بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

المستشار‭ ‬لبيب‭ ‬حليم‭ ‬لبيب‭ ‬يكتب‭:‬ أحزاب‭ ‬فى‭ ‬الميزان

بوابة الوفد الإلكترونية

تأسيس‭ ‬الحزب‭ ‬يتركز‭ ‬على‭ ‬الوطنية‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الانتماءات‭ ‬الشخصية‭ ‬والطائفية

الديمقراطية‭ ‬وسيلة‭ ‬منهجية‭ ‬لإدارة‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسى‭ ‬بهدف‭ ‬تطوير‭ ‬فرص‭ ‬الحياة

السلفية‭ ‬ترفض‭ ‬فكرة‭ ‬التطابق‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والنموذج‭ ‬الديمقراطى

المنهج‭ ‬السلفى‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬السيادة‭ ‬الشعبية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فوق‭ ‬سيادة‭ ‬الله

 

 

يعبر‭ ‬الحزب‭ ‬السياسى‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬جماهيرية‭ ‬للأفراد‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬الفكرية،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬أيديولوجية‭ ‬موحدة‭ ‬تجسد‭ ‬أولويات‭ ‬مجتمعية‭ ‬محددة،‭ ‬وتوفر‭ ‬العمل‭ ‬المشترك‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬المنافسة‭ ‬السياسية،‭ ‬وتبغى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬اجتماعية‭ ‬منشودة‭ ‬وفق‭ ‬تصورات‭ ‬مستقبلية‭ ‬مرسومة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يتميز‭ ‬الحزب‭ ‬بثلاث‭ ‬سمات‭ ‬محورية‭ ‬هى‭: ‬هيكل‭ ‬تنظيمى،‭ ‬تفويض‭ ‬بتمثيل‭ ‬المواطنين‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬انتماءاتهم‭ ‬السياسية،‭ ‬وبالاعتماد‭ ‬على‭ ‬انتخابات‭ ‬حرة،‭ ‬والمساهمة‭ ‬فى‭ ‬الحكومة،‭ ‬سواء‭ ‬بتشكيلها‭ ‬أو‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬دور‭ ‬المعارضة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬الأحزاب‭ ‬تقوم‭ ‬بوظائف‭ ‬جوهرية‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسى،‭ ‬ويمكن‭ ‬تصورها‭ ‬باعتبارها‭ ‬أعمدة‭ ‬رئيسية‭ ‬فى‭ ‬صرح‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطى،‭ ‬وهذا‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحزب‭ ‬السياسى‭ ‬ديمقراطيا‭ ‬فى‭ ‬أفكاره‭ ‬وأهدافه‭ ‬وبرامجه‭ ‬وتشكل‭ ‬المكونات‭ ‬الثلاثة‭ ‬التالية‭ ‬حدا‭ ‬أدنى‭ ‬لضمان‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فى‭ ‬الحزب‭:‬

الأول‭: ‬الشرعية‭ ‬الحزبية‭ - ‬ويتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬تنظيم‭ ‬الحزب‭ ‬مؤسسيا‭ ‬وفق‭ ‬أسس‭ ‬الوطنية‭ ‬السياسية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الانتماءات‭ ‬الشخصية‭ ‬والقبلية‭ ‬والطائفية،‭ ‬الثانى‭: ‬آلية‭ ‬تداول‭ ‬القيادة،‭ ‬وتتمثل‭ ‬فى‭ ‬ممارسة‭ ‬الانتخابات‭ ‬لاختيار‭ ‬العناصر‭ ‬المرشحة‭ ‬لمواقع‭ ‬المسئولية‭ ‬الحزبية‭ ‬بمختلف‭ ‬مستوياتها،‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬الاقتراع‭ ‬العام‭ ‬السرى،‭ ‬وتعددية‭ ‬المرشحين‭. ‬و‭ ‬الثالث‭: ‬التعددية‭ ‬السياسية،‭ ‬وتعنى‭ ‬القبول‭ ‬بتعدد‭ ‬الاتجاهات‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬الفكر‭ ‬الواحد‭.‬

والتعددية‭ ‬تعنى‭ ‬أيضا‭ ‬التعامل‭ ‬الديمقراطى‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الأخرى،‭ ‬بما‭ ‬يتطلبه‭ ‬من‭ ‬الإقرار‭ ‬المتكافئ‭ ‬بوجود‭ ‬الآخرين‭ ‬والتلاقى‭ ‬عند‭ ‬أهداف‭ ‬سامية‭ ‬مشتركة‭.‬

