى رواية فى غزاة -فجعل الناس يجهرون بالتكبير-وفى رواية :
فجعل رجل كلما عَلاَ ثَنِيه قال : لا إله إلا الله - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم " وقال الرسول صلى الله عليه وسلم " خير الذكر الخفى "وقال " السر بالقرآن كالسر بالصدقة " .
كما وردت نصوص فى فضل الجهر بالذكر عامة ، منها الحديث القدسى الذى رواه البخارى " أنا عند ظن عبدى بى ، وأنا معه إذا ذكرنى ، فان ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ، وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه " والذكر فى الملأ لا يكون غالبا إلا عن جهر ، كما صح فى مسلم وغيره أن الملائكة تحف مجالس الذكر ، وبخاصة فى بيوت الله ، وأن الله يغفر لمن يجالسون الذاكرين للّه . وأخرج البيهقى أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل :
لو أن هذا خفض من صوته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعه فإنه أوَّاه " وأخرج الحاكم عن عمر رضى الله عنه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم " من دخل السوق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير ، كتب الله له ألف ألف حسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة ، وبنى له بيتا فى الجنة " .
وقد جمع النووى بين نصوص الجهر ونصوص الإسرار فقال -: إن الإخفاء أفضل حيثما خاف الرياء أو تأذى به مصلون أو نيام ، والجهر أفضل فى غير ذلك ، لأن العمل فيه أكثر ، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ، ولأنه يوقظ قلب القارى ، ويجمع همه إلى الفكر ، ويصرف سمعه إليه ، ويطرد النوم ، ويزيد النشاط .
وقال بعضهم : يجب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها ، لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر . و الجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار انتهى .
وذلك كله فى غير التَّعْليم وفيما إذا كان الدعاء جماعيا كما فى صلاة الاستسقاء والقنوت مثلا ، فالجهر أفضل .
وما سبق هو فى الذكر والدعاء عامة ، أما بخصوص ما بعد الصلاة فقد وردت نصوص فى الجهر منها قول ابن عباس رضى الله عنهما ، كما رواه البخارى ومسلم : كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير . وفى رواية لمسلم : كنا ... وفى رواية لهما عنه أيضا أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا إذا سمعته .
ومعنى هذا أن الناس الذين كانوا يصلون خلف النبى صلى الله عليه وسلم ، وبخاصة من يكونون فى الصفوف الخلفية لا يسمعون عبارة " السلام عليكم " التى ينتهى بها الرسول من الصلاة فيظلون منتظرين حتى يفرغ الرسول منها ويشرع فى ختام الصلاة بالتكبير والتسبيح و التحميد وما إلى ذلك ، أى أن صوته كان مرتفعا فسمعوه .
وورد فى الإسرار بختام الصلاة ما رواه أحمد عن أبى سعيد الخدرى قال :
اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعهم يجهرون بالقراءة وهم فى قبة لهم ، فكشف الستور وقال " ألا إن كلكم مناج ربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة " أو

قال " فى الصلاة " .
وبناء على هذه النصوص اختلف الفقهاء ، فى حكم الجهر بالذكر عقب الصلوات ، فمنهم من قال : لا بأس به ، بناء على ما رواه ابن عباس ، ومنهم من قال بكراهته ، بناء على ما رواه أبو سعيد الخدرى .
قال الإمام النووى فى شرح صحيح مسلم "ج ه ص 84 " تعقيبا على حديث ابن عباس : هذا دليل لما قاله بعض السلف : إنه يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقب المكتوبة ، وممن استحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهرى .
ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير . وحمل الشافعى رضى الله عنه هنا الحديث - حديث ابن عباس - على أنه جهروا وقتا يسيرا حتى يعلمهم صفة الذكر ، لا أنهم جهروا دائما . قال فأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيا ذلك ، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلَّم منه فيجهر ، حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر ، وحمل الحديث على هذا .
والذى أختاره ، بعد عرض هذا الكلام المبنى على النصوص العامة والخاصة بالذكر بعد الصلاة ، هو الإسرار بالذكر ، لأنه أعون على الإخلاص ، وفيه عدم تشويش على المصلين الآخرين ، وذلك فى الأوساط الإسلامية العارفة بختام الصلاة ، أما فى المجتمعات الإسلامية الحديثة العهد بالإسلام فإن الجهر يكون أفضل للتعليم ، وذلك بصفة مؤقتة ثم يكون الإسرار بعد ذلك هو الأفضل .
وليس المراد بالسر أن يكون همسا لا يسمع الإنسان نفسه ، ولكن المراد ألا يشوش به على غيره .
يقول المرحوم الشيخ محمد بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية الأسبق : وختم الصلوات بالذكر والأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مندوب مرغب فيه شرعا ما دام الذكر والدعاء منها وسطا لا إلى إفراط بحيث يجهد نفسه ويزعج غيره ، ولا إلى تفريط بحيث لا يسمع نفسه بل يكون كما قال الله تعالى { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} الإسراء :
110 ، انتهى .
وأما قوله تعالى { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } الأعراف :55، فهو فى الدعاء وليس فى مطلق الذكر فإن الدعاء بالذات يفضَّل فيه الإسرار ، لأنه أقرب إلى الإجابة ، قال تعالى{ إذ نادى ربه نداء خفيا } مريم : 3 ، إلا بنا كان فى جماعة ليعلمهم أو ليكون الدعاء مطلوبا من الجميع فالجهر أفضل ، كما فى صلاة الاستسقاء والقنوت ، والاعتداء فى الدعاء فسر بأنه تجاوز المأمور به ، أو اختراع دعوة لا أصل لها فى الشرع.