بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

غرائب وعجائب الاستفتاءات في‮ ‬مصر



انتهي‮ ‬استفتاء السبت الماضي‮ ‬بما له وما عليه وعدنا إلي المربع رقم‮ (‬1‮) ‬قبل الاستفتاء وهو الإعلان الدستوري‮ ‬الذي‮ ‬لو كان قد صدر لما كنا في‮ ‬حاجة إلي هذا الاستفتاء أصلاً‮ ‬الذي‮ ‬اتفق فيه الذين قالوا نعم مع الذين قالوا لا في‮ ‬أن الجميع‮ ‬يريدون دستوراً‮ ‬جديداً،‮ ‬والذي‮ ‬كشف لنا ألاعيب فلول النظام السابق وبعض الانتهازيين من جماعة الإخوان والتيارات الدينية‮ - ‬الذين فاقت انتهازيتهم كل التوقعات فأصبحوا‮ ‬يعتبرون أن الموافقة علي تعديل دستور ساقط وإحيائه واجب شرعي‮ ‬وأمر ضروري‮ ‬لحماية الإسلام والمسلمين‮!! - ‬والذين استخدموا سلاح اللعب بالدين وفزاعة الاستقرار لإقناع المصريين بالتصويت بنعم لترقيع الدستور،‮ ‬لن نتحدث عن المساجد التي‮ ‬استخدمت لترويع الناس وتصوير رفض الترقيعات الدستورية علي أنه هزيمة للإسلام والمسلمين ومؤامرة صليبية لمحو الإسلام من مصر‮!!‬،‮ ‬ولن نتحدث عن الأموال التي‮ ‬أنفقت واللافتات التي‮ ‬علقت والكتيبات التي‮ ‬وزعت من أجل‮ "‬نعم‮". ‬كل هذا كان مفيداً‮.. ‬فقد أكد أن ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير ما زالت محروسة بالعناية الإلهية،‮ ‬فكما ساهم تباطؤ وتلكؤ النظام السابق وتأخر ردود فعله في‮ ‬تأجيج الثورة،‮ ‬وكما ساهمت موقعة الجمل في‮ ‬حسم الثورة وخلع الرئيس السابق‮... ‬جاء الاستفتاء لكشف كل الانتهازيين والمتربصين للقفز علي السلطة والمتشوقين لكراسي‮ ‬البرلمان الوثيرة والواقفين بالمرصاد من أجل اختطاف الثورة‮.‬
لن نتحدث عن كل ذلك،‮ ‬ولكننا سوف نتحدث عن الاستفتاءات‮.. ‬كيف تعد وتطبخ بعيداً‮ ‬عن أبناء الوطن لتحدد مصير هذا الوطن،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أن نتحدث عن الاستفتاءات دون أن تتداعي إلي الذاكرة ما حدث في‮ ‬يوم الأربعاء الأسود‮.. ‬هل تذكرونه؟،‮ ‬في‮ ‬هذا اليوم قامت قيادات من الحزب الوطني‮ ‬تحت حماية أجهزة الأمن وقوات الشرطة‮ - ‬ولأول مرة في‮ ‬تاريخ مصر‮- ‬باستخدام التحرش الجنسي‮ ‬وتسهيل استخدامه لمجموعات من البلطجية ضد المتظاهرين المعارضين للاستفتاء علي تعديل المادة‮ ‬76‮ ‬من الدستور‮.. ‬إن‮ ‬يوم‮ ‬25‮ ‬مايو‮ ‬2005‮ ‬سيدخل التاريخ،‮ ‬ليس باعتباره‮ ‬يوما للاستفتاء علي تعديل المادة‮ ‬76‮ ‬من الدستور لكي‮ ‬يتم تفصيلها علي الوريث الذي‮ ‬كان‮ ‬يعد له المسرح للجلوس علي عرش مصر،‮ ‬ولكن باعتباره