 

حكم‭ ‬الشعب

والديمقراطية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬أساسية‭ ‬هى‭ ‬حكم‭ ‬الشعب،‭ ‬وممارسته‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الحكومة،‭ ‬ويتمثل‭ ‬جوهر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فى‭ ‬توفير‭ ‬وسيلة‭ ‬منهجية‭ ‬حضارية‭ ‬لإدارة‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسى‭ ‬بغية‭ ‬تطوير‭ ‬فرص‭ ‬الحياة،‭ ‬وتقوم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬الحرية،‭ ‬وتقوم‭ ‬الحرية‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬نوعى‭ ‬إىجابى‭ ‬يتضمن‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

وتجسد‭ ‬الحرية‭ ‬قضية‭ ‬إنسانية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬ملكية‭ ‬الإنسان‭ ‬لفكره‭ ‬وإرادته،‭ ‬وتمنحه‭ ‬شعور‭ ‬المواطنة‭ ‬الكاملة،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬عقله،‭ ‬وهى‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬تعميق‭ ‬مشاعر‭ ‬الود‭ ‬والاحترام‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والشعوب‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬ليست‭ ‬مطلقة،‭ ‬بل‭ ‬محدودة‭ ‬ومحددة‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬المسئولية‭ ‬المشتركة‭ ‬لأفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬وهذا‭ ‬يرتب‭ ‬مسألتين‭: ‬أولاهما‭: ‬ليس‭ ‬لأحد‭ ‬الحق‭ ‬فى‭ ‬رفض‭ ‬الحرية‭ ‬،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يعنى‭ ‬نكران‭ ‬آدميته‭ ‬والتهرب‭ ‬من‭ ‬مسئولياته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وثانيتهما‭: ‬تتطلب‭ ‬الحرية‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الانضباط‭ ‬لضبط‭ ‬ممارسة‭ ‬الفرد‭ ‬لحريته‭ ‬مع‭ ‬ممارسات‭ ‬وحريات‭ ‬الآخرين‭.‬

وتدعو‭ ‬الممارسة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬المطلقات‭ ‬لصالح‭ ‬النسبية‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأفكار‭ ‬والممارسات‭ ‬الدنيوية،‭ ‬والتخلى‭ ‬عن‭ ‬همجية‭ ‬العنف‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬سماع‭ ‬الرأى‭ ‬الآخر‭.‬

وإذا‭  ‬كانت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬هى‭ ‬وسيلة‭ ‬منهجية‭ ‬لتنظيم‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسى‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬حضارى‭ ‬أكثر‭ ‬رقيا‭ ‬وإنسانية،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬افتراض‭ ‬أعداد‭ ‬من‭ ‬الخطابات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بالعلاقة‭ ‬مع‭ ‬الأفكار‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتطبيقاتها‭ ‬المتنوعة‭ ‬فهناك‭ ‬الخطاب‭ ‬الليبرالى‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬الذى‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسس‭ ‬هى‭: ‬الحرية‭ ‬والمساواة‭ ‬السياسية‭ ‬وعدم‭ ‬تدخل‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬الشئون‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وتطلب‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬تبنى‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬القانونية‭ ‬التى‭ ‬تقوم‭ ‬فى‭ ‬عناصرها‭ ‬الرئيسية‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الدستور‭ ‬والفصل‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬وخضوع‭ ‬الحكام‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭.‬

وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬الخطاب‭ ‬الماركسى‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬فالديمقراطية‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬تشكل‭ ‬النصف‭ ‬الحقيقى‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬مكوناته‭ ‬لأنه‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬ويقوم‭ ‬على‭ ‬تصفيته‭ ‬مصدر‭ ‬الاستغلال‭ ‬والتناقضات‭ ‬الطبقية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تخلفت‭ ‬التطبيقات‭ ‬الماركسية‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬ديمقراطية‭ ‬سياسية‭ ‬متقدمة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬الليبرالية،‭ ‬وذلك‭ ‬فى‭ ‬ظروف‭ ‬سيطرة‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬وغياب‭ ‬التعددية،‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬الماركسية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬اجتماعية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية‭!‬

