بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

ثورة اليمن.. سقوط ثالث وريث رئاسة

الثورة اليمنية

باتت الثورة الشعبية في اليمن علي أعتاب خطوات قليلة من تحقيق النصر وتنحية الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، بعدما أعلن قائد

المنطقة العسكرية المركزية في العاصمة اليمنية صنعاء، اللواء سيف البقري، انضمامه لثورة الشعب السلمية ودعمه لمطالبه الإصلاحية، وذلك في أعقاب خطوات مماثلة أقدم عليها ثلاثة من كبار القادة العسكريين في الجيش اليمني، أبرزهم قائد الدفاع الجوي بالفرقة الأولى المدرعة التابعة لسلاح الجو اليمني، العميد الركن صادق علي سرحان، الذي دعا الرئيس اليمني صالح إلى الاستقالة سريعا والتنحي عن الحكم، حقنا لدماء المواطنين اليمنيين .

 

وزاد من ثقل الأزمة علي نظام الرئيس علي صالح انضمام عدد آخر من القادة العسكريين للثورة وإعلانهم حمايتها من عمليات القتل والقنص الحكومية، مثل قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية في الجيش اليمني، اللواء علي محسن صالح الأحمر، وقائد المنطقة العسكرية الشرقية، اللواء الركن محمد علي محسن، إضافة إلى قائد اللواء (310) العسكري بمحافظة عمران، العميد الركن حميد القشيبي، الذين أعلنوا انضمامهم إلى الشعب والثورة التي يقودها الشباب في كل محافظات الجمهورية .

وفي ضوء رفض الرئيس اليمني علي عبد الله صالح التنحي السلمي وتشبثه بمقعده حتي يناير 2012، تبدو اليمن أمام سيناريوهين : (سلمي) علي الطريقة المصرية أو (دموي) علي الطريقة الليبية، فليس أمام الرئيس اليمني من حل في نهاية المطاف بعد انضمام عسكريين وقادة كبار في الجيش بقواتهم للمتظاهرين من حل يحقن الدماء ويمنع تفكك البلاد سوي التنحي .

أما البديل الآخر الخطير فهو السيناريو الدموي علي الطريقة الليبية .. فسيناريو ليبيا بدأ بانتصارات الشباب في ثورة شعبية، انضم لها عسكريون لاحقا، فرفض القذافي التنحي وحذر من حرب أهلية وتقسيم البلاد لأن الشعب الليبي قبلي وينتشر بينه السلاح، وبدأ في التعامل مع الثورة الشعبية بمنطق السلاح فسقط مئات الضحايا مما استفز قطاعات في الجيش فانضمت للثورة .. وهذا السيناريو هو ما يجري في اليمن حاليا بالحرف !.

فالوضع في اليمن قبلي، والسلاح منتشر وهناك سيناريو توريث كان يعد لنجل الرئيس اليمني كما هو الحال لنجل الرئيس الليبي ومن قبله الرئيس المصري السابق، والرئيس صالح اتبع نفس خطوات القذافي في التحذير : (من انزلاق البلاد إلى "حرب أهلية دامية" في حال نجاح مخطط المعارضين له في الوصول إلى السلطة) وقوله "إن الشعب مسلح ولا أحد يستطيع المجىء إلى كرسي السلطة بالانقلاب فقد انتهى عهد الانقلابات" .

بل إن حث "صالح" القادة العسكريين الذين انشقوا عن حكمه لتدعيم "ثورة الشباب" في اليمن، على "العودة لجادة الصواب وترك التحريض"، يكشف حجم العجز الذي يعاني منه الرئيس في السيطرة علي الجيش – القوة الرئيسية الأهم في البلاد – وقراءته نتائج هذا الانقسام علي وحدة اليمن والحرب الأهلية فيها، خصوصا أن هناك دعوات لعودة انفصال الجنوب اليمني عن الشمال ومعارك في شمال وجنوب اليمن مع الحوثيين ومع عناصر من تنظيم القاعدة وتورط أمريكي في قصف مناطق يمنية باستمرار مما يزيد من خطورة أي سيناريو للقتال أو الفوضي في اليمن، ليظل الحل الأسلم هو تنحي الرئيس صالح كما فعل مبارك في مصر .

ولكن الخطورة هي أن الرئيس صالح يتحرك حتي الآن متبعا نفس خطي الرئيس الليبي، مستندا علي علاقته الطيبة مع أمريكا وتقديمه خدمات عديدة للأمريكان، حيث بلغ به الأمر حد وصف كبار قادة الجيش الذين ساندوا الثورة بأنهم مغرر بهم (!) قائلا : إن "كل من غرر بالضباط فإن أمام هؤلاء فرصة للعودة إلى جادة الصواب والاعتذار" معتبرا أن هؤلاء "ينفذون أجندة خارجية" وهي نفس الاتهامات التي كررها كل القادة العرب الذين أطاحت بهم شعوبهم !.