اليوم الذي‮ ‬جري‮ ‬فيه لأول مرة استخدام هذا السلاح الحقير بشكل علني‮ ‬وجماعي‮ ‬في‮ ‬الطريق العام،‮ ‬كانت مجموعة صغيرة من المتظاهرين قد تجمعوا للإعلان عن رفضهم لنص تعديل المادة‮ ‬76‮ ‬من الدستور أمام نقابة الصحفيين وضريح سعد زغلول،‮ ‬حين تصدت لهم جحافل من عصابات مأجورة من العاطلين والبلطجية تعرضوا لهم بالضرب المبرح وتعمدوا هتك عرض عدد من الصحفيات والمحاميات والناشطات السياسيات وضربهن وتمزيق ملابسهن والتحرش الجنسي‮ ‬بهن وذلك بقيادة شخصيات معروفة في‮ ‬الحزب الوطني‮ ‬الحاكم،‮ ‬وتحت حراسة وحماية قوات أمن كبيرة حاصرت مبني نقابتي‮ ‬الصحفيين والمحامين ومنعت المتظاهرين من الهروب من بين أيدي‮ ‬المعتدين ورفضت تقديم أية حماية لهم،‮ ‬كل ذلك من أجل أن‮ ‬يمر الاستفتاء علي تعديل المادة‮ ‬76‮ ‬من الدستور كما‮ ‬يريد النظام،‮ ‬ودون أن‮ ‬يخرج صوت واحد‮ ‬يقول لا‮.‬
الغريب أن عدد الذين تعرضوا لاعتداء بدني‮ ‬أو تحرش جنسي‮ ‬أمام نقابة المحامين وضريح سعد كانوا‮ ‬25‮ ‬شخصاً‮ (‬مثل تاريخ اليوم تماماً‮)‬،‮ ‬13‮ ‬سيدة وفتاة و12‮ ‬رجلاً،‮ ‬منهم‮ ‬6‮ ‬من الصحفيات،‮ ‬و4‮ ‬من الصحفيين منهم عضوان بمجلس نقابة الصحفيين،‮ ‬وطبيبتان،‮ ‬ومحاميتان،‮ ‬وأستاذتان بالجامعة،‮ ‬ومهندس،‮ ‬وثمانية من الطلاب والموظفين،‮ ‬وشهد هذا اليوم الاستفتاء رقم‮ ‬20‮ ‬منذ بدأت لعنة أو لعبة الاستفتاءات في‮ ‬مصر‮.‬

فما هي‮ ‬قصة الاستفتاءات في‮ ‬مصر؟
يقول فقهاء النظم السياسية إن الاستفتاء الشعبي‮ ‬هو أسلوب من أساليب الديمقراطية شبه المباشرة،‮ ‬أي‮ ‬الديمقراطية التي‮ ‬يشترك فيها الشعب مع البرلمان في‮ ‬تولي‮ ‬الشئون العامة‮. ‬ويقصد بالاستفتاء عرض موضوع عام علي الشعب لأخذ رأيه فيه،‮ ‬ومن ثم فإنه‮ ‬يسمح للشعب بالاحتفاظ بحق البت في‮ ‬القرارات الهامة فلا‮ ‬يفقد سلطاته الأصيلة في‮ ‬ممارسة شئون الحكم،‮ ‬هذا ما‮ ‬يقوله فقهاء القانون الدستوري‮ ‬والنظم السياسية،‮ ‬ولكن في‮ ‬مصر ومنذ أول استفتاء جري في‮ ‬23‮ ‬يونيو عام‮ ‬1956‮ ‬وحتي آخر استفتاء جري في‮ ‬26‮ ‬مارس‮ ‬2007‮ ‬فإنه‮ - ‬الاستفتاء‮ - ‬تحول إلي وسيلة‮ ‬لتزييف إرادة الشعب،‮ ‬وللراحل الدكتور عصمت سيف الدولة المحامي‮ ‬البارز والمفكر المعروف كتاباً‮ ‬اسمه‮ "‬الاستبداد الديمقراطي‮" ‬يشرح فيه كيف تحول الاستفتاء في‮ ‬مصر وعدد كبير من دول العالم الثالث‮ - ‬بل وفي‮ ‬فرنسا أيضاً‮ - ‬إلي وسيلة من وسائل الاستبداد التي‮ ‬يستخدمها الحكام الطغاة لتزوير إرادة الشعوب باسم الديمقراطية‮.‬