ثم‭ ‬يأتى‭ ‬الخطاب‭ ‬الإسلامى‭ ‬للديمقراطية،‭ ‬ودعونى‭ ‬ابتداء‭ ‬أعترف‭ ‬أن‭ ‬مهمة‭ ‬متابعة‭ ‬الآراء‭ ‬الإسلامية‭ ‬ومحاولاتها‭ ‬صياغة‭ ‬خطاب‭ ‬أو‭ ‬خطابات‭ ‬إسلامية‭ ‬للديمقراطية‭ ‬هى‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬الصعبة،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬آراء‭ ‬إسلامية‭ ‬مرجعية‭ ‬متعددة،‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬قوة‭ ‬تأثير‭ ‬الأغلبية‭ ‬التقليدية‭ - ‬السلفية‭ - ‬الأصولية‭ - ‬الملتزمة‭ ‬بقوة‭ ‬بالمرجعية‭ ‬والنصوص‭ ‬الدينية‭ ‬واستخدامها‭ ‬سلاح‭ ‬التكفير‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬المحاولات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بلورة‭ ‬أفكار‭ ‬محددة‭ ‬متفق‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬مدارس‭ ‬إسلامية‭ ‬متحررة‭ ‬لصياغة‭ ‬مشروع‭ ‬أو‭ ‬مشروعات‭ ‬إسلامية‭ ‬للديمقراطية‭ ‬مقبولة‭ ‬لدى‭ ‬عامة‭ ‬الإسلاميين‭ ‬وذلك‭ ‬فى‭ ‬غياب‭ ‬ثورة‭ ‬ثقافية‭ ‬فكرية‭ ‬دينية‭ ‬لإحداث‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬فى‭ ‬المفاهيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬والأسس‭ ‬الإسلامية‭.‬

 

الإصلاح‭ ‬الدينى

والحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بالأحزاب‭ ‬السياسية،‭ ‬بل‭ ‬اعتبرتها‭ ‬بدعاً‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬وعامل‭ ‬تفرقة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬مناقضة‭ ‬لسنة‭ ‬الحكم،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬الحركة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الحديثة‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬بجهود‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغانى‭ ‬الذى‭ ‬استهدف‭ ‬تحرير‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬الداخلى‭ ‬ومن‭ ‬السيطرة‭ ‬الأجنبية‭.‬

وتكمن‭ ‬أهمية‭ ‬الأفغانى‭ ‬ودوره‭ ‬المهم‭ ‬فى‭ ‬الإصلاح‭ ‬الدينى‭ ‬فى‭ ‬محاولته‭ ‬دعم‭ ‬الزعماء‭ ‬الدينيين‭ ‬الذين‭ ‬سعوا‭ ‬إلي‭ ‬بعث‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ونظرته‭ ‬المتسامحة‭ ‬إلى‭ ‬الذين‭ ‬أيدوا‭ ‬تبنى‭ ‬الحضارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬وقد‭ ‬آمن‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬أوروبا‭ ‬تكمن‭ ‬فى‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬لذلك‭ ‬حث‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬اكتساب‭ ‬المهارات‭ ‬والتقنية‭ ‬الأوروبية‭ ‬وبذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نعترف‭ ‬أن‭ ‬محاولة‭ ‬‮«‬الأفغانى‮»‬‭ ‬دمج‭ ‬المادية‭ ‬الأوروبية‭ ‬بالروحانية‭ ‬الإسلامية‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬إسهاماته‭ ‬فى‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامى‭.‬

وقد‭ ‬واصل‭ ‬محمد‭ ‬عبده،‭ ‬طريق‭ ‬‮«‬الأفغانى‮»‬‭ ‬واستند‭ ‬على‭ ‬فرضيتين‭: ‬الأولى‭: ‬إن‭ ‬للدين‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬الأمم‭ ‬دورا‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬منه،‭ ‬والثانية‭ ‬أن‭ ‬تلبية‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬توجب‭ ‬قيام‭ ‬مؤسسات‭ ‬ومهارات‭ ‬فنية‭ ‬كتلك‭ ‬التى‭ ‬تفوقت‭ ‬شعوب‭ ‬الغرب‭ ‬بفضل‭ ‬فعاليتها‭ ‬على‭ ‬سواها‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬ورأى‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬الانحطاط‭ ‬إلا‭ ‬بتحكيم‭ ‬العقل‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬السلفية‭.‬

وشرح‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬فى‭ ‬رسالة‭ ‬التوحيد‭ ‬دور‭ ‬العقل،‭ ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬دين‭ ‬العقل،‭ ‬وخرج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفرضية‭ ‬الأساسية‭ ‬باقتراح‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬الشرع‭ ‬الإسلامى‭ ‬فى‭ ‬ضوء‭ ‬العقل‭. ‬وقال‭: ‬إن‭ ‬الغلبة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للعقل‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬التناقض‭ ‬بين‭ ‬المعنى‭ ‬الحرفى‭ ‬للقانون‭ ‬الإسلامى‭ ‬والتفسير‭ ‬العقلى‭ ‬له‭.‬

