لم ينج أحد !
إفترش الأرض بعدما غلبه النعاس فارتكن إلى جوار الحائط وغفل قليلا ، ضوضاء وصراخ ، تراشق بين الأفراد يتدخل البعض الآخر لفض الإشتباك بعض المطاعم تفرض موسيقاها وأغانيها الصاخبة التى تزيد من توتر الأعصاب ،
عمال يهرولون نحو بعض المغادرين أو القادمين الذين ينبئ مظهرهم أنهم ميسورون ويمكنهم أن يدسون فى جيوبهم بعض الدنانير أو الريالات ،إنتظر الرحلة القادمة من جدة لم يأت ( محمود ) ساوره الشك راح يجوب الحاج ( على ) أرجاء المطار يسأل لماذا لم يأت ولده هل تبدل الميعاد أم أخطأ الفهم فربما سيأتى على الخطوط السعودية ؟ تسارعت دقات قلبه ، لكنه تذكرعلى الفور أن سامى ترك له هاتفه عندما زاره بقرية ( ميت خميس ) لإيصال الحقيبة التى أرسلها محمود لإخوته فى بداية العام الدراسى
وسرعان ماتحدث اليه
- ياسامى يابنى انتظر أخوك محمود منذ الصباح
- ياحاج ( على ) محمود سافر على المركب وطلب منى أبلغك
- المركب اللى غرقت أسترها يارب ، سمعت الخبر من الناس الآن
خذلته قدماه وتهاوى أرضا يدق الصدر والرأس.... محمود ، محمود
دارت الدنيا وكأن صخور العالم فوق رأسه ، جف حلقه خانته أطرافه ، ساعتين وكانت ( ميت خميس ) كلها تطوق الحاج( على ) أقلتهم الميكروباصات إلى سواحل البحر الأحمر ، الآف البشر الذين هرعوا يبحثون عن ذويهم جلهم من الصعيد بعض النساء بأردية سوداء فى انتظار الأمل ربما جاء البعيد سابحا فتطلقن الزغاريد ، وأخريات الرعب ينهل من عيونهم المكتوية بنار الخوف ربما جاء الولد طافيا فيكتب عليهن السواد للأبد ، وقف الحاج على بين هؤلاء وهؤلاء ينادى فى البحر محمود أنا هنا ياابنى
وفرق الإنقاذ والمسئولين يطلبون من الأهالى الإبتعاد حتى لايعطلون سير البحث عن الناجين والمفقودين ، قالوا مالت المركب على أحد جانبيها فتدافع الركاب هلعا ، العيب فيهم لماذا تكدسوا فى جانب واحد ألم يفهموا أن التوازن مطلوب فى تلك الأمور ؟
صاحب المركب إنسان عطوف أبى إلا أن يركب الجميع ليلحقوا بأولى أيام الشهر الفضيل ، كلما كان هناك متسعا فلن يضن بلم الشمل ، هذا نصيبهم قدرهم ،مكتوب لهم والمكتوب ليس
وهذا مقشعرأصابه الموج بالهلع فالتحف البطانية وأعطي له الشال أيضا ، والحاج ( على ) يسف الرمال يضرب خديه كلما حل المساء ، حاول الأهل والجيران يبثون فيه الروح
( أنت مؤمن بقضاء الله وقدره ) اليوم أول رمضان ، لو لم يعد ولدك فالعشرة أيام الأولى من رمضان هى ( رحمة ) للمتوفى فلتفرح ...هذه نعمة كبيرة نحسدك عليها ياحاج
كانت المصيبة أكبر من عمرالحاج ( على ) الذى جاوز الخمسة وسبعون ، لم يسمعهم وظل ينادى على ولده ، مضى أسبوعه أمام السواحل فيما إنفض الناس من حوله لم يستطع أن يسلم أمره لله كما نصحوه فيعود خائبا، وخلا المكان من أى مسئول غير مسئول ، كان جزء ضئيل من المركب ظاهر للعيان ويدا الحاج (على) للأعالى تنادى ياابنى ، وصل الى مسامع أحد الرعاة أنين أبو محمود
- إرجع لم يعد هناك ناجون
- من غير محمود ؟ رجعونى ( برجل والا أيد )
- ياعم الحاج إحنا لسه بنصرخ ( المركب بتغرق ياريس مرسى )