والاستفتاء في‮ ‬مصر نوعان‮: ‬الأول هو الاستفتاء السياسي‮ ‬والغرض منه معرفة رأي‮ ‬الشعب في‮ ‬قضية معينة أو لإقرار إجراء معين أو معاهدة أو قانون ما أو تعديل دستوري،‮ ‬والنوع الثاني‮ ‬هو الاستفتاء الانتخابي‮ ‬الذي‮ ‬كان موجوداً‮ ‬قبل تعديل المادة‮ ‬76‮ ‬من الدستور والغرض منه عرض مرشح وحيد علي المواطنين لاختياره رئيساً‮ ‬للجمهورية‮. ‬
وطوال‮ ‬52‮ ‬عاماً‮ ‬أجري‮ ‬واحد وعشرون استفتاء في‮ ‬مصر منهم‮ ‬4‮ ‬استفتاءات في‮ ‬عصر الرئيس جمال عبد الناصر،‮ ‬10‮ ‬استفتاءات في‮ ‬عهد الرئيس أنور السادات،‮ ‬و7‮ ‬استفتاءات في‮ ‬عهد الرئيس مبارك،‮ ‬كانوا كالتالي‮:‬
- ‬استفتاء‮ ‬يونيو‮ ‬1956‮ ‬حول الدستور واختيار جمال عبد الناصر رئيساً‮ ‬لأول مرة‮.‬
- ‬استفتاء فبراير‮ ‬1958‮ ‬حول قيام الوحدة بين مصر وسوريا واختيار جمال عبد الناصر رئيساً‮ ‬للجمهورية العربية المتحدة‮.‬
- ‬استفتاء مارس‮ ‬1965‮ ‬لاختيار جمال عبد الناصر رئيساً‮ ‬للمرة الثانية‮.‬
- ‬استفتاء مايو‮ ‬1968‮ ‬علي بيان‮ ‬30‮ ‬مارس‮.‬
- ‬استفتاء أكتوبر‮ ‬1970‮ ‬لاختيار أنور السادات رئيساً‮ ‬بعد وفاة عبد الناصر‮.
‬- ‬استفتاء أول سبتمبر‮ ‬1971‮ ‬حول اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا‮.‬
- ‬استفتاء‮ ‬11‮ ‬سبتمبر1971‮ ‬علي الدستور الدائم‮.‬
- ‬استفتاء مايو‮ ‬1974‮ ‬حول ورقة أكتوبر‮.‬
- ‬استفتاء سبتمبر1976‮ ‬لاختيار أنور السادات رئيساَ‮ ‬لفترة ثانية‮.‬
- ‬استفتاء فبراير‮ ‬1977‮ ‬حول مجموعة قوانين حماية الوحدة الوطنية‮.‬
- ‬استفتاء مايو‮ ‬1978‮ ‬حول قانون العيب وقوانين حماية الجبهة الداخلية‮.‬
- ‬استفتاء أبريل‮ ‬1979‮ ‬حول معاهدة السلام وحل مجلس الشعب‮.‬
- ‬استفتاء مايو‮ ‬1980‮ ‬حول عدم تحديد مدة الرئيس ومجموعة تعديلات دستورية‮.‬
- ‬استفتاء سبتمبر1981‮ ‬علي اعتقالات سبتمبر وما سمي‮ ‬بمبادئ الوحدة الوطنية‮.‬
- ‬استفتاء أكتوبر‮ ‬1981‮ ‬لاختيار مبارك رئيساً‮ ‬بعد اغتيال السادات‮.‬
- ‬استفتاء فبراير‮ ‬1987‮ ‬حول حل مجلس الشعب‮.‬
- ‬استفتاء أكتوبر‮ ‬1987‮ ‬لاختيار مبارك رئيساً‮ ‬لفترة ثانية‮.‬
- ‬استفتاء أكتوبر‮ ‬1993‮ ‬لاختيار مبارك رئيساً‮ ‬لفترة ثالثة‮.‬
- ‬استفتاء سبتمبر1999‮ ‬لاختيار مبارك رئيساً‮ ‬لفترة رابعة‮.‬
- ‬استفتاء مايو‮ ‬2005‮ ‬حول تعديل المادة‮ ‬76‮ ‬من الدستور‮.‬
- ‬استفتاء مارس‮ ‬2007‮ ‬حول تعديل‮ ‬34‮ ‬مادة من الدستور‮.‬
- ‬استفتاء‮ ‬19‮ ‬مارس‮ ‬2011‮ ‬حول تعديل‮ ‬9‮ ‬مواد من الدستور‮.‬