وقد‭ ‬تراجعت‭ ‬الحركة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬محمد‭ ‬عبده،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬محمد‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬قدم‭ ‬نفسه‭ ‬داعية‭ ‬للإصلاح‭ ‬على‭ ‬خطى‭ ‬‮«‬الأفغانى‮»‬‭ ‬و‮«‬عبده‮»‬،‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬كنظام‭ ‬دينى‭ ‬ومدنى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬أساس‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ابتعاده‭ ‬عن‭ ‬مجرى‭ ‬الفكر‭ ‬الحديث‭ ‬بتركيزه‭ ‬على‭ ‬الخلافة‭ ‬ودورها‭ ‬فى‭ ‬النظام‭ ‬الإسلامى‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬دينية‭ ‬انبعثت‭ ‬بين‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الفكرة‭ ‬القومية‭ ‬والتجربة‭ ‬الكمالية‭ ‬التركية‭ ‬التى‭ ‬ألغت‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية،‭ ‬وأقامت‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمانية،‭ ‬فتشكلت‭ ‬جمعيات‭ ‬إسلامية‭ ‬عديدة‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬الخلق‭ ‬الدينى،‭ ‬واستهدفت‭ ‬جذب‭ ‬الشباب‭ ‬وإبعادهم‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬العلمانية‭.‬

وقد‭ ‬اشتهرت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬جمعية‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمون‭ ‬التى‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬نظام‭ ‬شامل‭ ‬لمختلف‭ ‬شئون‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وشكلت‭ ‬آراؤها‭ ‬تراجعا‭ ‬للتسامح‭ ‬الدينى‭ ‬الذى‭ ‬بدأه‭ ‬‮«‬الأفغاني‮»‬‭ ‬و«عبده‮»‬،‭ ‬ومقابل‭ ‬احتكام‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬أصرّ‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمون‭ ‬على‭ ‬الأساس‭ ‬الدينى‭ ‬للحكم‭ ‬وأهمية‭ ‬الخلافة‭.‬

كما‭ ‬لم‭ ‬يرغب‭ ‬الإخوان‭ ‬فى‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وبذلك‭ ‬فشلوا‭ ‬فى‭ ‬اقتراح‭ ‬منهج‭ ‬إصلاحى،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬أىضا‭ ‬أن‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬العربية‭ ‬بخاصة‭ ‬والإسلامية‭ ‬بعامة‭ ‬عوامل‭ ‬ساهمت‭ ‬أخيرا‭ ‬فى‭ ‬ظهور‭ ‬حركات‭ ‬إسلامية‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬التراجع‭ ‬الفكرى‭ ‬وممارسة‭ ‬العنف‭.‬

ورغم‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬والانقطاع‭ ‬عن‭ ‬الفكر‭ ‬الإصلاحى‭ ‬الإسلامى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المناقشات‭ ‬الفكرية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بشأن‭ ‬الدين‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والتحديث‭ ‬بقيت‭ ‬مستمرة‭.‬

ويؤكد‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬حميد،‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬التحول‭ ‬الديمقراطى‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدنى‮»‬‭ ‬أن‭ ‬‮«‬اندرس‭ ‬أوليه‮»‬‭ ‬أعد‭ ‬دراسة‭ ‬ميدانية‭ ‬فى‭ ‬الساحة‭ ‬الإندونسية‭ ‬ولاحظ‭ ‬وجود‭ ‬مناقشات‭ ‬نشطة‭ ‬تدور‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬مدارس‭ ‬فكرية‭ ‬ومصادر‭ ‬اجتهادية‭ ‬إسلامية‭ ‬بشأن‭ ‬الخطاب‭ ‬الإسلامى‭ ‬للديمقراطية‭.‬