أيضا اتهم صالح شباب الثورة بأنهم "لديهم أجندات إما من تنظيم القاعدة وإما الحوثيين الإماميين"، واعتبر الشباب "ضحايا لقوات سياسية كلها متناقضة على بعضها هدفها السلطة وبعد الوصول إليها سيتناحرون، فلا الإخوان المسلمين يقبلون بالشيوعيين ولا الناصريين يقبلون بالإخوان ولا الحوثيين يقبلون بالإخوان أيضا ومن ثم فإنهم سيتناحرون عند الوصول إلى السلطة"، وهو ما يؤشر لأن اليمن تبدو أقرب - في حالة إصرار الرئيس صالح علي البقاء – للسير علي السيناريو الليبي الخطر .

أما أخطر مؤشرات هذا السيناريو الليبي فهو الصدام الذي وقع بين قوات الحرس الجمهوري التي يقودها نجل الرئيس صالح وقوات الجيش في حضرموت وأدي لمقتل ضابط وإصابة ثلاثة .. وهو ما يتطلب إلقاء الضوء علي هذا الحرس الجمهوري ونجل الرئيس .

من يرث "يمن الأزمات" ؟!

برغم فشل (جمال مبارك) نجل الرئيس المصري ونظيره (أحمد سيف الإسلام القذافي ) في ليبيا حتي الآن، لا يزال الرئيس اليمني يبحث عن مخرج لسيناريو التوريث لنجله (أحمد علي عبد الله صالح)، الذي يعتمد عليه بقوة – بصفته قائد قوات الحرس الجمهوري – في مواجهة تمرد كبار جنرالات الجيش اليمني عليه وانضمامهم للثوار .

فقد كانت فرصة (أحمد علي عبد الله صالح) هي الأقوي في التوريث في ظل ما جري في اليمن من اضطرابات في الشمال (مع الحوثيين) والجنوب (محاولة انشقاق الجنوبيين) حتي طرح معارضون يمنيون ثلاثة سيناريوهات لحل أزمة البلاد، أبرزها توريث أحمد صالح كنوع من الخروج المشرف لأبيه في ظل مخاوف تفتت اليمن، خصوصا أنه رجل عسكري وهو الحاكم الفعلي .

فمنذ اندلاع حرب الحوثيين (السادسة منذ عام 2004) بين الجيش اليمني والحوثيين (شيعة زيدية) في شمال اليمن قبل أربعة أشهر، والحديث لا ينقطع بين اليمنيين عن علاقة الحرب بمسلسل التوريث، وهل التوريث هو كلمة السر في الحرب على صعدة ؟ وهل صحيح ما يردده خبراء يمنيون من أن إرسال الرئيس علي صالح لمنافس ابنه (أحمد ) - وهو اللواء على محسن الأحمر أحد المنشقين علي الرئيس صالح والمنضمين للثورة – لقيادة قوات الجيش ضد الحوثيين هدفه إضعاف المنافس القوي لابنه في الجيش، ربما موته والتخلص منه !.

فهناك من المراقبين للشئون اليمنية من اعتبر أن هناك علاقة وثيقة بين هذه الحرب في صعدة شمال اليمن وبين تصاعد دخان التوريث، وأن الدماء فى صعدة هى وقود صراع خفى على السلطة بين نجل الرئيس اليمنى العقيد أحمد عبدالله صالح قائد الحرس الجمهورى واللواء على محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية .

وهناك من رأى – من المراقبين اليمنيين - - أن "أهدافاً خفية" وقفت وراء معارك صعدة وأن من

الأهداف المحلية التي سعت السلطة لأجلها تحديدا هي التخلص من قوات الجيش القديمة في محرقة صعدة واستبدالها بأخرى (من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي وغيره التي يقودها الوريث اليمني ) تُدين بالولاء والطاعة للبيت الحاكم وحده، وللجيل الجديد من الأبناء المعد للخلافة (أحمد علي صالح)، وتحمي وجودهم في السلطة، وضمن هذا السيناريو التخلص من آخر القادة العسكريين الكبار الذي ربما يشكل وجود العميد علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع، عائقاً أمام مشروع التوريث القادم الذي يجري الإعداد له في أروقة السلطة، ولذلك يجري تحطيمها (محسن الأحمر) على صخرة صعدة وإجهاض قوته هناك !؟.