ورغم الطابع المأساوي‮ ‬ليوم الأربعاء الحزين‮ ‬25‮ ‬مايو عام‮ ‬2005‮ ‬الذي‮ ‬تم فيه الاستفتاء علي تعديل المادة‮ ‬76‮ ‬من الدستور والذي‮ ‬قاطعته معظم أحزاب المعارضة والقوي السياسية في‮ ‬مصر،‮ ‬والذي‮ ‬كان نقطة فاصلة في‮ ‬العلاقة بين السلطة ونادي‮ ‬القضاة بعد أن شكل النادي‮ ‬لجنة تقصي‮ ‬حقائق أصدرت تقريراً‮ ‬يدين كافة الإجراءات التي‮ ‬شابت جميع مراحل الاستفتاء،‮ ‬وأكد أن نسبة المصوتين لم تتجاوز‮ ‬3‮ ‬٪‮ ‬وهو التقرير الذي‮ ‬ترتب عليه تعديل المادة الدستورية التي‮ ‬توجب الإشراف القضائي‮ ‬علي الانتخابات،‮ ‬رغم هذا الطابع المأساوي‮ ‬فالاستفتاءات التي‮ ‬جرت في‮ ‬مصر طوال نصف القرن الماضي‮ ‬حفلت بالعديد من الغرائب والعجائب والمهازل،‮ ‬ليست فقط حكاية الـ5‮ ‬تسعات الشهيرة،‮ ‬ولا العدد الهزيل الذي‮ ‬يصوت في‮ ‬تلك الاستفتاءات،‮ ‬ولا الموضوعات المتعددة‮ ... ‬بل وربما المتناقضة التي‮ ‬توضع كلها في‮ ‬سلة واحدة لكي‮ ‬يقول فيها الناخب جميعها نعم أو لا،‮ ‬لكن هناك حكايات أخري تستحق أن تروي‮.‬
إعلن‮ ‬يا نبوي
والذين عاصروا عهد الرئيس المؤمن أنور السادات مازالوا‮ ‬يتذكرون المشهد الهزلي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يؤديه في‮ ‬قريته ميت أبو الكوم مع وزير داخليته النبوي‮ ‬إسماعيل عند إعلان نتائج الاستفتاءات حيت‮ ‬ينحني‮ ‬الأخير أمام الرئيس الخارج لتوه من مسجد القرية،‮ ‬أو الجالس علي‮ " ‬مصطبة‮ "‬الدار مرتدياً‮" ‬الجلابية السكروتة‮ " ‬ليقول له‮ : ‬أعلن‮ ‬يا نبوي،‮ ‬فيعتدل النبوي‮ ‬في‮ ‬وقفته ويخرج ورقة من جيب الجاكيت‮ ‬يعلن منها بالتفصيل نتيجة الاستفتاء الذي‮ ‬لم‮ ‬يقل أبدا عن‮ ‬99٪‮ ‬وأمامها عدة كسور‮.‬
والنبوي‮ ‬إسماعيل وزير داخلية السادات الشهير كان بطلاً‮ ‬لست حلقات من مسلسل الاستفتاء الشهير أحدها في‮ ‬عهد مبارك وهو استفتاء‮ ‬13‮ ‬أكتوبر‮ ‬1981‮ ‬الذي‮ ‬تولي مبارك الحكم بموجبه عقب اغتيال السادات قبلها بأسبوع،‮ ‬وخمسة استفتاءات في‮ ‬عهد السادات كان أشهرها استفتاء‮ ‬19‮ ‬أبريل عام‮ ‬1979‮ ‬والذي‮ ‬حل السادات بموجبه مجلس الشعب لاعتراض‮ ‬19‮ ‬نائباً‮ ‬رفضوا معاهدة كامب ديفيد،‮ ‬وطرح حل البرلمان والموافقة علي المعاهدة والعزل السياسي‮ ‬لمجموعة من المعارضين وأشياء أخري في‮ ‬هذا الاستفتاء‮!!. ‬