وأن‭ ‬هذه‭ ‬المناقشات‭ ‬تستند‭ ‬فى‭ ‬جذورها‭ ‬إلى‭ ‬ذات‭ ‬الأسماء‭ ‬الإسلامية‭ ‬المرجعية‭ ‬المعروفة،‭ ‬وخرج‭ ‬الباحث‭ ‬من‭ ‬دراسته‭ ‬بجملة‭ ‬آراء‭ ‬مشجعة‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬صياغة‭ ‬الإسلام‭ ‬لمشروعه‭ ‬أو‭ ‬مشروعاته‭ ‬الديمقراطية‭ ‬طالما‭ ‬ترك‭ ‬إرثا‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬فى‭ ‬نصوصه‭ ‬وممارساته‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬رأى‭ ‬‮«‬اندرس‭ ‬أوليه‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يفترض‭ ‬اتفاقا‭ ‬عاما‭ ‬وقناعة‭ ‬واسعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبلغ‭ ‬المناقشات‭ ‬الإسلامية‭ ‬مرحلة‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬النضوج‭ ‬فى‭ ‬أفكارها‭ ‬ومدارسها،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بشأن‭ ‬المفاهيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يتفق‭ ‬والديمقراطية‭.‬

وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬بدوره‭ ‬ترسيخ‭ ‬القناعة‭ ‬أولا‭ ‬بضرورة‭ ‬تحرر‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬الجاهزة‭ ‬فى‭ ‬تقرير‭ ‬الأمور‭ ‬الدنيوية‭ ‬المتغيرة،‭ ‬مقابل‭ ‬اعتماد‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬مظلة‭ ‬فلسفية‭ ‬عامة‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬تفسير‭ ‬وتقرير‭ ‬وقائع‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيوية‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬العلم‭ ‬والتحضر‭ ‬والإيمان‭ ‬الراسخ‭ ‬بقيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقه‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬جنته‭ ‬فى‭ ‬الأرض‭.‬

 

سيادة‭ ‬الله

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬الإسلامية‭ ‬السلفية‭ ‬ترفض‭ ‬إمكانية‭ ‬التطابق‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وتقيم‭ ‬رأيها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬السيادة‭ ‬الشعبية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فوق‭ ‬سيادة‭ ‬الله،‭ ‬وأن‭ ‬الشريعة‭ ‬هى‭ ‬قانون‭ ‬متكامل‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬مجالا‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التشريعات،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المعاصرة‭ ‬ترى‭ ‬إمكانية‭ ‬حصول‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التطابق‭ ‬استنادا‭ ‬إلى‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬الإسلامية‭.‬

وهناك‭ ‬مدرسة‭ ‬إسلامية‭ ‬معاصرة‭ ‬حديثة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬أفكار‭ ‬المدرستين‭ ‬السابقتين،‭ ‬وترى‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬يؤسس‭ ‬مشروعه‭ ‬الخاص‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تثير‭ ‬مسألة‭ ‬السيادة‭ ‬الشعبية‭ ‬فإذا‭ ‬فهمت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬باعتبارها‭ ‬سيادة‭ ‬شعبية‭ ‬عندئذ‭ ‬يتعارض‭ ‬الإسلام‭ ‬والديمقراطية‭.‬

أما‭ ‬إذا‭ ‬فهمت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كونها‭ ‬تشكل‭ ‬صيغة‭ ‬محددة‭ ‬للسيادة‭ ‬الشعبية‭ ‬بحيث‭ ‬تأتى‭ ‬فى‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬للقانون‭ ‬الإلهى‭ ‬عندئذ‭ ‬يتلاشى‭ ‬هذا‭ ‬التعارض‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬آراء‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬مقاربة‭ ‬لنموذج‭ ‬الحكم‭ ‬الإسلامى‭ ‬الإيرانى،‭ ‬حيث‭ ‬يعترف‭ ‬بالدستور‭ ‬والانتخابات‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬القانون‭ ‬الإلهى،‭ ‬المعبر‭ ‬عنه‭ ‬بمرجعية‭ ‬‮«‬آية‭ ‬الله‮»‬‭ ‬باعتباره‭ ‬ظل‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬الأرض،‭ ‬وعموما‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الاعتراضات‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬الشعبية‭ ‬ربما‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬عجز‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬استيعاب‭ ‬مفهوم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والسيادة‭ ‬الشعبية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬زاويتين‭:‬

الأولى‭: ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ليست‭ ‬نظاما‭ ‬بديلا‭ ‬للإسلام،‭ ‬أو‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأخرى‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬وسيلة‭ ‬متطورة‭ ‬وممارسة‭ ‬حضارية‭ ‬لتطبيق‭ ‬أفكار‭ ‬وأيديولوجيات‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬المختلفة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬للإسلام‭ ‬من‭ ‬الأخذ‭ ‬بالطريق‭ ‬الديمقراطى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬له‭ ‬المساهمة‭ ‬فى‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬وانتشالها‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬والتبعية‭ ‬والمشاركة‭ ‬فى‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية‭.‬