ولا يمكن استبعاد أن تمرد اللواء الأحمر علي الرئيس صالح انضمامه للثوار، ربما جاء ردا علي حملة تشوية ظهرت من قبل أنصار نجل الرئيس، استهدفت اللواء الأحمر (رفيق درب الرئيس اليمنى على عبدالله صالح) فى أوساط العسكريين والمدنيين بالذات فى المناطق القبلية الشمالية التى ظل الأحمر الملقب بـ«الجنرال» مؤثرا فى مشايخ قبائلها، خصوصا أن الأحمر هو المرشح ليكون خليفة الرئيس اليمني، ولذلك يعتبر بمثابة حجر عثرة أمام الوريث (أحمد) !.

وربما يؤيد هذه الرواية ما يشاع أو تنقله مواقع إنترنت يمنية عن صراعات عسكرية بين جناحي الوريث أحمد واللواء محسن الأحمر من جهة، أو ما أشيع عن محاولات متعددة لاغتيال (الجنرال) فى أثناء وجوده بين جنوده فى مناطق المعارك على الرغم من أنه ظل على مدار الثلاثين سنة الماضية مساهما بقوة فى توطيد أركان حكم الرئيس صالح .

ويقول أنصار هذا الرأي إن التنقلات وقرارات العزل الأخيرة لعسكريين تؤيد هذا السيناريو الذي يستهدف غريم (أحمد صالح) في وراثة الحكم، وهو الجنرال (الأحمر)، حيث تم عزل قائد المنطقة الوسطى (الظاهري الشدادي) بسبب علاقته الوثيقة والمتينة مع اللواء (علي محسن الأحمر)، وإضعاف وإقالة كل الأجنحة العسكرية المساندة لعلي محسن الأحمر وذلك لإضعاف نفوذه وتجريده من كل القوى التي اعتمد عليها وتفريغ كل مراكز القوى الموالية له .

وقد طرح اسمه (أحمد ) نجل الرئيس بقوة ليخلف والده عدة مرات خصوصا بعدما أصبح قائدا عسكريا مسيطرا علي أهم أفرع القوات الخاصة، وفي الذكري رقم 27 لتولي للرئيس اليمني عبد الله صالح حكم اليمن في يوليو 2006 الماضي (تولى الرئاسة في 17-7- 1978)، زاد الجدل حول استمرار بقاء الرئيس اليمني في الحكم للعام الـ 28 علي التوالي سخونة، في ظل إعلان الرئيس – للمرة الثالثة – رغبته في عدم الاستمرار في منصبه وإصرار الحزب الحاكم علي بقائه .

ويتهم معارضو نجل الرئيس إياه بالفاسد ويدللون علي هذا بما كشفته محكمة امريكية في أبريل 2009، بشان اعتراف شركة امريكية في فلوريدا امام المحكمة بأنها دفعت رشاوى لابن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لتمرير صفقة لها علاقة بالهواتف والاتصال عبر الإنترنيت ... وأن الشركة وافقت على دفع غرامة مقدارها مليوني دولار، وأنه في الفترة من مارس 2004 وحتي يونيه 2007 تم توريد دفعات من الأموال من شركة Latin Node Inc لـ "مسئولين يمنيين رسميين" بلغت 1,150,654 مليون دولار، ذكرت منهم نجل الرئيس ومسئولين في شركة الاتصالات اليمنية .

ولا يمكن عزل كل هذه الصراعات – التي نفاها الرئيس صالح ونجله سابقا – عما يجري حاليا، بل أن انضمام الجنرالات المختلفين مع الرئيس ونجله للثورة يؤكد أن هذه التكهنات كانت صحيحة، مما يفتح الباب أمام مخاوف من عناد كلا الطرفين وتصفية الخلافات بينهما علي وقع الثورة الشعبية، التي قد تتلون بالدماء كما فعل القذافي في ليبيا .

ومع هذا يشكك البعض في هذا السيناريو ويقولون إن إعلان القيادي البارز في الجيش اليمني اللواء علي محسن الأحمر دعم المعتصمين في ساحة التغيير، المطالبين بإسقاط الرئيس علي عبد الله صالح، ربما يكون جزءا من مخطط يهدف لنقل السلطة إلى الجيش، وأن انضمام رموز بارزة من نظام الرئيس صالح إلى ثورة الشباب، قد تباعد بينهم وبين هدفهم وهو إسقاط النظام، خصوصا أن الرئيس صالح تحدث صراحة عن (انقلاب عسكري) ألمح لأن (اللواء الأحمر) يقوده ضده .

فهل يتنحي صالح وتصبح الثورة اليمنية سلمية علي الطريقة المصرية أم يعاند علي طريقة القذافي ويجعلها دموية ؟!