كان من عادة السادات أن‮ ‬يدلي‮ ‬بصوته في‮ ‬أي‮ ‬استفتاء أو انتخابات في‮ ‬قريته بلجنة مدرسة ميت أبو الكوم الابتدائية‮ (‬الرئيس المخلوع مبارك كان‮ ‬يدلي‮ ‬دائماً‮ ‬بصوته في‮ ‬مدرسة مصر الجديدة الثانوية بنات المجاورة لمنزله‮)‬،‮ ‬وكما تقول جريدة الأهرام‮ ( ‬السبت‮ ‬21‮/‬4‮/‬1979‮) ‬فإنه في‮ ‬يوم الجمعة‮ ‬20‮ ‬أبريل‮ ‬1979‮ ‬وعقب أداء الرئيس لصلاة الظهر في‮ ‬مسجد القرية،‮ ‬خرج إلي الشارع المجاور للمسجد مرتدياً‮ ‬جلبابه الشهير وممسكا بعصاه وغليونه،‮ ‬وعلي‮ ‬يمينه عثمان أحمد عثمان نقيب المهندسين‮ (‬صهر السادات حينئذ‮) ‬وعلي‮ ‬يساره حسني‮ ‬مبارك نائب الرئيس
وأمام عدسات وميكروفونات المصورين والصحفيين ووكالات الأنباء وقف النبوي‮ ‬إسماعيل أمام الرئيس وانحني انحناءته الشهيرة،‮ ‬فقال السادات أعلن‮ ‬يا نبوي،‮ ‬فأخرج النبوي‮ ‬ورقة من جيبه وأخذ‮ ‬يتلو منها عدد المقيدين وعدد الحاضرين والأصوات الباطلة وعدد الذين قالوا نعم و"الأراذل‮" ‬الذين قالوا لا‮.‬
تكرر هذا المشهد مرة أخري‮ ... ‬وأخيرة‮ (‬بدون مبارك وعثمان‮)‬،‮ ‬يوم الجمعة‮ ‬11‮ ‬سبتمبر1981‮ ‬عقب حملة اعتقالات سبتمبر الشهيرة،‮ ‬عندما أجري السادات استفتاء‮ ‬يوم‮ ‬10‮ ‬سبتمبر علي الإجراءات التي‮ ‬اتخذها والتي‮ ‬تنوعت بين اعتقال‮ ‬1536‮ ‬ناشطاً‮ ‬سياسياً‮ ‬وفصل العشرات من الصحفيين وأساتذة الجامعات من وظائفهم،‮ ‬ونقل البعض الآخر لوظائف أخري،‮ ‬وعزل البابا،‮ ‬وإغلاق العديد من الصحف،‮ ‬وهي‮ ‬الإجراءات التي‮ ‬أطلق عليها السادات‮ "‬مبادئ الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي‮!!‬‭ ‬وأطلق عليها كتابه وصحفيوه‮ "‬ثورة سبتمبر‮".‬
نميري‮ ‬يصوت للسادات
الهزل في‮ ‬هذه الاستفتاءات لم‮ ‬يكن فقط مشهد السادات والنبوي،‮ ‬ولا المؤتمر الصحفي‮ ‬الذي‮ ‬عقده الرئيس في‮ ‬ميت أبو الكوم‮ ‬يومها وكال فيه الشتائم للصحفيين والمعارضين،‮ ‬ولكن في‮ ‬استفتاء‮ ‬19‮ ‬أبريل‮ ‬1979‮ (‬حسب جريدة الأهرام عدد‮ ‬21‮ ‬أبريل‮ ‬1979‮) ‬فإن مواطناً‮ ‬ليبياً‮ ‬اسمه‮ "‬إبراهيم فرح بوجازية‮ " ‬ذهب إلي لجنة قسم المنتزه بالإسكندرية،‮ ‬وأدلي بصوته وقال‮ (‬طبقاً‮ ‬للأهرام أيضاً‮) ‬نعم للسادات ونعم لحل مجلس الشعب‮!!‬،‮ ‬الأمر لم‮ ‬يفت أبناء العم ورئيس وزرائهم في‮ ‬ذلك الوقت‮ "‬مناحم بيجين‮" ‬فقد كتبت الأهرام في‮ ‬صفحتها الأولي‮ (‬21‮/ ‬4‮/ ‬1979‮ ) ‬بيجين‮ ‬يتصل بالسادات لتهنئته بحل مجلس الشعب‮!!. ‬