والثانية‭: ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والسيادة‭ ‬الشعبية‭ ‬وأنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬عموما‭ ‬هى‭ ‬أمور‭ ‬دنيوية،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬فعلا،‭ ‬فمن‭ ‬ذا‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬سيادة‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬الدنيا،‭ ‬أليس‭ ‬مجموع‭ ‬الناس‭ ‬أكثر‭ ‬تمثيلا‭ ‬لهذه‭ ‬السيادة‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬نخبوية‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬فرد‭ ‬حاكما‭ ‬كان‭ ‬أم‭  ‬رجل‭ ‬دين،‭ ‬أليس‭ ‬رأى‭ ‬الجماعة‭ ‬فى‭ ‬الإسلام‭ ‬أولى‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬الفرد؟‭!‬

أقول‭: ‬إنه‭ ‬رغم‭ ‬سهولة‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬أفكار‭ ‬ومبادئ‭ ‬عديدة‭ ‬فى‭ ‬الأدبيات‭ ‬الإسلامية‭ - ‬الحرية‭ - ‬المساواة،‭ ‬العدالة،‭ ‬الشورى،‭ ‬المحبة،‭ ‬السلام،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الحاجة‭ ‬للاتفاق‭ ‬على‭ ‬تفسيرات‭ ‬حضارية‭ ‬لهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬باتجاه‭ ‬تحرير‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬وبناء‭ ‬إرادته‭ ‬نحو‭ ‬العلنية‭ ‬والتعددية‭ ‬ونسبية‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيوية‭ ‬والتعامل‭ ‬السلمى،‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬تفسيرات‭ ‬حضارية‭ ‬لهذه‭ ‬المبادئ‭ ‬وتحاشى‭ ‬ازدواجية‭ ‬التفسير‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬الاجتماعى‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اتفاقا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الشرط‭ ‬اللازم‭ ‬للإسلام‭ ‬الديمقراطى،‭ ‬هو‭ ‬المرونة‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬افتقدته‭ ‬الحركة‭ ‬التاريخية‭ ‬الإسلامية‭ ‬هو‭ ‬تبنٍ‭ ‬منظم‭ ‬ومتواصل‭ ‬لقواعد‭ ‬أخلاقية‭ ‬وقانونية‭ ‬ديمقراطية‭ ‬إسلامية،‭ ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬غياب‭ ‬تقنين‭ ‬وتأسسة‭ ‬استخداماتها‭.‬

ولا‭ ‬يمكننى‭ ‬أن‭ ‬أنكر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية،‭ ‬حاجة‭ ‬المشروع‭ ‬الإسلامى‭ ‬الديمقراطى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الفصل‭ ‬التام‭ ‬بين‭ ‬العقيدة‭ ‬والممارسات‭ ‬الدينية‭ ‬المطلقة‭ ‬باعتبارها‭ ‬مسألة‭ ‬شخصية‭ ‬معنوية،‭ ‬وبين‭ ‬الأفكار‭ ‬والممارسات‭ ‬الدنيوية‭ ‬النسبية‭ ‬باعتبارها‭ ‬مسألة‭ ‬اجتماعية‭ ‬مادية،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بعلمانية‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيوية‭ ‬التى‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العلم‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬العقل‭ ‬وإطلاق‭ ‬الفكر‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬كافة‭ ‬القيود‭ ‬والحدود‭ ‬و‭ ‬الممنوعات‭ ‬والمحرمات،‭ ‬وترسيخ‭ ‬مفهوم‭ ‬النسبية‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أمور‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيوية‭ ‬المتغيرة،‭ ‬والقناعة‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬أدرك‭ ‬هذه‭ ‬البديهة‭ ‬البسيطة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬فكرة‭ ‬الآخرة‭ ‬عالم‭ ‬المطلقات‭ ‬الموعود‭ ‬واللا‭ ‬محدود،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭  ‬أيضا‭ ‬كان‭ ‬امتناع‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مملكة‭ ‬البشر‭ ‬فى‭ ‬دنياهم‭ ‬لئلا‭ ‬يواجه‭ ‬مسئوليات‭ ‬المثالب‭ ‬والنواقص‭ ‬والعيوب،‭ ‬وكل‭ ‬المشكلات‭ ‬الدنيوية‭ ‬التى‭ ‬ترافق‭ ‬أفكار‭ ‬وأعمال‭ ‬المجتمع‭ ‬البشرى،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬فصل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النسبى‭ ‬للبشر‭ ‬والمطلق‭ ‬لنفسه،‭ ‬فلماذا‭ ‬إصرار‭ ‬المؤسسة‭ ‬الدينية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الخلط‭ ‬بينهما؟‭!‬

 

النواقص‭ ‬والعيوب‭!‬

والمعروف‭ ‬أن‭ ‬قانونا‭ ‬قد‭ ‬صدر‭ ‬برقم‭ ‬40‭ ‬لسنة‭ ‬1977،‭ ‬فى‭ ‬شأن‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وأعطت‭ ‬المادة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬للمصريين‭ ‬حق‭ ‬تكوين‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية،‭ ‬كما‭ ‬أعطت‭ ‬لكل‭ ‬مصرى‭ ‬الحق‭ ‬فى‭ ‬الانتماء‭ ‬لأى‭ ‬حزب‭ ‬سياسى،‭ ‬وعرفت‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الحزب‭ ‬بأنه‭ ‬جماعة‭ ‬منتظمة‭ - ‬تؤسس‭ ‬طبقا‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ - ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬وأهداف‭ ‬مشتركة،‭ ‬وتعمل‭ ‬بالوسائل‭ ‬السياسية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لتحقيق‭ ‬برامج‭ ‬محددة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالشئون‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للدولة،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬مسئوليات‭ ‬الحكم‭.‬

وعرفت‭ ‬المادة‭ ‬الثالثة‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬الحزب‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬السياسى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬للوطن‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتحالف‭ ‬قوى‭ ‬الشعب‭ ‬العاملة‭ ‬والسلام‭ ‬الاجتماعى‭ ‬و‭ ‬الاشتراكية‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬مكاسب‭ ‬العمال‭ ‬والفلاحين‭.‬

واشترطت‭ ‬المادة‭ ‬الرابعة‭ ‬لتأسيس‭ ‬أى‭ ‬حزب،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للحزب‭ ‬اسم‭ ‬لا‭ ‬يشابه‭ ‬اسم‭ ‬حزب‭ ‬قائم،‭ ‬وألا‭ ‬تتعارض‭ ‬مبادئه‭ ‬أو‭ ‬أهدافه‭ ‬أو‭ ‬برامجه‭ ‬أو‭ ‬سياساته‭ ‬أو‭ ‬أساليبه،‭ ‬مع‭ ‬ممارسة‭ ‬نشاطه‭  ‬مع‭ ‬الدستور‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والسلام‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والنظام‭ ‬الديمقراطى‭ ‬وألا‭ ‬يقوم‭ ‬الحزب‭ ‬فى‭ ‬مبادئه‭ ‬أو‭ ‬برامجه‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬مباشرة‭ ‬نشاطه‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬اختيار‭ ‬قياداته‭ ‬أو‭ ‬أعضائه‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬دينى‭ ‬أو‭ ‬طبقى‭ ‬أو‭ ‬طائفى‭ ‬أو‭ ‬فئوى‭ ‬أو‭ ‬جغرافى‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬المشاعر‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬التفرقة‭ ‬بسبب‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬الأصل‭ ‬أو‭ ‬العقيدة،

واشترطت‭ ‬المادة‭ ‬الخامسة‭ ‬وجوب‭ ‬أن‭ ‬يشتمل‭ ‬النظام‭ ‬الداخلى‭ ‬للحزب‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬التى‭ ‬تنظم‭ ‬كل‭ ‬شئونه،‭ ‬كما‭ ‬أوجبت‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬عدم‭ ‬جواز‭ ‬وضع‭ ‬شروط‭ ‬للعضوية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التفرقة‭ ‬بسبب‭ ‬العقيدة‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬العنصر‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭.‬

ونصت‭ ‬المادة‭ ‬22‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعاقب‭ ‬بالسجن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أنشأ‭ ‬أو‭ ‬أسس‭ ‬أو‭ ‬نظم‭ ‬أو‭ ‬أدار‭ ‬أو‭ ‬موّل‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬صورة‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬أحكام‭ ‬القانون‭ ‬تنظيما‭ ‬حزبيا‭ ‬غير‭ ‬مشروع‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬مستترا‭ ‬تحت‭ ‬أى‭ ‬ستار‭ ‬دينى،‭ ‬وتكون‭ ‬العقوبة‭ ‬السجن‭ ‬المؤبد‭ ‬أو‭ ‬المشدد‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التنظيم‭ ‬الحزبى‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬معاديا‭ ‬لنظام‭ ‬المجتمع‭ ‬أو‭ ‬ذا‭ ‬طابع‭ ‬عسكرى‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬عسكرى‭ ‬أو‭ ‬أخذ‭ ‬طابع‭ ‬التدريبات‭ ‬العنيفة‭ ‬التى‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الإعداد‭ ‬القتالى‭.‬