أما سلوك هذا المواطن الليبي‮ ‬فقد شجع رئيس دولة عربية‮ (‬كان في‮ ‬الحكم وقتها‮) ‬هو الرئيس السوداني‮ ‬جعفر نميري‮ ‬لأن‮ ‬يذهب في‮ ‬الاستفتاء التالي‮ ‬مباشرة‮ (‬الاستفتاء علي اختيار مبارك رئيساً‮ ‬لأول مرة‮ ‬يوم‮ ‬13‮ ‬أكتوبر1981‮) ‬إلي لجنة مدرسة سراي‮ ‬القبة الثانوية ليدلي‮ ‬بصوته ويقول نعم لمبارك،‮ ‬ويكتب كلمة في‮ ‬سجل الزيارات‮ ‬يقول فيها‮ "‬لقد قمت بواجب وطني‮ ‬مشرف‮" ‬ويوقع تحتها‮ "‬جعفر نميري‮ ‬المواطن السوداني‮ ‬المصري‮"!! (‬جريدة الأهرام‮ ‬14أكتوبر1981‮).‬
65 ‬شخصاً‮ ‬فقط‮ ‬يعارضون عبد الناصر‮!!‬
في‮ ‬عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر جرت‮ ‬4‮ ‬استفتاءات كان أبرز ما فيها هو نتيجتها التي‮ ‬دارت حول الـ5‮ ‬تسعات الشهيرة،‮ ‬ولكن أطرف ما فيها أنه في‮ ‬استفتاء‮ ‬21‮ ‬يونيو‮ ‬1958‮ ‬كان عدد‮ ‬غير الموافقين علي اختيار عبد الناصر رئيساً‮ ‬65‮ ‬شخصا فقط،‮ ‬وفي‮ ‬الاستفتاء التالي‮ ( ‬بعد‮ ‬8‮ ‬سنوات‮) ‬الذي‮ ‬أجري‮ ‬في‮ ‬15‮ ‬مارس1965‮ (‬برضه‮) ‬كان‮ ‬غير الموافقين‮ ‬65‮ ‬شخصاً‮ ‬رغم الزيادة‮ ‬في‮ ‬عدد من أدلوا بأصواتهم إلي قرابة المليون عن الاستفتاء السابق،‮ ‬ولكن ظل المعارضون الـ65‮ ‬كما هم لم‮ ‬يتغيروا‮!!.‬
استفتاءات مبارك حفلت بكم أكبر من الطرائف،‮ ‬ففي‮ ‬فبراير‮ ‬1987‮ ‬حل الرئيس المخلوع مجلس الشعب تنفيذاً‮ ‬لحكم المحكمة الدستورية التي‮ ‬قضت ببطلان انتخابات‮ ‬1984‮ ‬وطرح الأمر علي الاستفتاء،‮ ‬فأرسل أعضاء مجلس الشعب برقية للرئيس‮ ‬يباركون فيها ويؤيدون قرار حل مجلسهم‮!! (‬الأهرام‮ ‬11‮ ‬فبراير‮ ‬1987‮).‬
وفي‮ ‬الاستفتاء علي رئاسة مبارك لفترة ثانية في‮ ‬أكتوبر عام‮ ‬1987‮ ‬كتبت الأهرام‮ (‬5‮ ‬أكتوبر‮ ‬1987‮) ‬في‮ ‬صفحتها الأولي‮ "‬عدلي‮ ‬عبد الشهيد وزير الهجرة و22‮ ‬من أعضاء الاتحاد العام للمصريين بالخارج‮ ‬يمثلون‮ ‬4‮ ‬مليون مصري‮ ‬يتوجهون للاستفتاء في‮ ‬لجنة خاصة‮"!!‬،‮ ‬وتحت هذا الخبر كتبت الأهرام عنواناً‮ ‬آخر قالت فيه‮ "‬إقبال لم‮ ‬يسبق له مثيل في‮ ‬تاريخ الانتخابات في‮ ‬مصر‮".‬
هذه السابقة التي‮ ‬دشنها وزير الهجرة سرعان ما انتقلت إلي موالسين آخرين،‮ ‬حيث أغرق أحدهم القاهرة بلافتات ضخمة‮ ‬يقول فيها باسم‮ ‬70‮ ‬مليون مصري‮ ‬نعم لمبارك،‮ ‬وأعلن آخر أنه‮ ‬يقول نعم لمبارك باسم‮ ‬95‮ ‬مليون عامل‮!! ‬أعضاء في‮ ‬اتحاد عماله‮.‬
الهزل طال أيضاً‮ ‬النفقات الباهظة التي‮ ‬تنفق علي تلك الاستفتاءات بلا جدوي،‮ ‬فقد كتبت جريدة الأهرام ضمن تغطيتها لاستفتاءات‮ ‬1979،‮ ‬1980،‮ ‬1981،‮ ‬1987‮ ‬أن طائرة أرسلت لواحة أم الصغير جنوب مرسي مطروح‮ (‬146‮ ‬نسمة‮) ‬لنقل اللجنة والصندوق،‮ ‬وكتبت الوفد في‮ ‬أكتوبر‮ ‬1993‮ ‬أن الاستفتاء الذي‮ ‬جري لاختيار مبارك رئيساً‮ ‬لفترة ثالثة كلف الخزينة العامة حوالي‮ ‬500‮ ‬مليون جنيه رغم عدم وجود منافس للرئيس،‮ ‬وتساءلت الوفد‮: ‬من‮ ‬يدفع فاتورة الدعاية للاستفتاء؟‮.‬