ومفاد‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬أن‭ ‬المشرع‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬اشترط‭ ‬لتأسيس‭ ‬أى‭ ‬حزب‭ ‬سياسى‭ ‬ألا‭ ‬تتعارض‭ ‬مبادئه‭ ‬أو‭ ‬أهدافه‭ ‬أو‭ ‬برنامجه‭ ‬أو‭ ‬سياساته‭ ‬أو‭ ‬أساليبه‭ ‬فى‭ ‬ممارسة‭ ‬نشاطه‭ ‬مع‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬للدستور‭ ‬أو‭ ‬مقتضيات‭ ‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومى‭ ‬المصرى‭ ‬أو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والسلام‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والنظام‭ ‬الديمقراطى،‭ ‬كما‭ ‬اشترط‭ ‬عدم‭ ‬قيام‭ ‬الحزب‭ ‬فى‭ ‬مبادئه‭ ‬أو‭ ‬برامجه‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬مباشرة‭ ‬نشاطه‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬اختيار‭ ‬قياداته‭ ‬وأعضائه‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬دينى‭ ‬أوطبقى‭ ‬أو‭ ‬طائفى‭ ‬أو‭ ‬فئوى‭ ‬أو‭ ‬جغرافى‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬العقيدة‭.‬

وقد‭ ‬يتساءل‭ ‬البعض‭: ‬لماذا‭ ‬اشترط‭ ‬المشرع‭ ‬لقيام‭ ‬أى‭ ‬حزب‭ ‬ألا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬دينى‭ ‬أو‭ ‬طائفى‭ ‬وألا‭ ‬يتعارض‭ ‬فى‭ ‬مبادئه‭ ‬وأساليبه‭ ‬مع‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬للدستور‭ ‬أو‭ ‬مقتضيات‭ ‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومى‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والسلام‭ ‬الاجتماعى‭.‬

فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬قضية‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التى‭ ‬حظيت‭ ‬باهتمام‭ ‬بالغ‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور‭ ‬نظرا‭ ‬لعظيم‭ ‬أثرها‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬القومى‭ ‬للبلاد‭.‬

والمؤكد‭ ‬أن‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬المصريين‭ ‬من‭ ‬مسلمين‭ ‬ومسيحيين‭ ‬تمثل‭ ‬أعظم‭ ‬أيقونة‭ ‬أبدعها‭ ‬فنان‭ ‬موهوب‭ ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬تعانى‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإرهاب‭ ‬التى‭ ‬باتت‭ ‬تطل‭ ‬علينا‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬بوجهها‭ ‬القبيح‭ ‬الذى‭ ‬يسعى‭ ‬لتدمير‭ ‬الدولة‭ ‬والعودة‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬وتعطيل‭ ‬كل‭ ‬إجراء‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬التنمية‭ ‬والإصلاح‭.. ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬يعانيه‭ ‬المجتمع‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬من‭ ‬توترات‭ ‬فى‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأقباط‭ ‬والمسلمين،‭ ‬وهى‭ ‬مشكلات‭ ‬دائما‭ ‬كانت‭ ‬خلفياتها‭ ‬دينية‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬استوجب‭ ‬معه‭ ‬المشرع‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬تدعيم‭ ‬مبدأ‭ ‬المواطنة‭ ‬وتعزيز‭ ‬قيمة‭ ‬الحوار،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬المحبة‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬والتعاون‭ ‬البناء‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬الدور‭ ‬المهم‭ ‬للأحزاب‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬بل‭ ‬المهم‭ ‬والأهم‭ ‬هو‭ ‬نبذ‭ ‬العنف‭ ‬ورفض‭ ‬التعصب‭ ‬ومواجهة‭ ‬الإرهاب‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬حتى‭ ‬يعلو‭ ‬بينهم‭ ‬صوت‭ ‬العقلاء‭ ‬والحكماء‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬والإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الأحزاب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تشارك‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬النهوض‭ ‬بالمجتمع‭ ‬وأن‭ ‬تعمل‭ ‬بصدق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البناء‭ ‬وليس‭ ‬الهدم‭.. ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوحدة‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الانقسام‭.‬