سرعان ما جاء الرد علي الوفد سريعاً‮ ‬حيث دخل رجال الأعمال والتجار بكل قوة في‮ ‬المساهمة في‮ ‬نفقات الاستفتاءات التالية،‮ ‬فكتبت جريدة القدس العربي‮ ‬اللندنية تقريرا حول استفتاء مايو‮ ‬2005‮ ‬الخاص بتعديل المادة‮ ‬76‮ ‬من الدستور قالت فيه إن صراعاَ‮ ‬محموماً‮ ‬بين عدد من رجال الأعمال من أعضاء الحزب الوطني‮ ‬في‮ ‬إظهار نفوذهم من خلال دعوة المواطنين للذهاب إلي الاستفتاء وارتفعت تسعيرة الأصوات بشكل‮ ‬غير مسبوق،‮ ‬وأضافت الجريدة أن من بين العروض المثيرة للدهشة ما تقدم به رجل أعمال‮ ‬يعمل بتجارة استيراد قطع‮ ‬غيار السيارات بكوبري‮ ‬القبة بتقديم قرص فياجرا ووجبة‮ ‬غداء أو قيمتها المادية لكل مواطن‮ ‬يدلي‮ ‬بصوته في‮ ‬الاستفتاء،‮ ‬وأعلن رجل أعمال آخر في‮ ‬تصريحات لـ‮ "‬القدس العربي‮" ‬انه سيقدم ثلاثين جنيهاً‮ ‬لكل من‮ ‬يشارك في‮ ‬الاستفتاء‮. ‬وقرر أحد مشايخ القبائل في‮ ‬محافظة الإسماعيلية تخصيص سيارات لرحلات ترفيهية وقضاء‮ ‬يوم كامل للعائلات عقب الانتهاء من عملية التصويت في‮ ‬الاستفتاء‮. ‬وأخيراً‮ ‬فإن كل ما فعله الموالسون في‮ ‬الصحف الحكومية شيء،‮ ‬وما فعلته أعرق الصحف المصرية والعربية شيء آخر،‮
‬فقد كتبت الأهرام‮ (‬27‮ ‬سبتمبر1999‮) ‬تحت عنوان‮ "‬أسرة العربي‮ ‬أول من قالت نعم‮" ‬أن أسرة‮ "‬السيد حسين سليمان‮" ‬الشهير بالعربي‮ ‬وهو الشخص الذي‮ ‬قام‮ - ‬حسب الجريدة‮ - ‬بمحاولة الاعتداء الآثمة علي الرئيس مبارك خلال زيارته لبورسعيد‮ (‬في‮ ‬6‮ ‬سبتمبر‮) ‬قالت نعم لمبارك،‮ ‬ونشرت صورة لـ"الحاجة‮" ‬شفيقة أحمد محمود‮ (‬أم القتيل‮) ‬وقالت إنها أول من أدلت بصوتها في‮ ‬لجنة مدرسة أشتوم الجميل وأنها قالت بأعلي صوتها وسط زغاريد النساء‮ "‬قولوا نعم وبرئوا بورسعيد من الولد العاق كما تبرأت أنا منه‮"‬،‮ ‬كما أضافت الجريدة أن أمل وأسامة شقيقة وشقيق المعتدي‮ ‬كانا أول من أدليا بصوتيهما‮!!‬،‮ ‬والسيد حسين سليمان هذا قتلته أجهزة الأمن أثناء مرور الرئيس المخلوع بالمدينة زاعمة أنه كان‮ ‬ينوي‮ ‬الاعتداء علي الرئيس،‮ ‬وأياً‮ ‬ما كان الأمر وبغض النظر عن صحة التهمة التي‮ ‬وجهت للقتيل،‮ ‬وسواء كانت أسرته قد ذهبت للتصويت أو أرغمت علي الذهاب فما كان‮ ‬يجب تناول الأمر بهذه الطريقة التي‮ ‬تدمي‮ ‬مشاعر أهله وعائلته‮.‬