بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

حوار مع الوسواس الخناس

ما إن هممت بإمساك قلمى ، حتى رأيته " متنطعا ومتسلطحا " على الورقة أمامى رؤي العين ، بقرنيه الملتفين وعينيه الحمراوين وقد فتح فمه الكريه فى ابتسامة غريبة ، هتف راجيا فى توسل مسرحى مكشوف " لا تصرفينى " ، تمتمت " دستور يا اسيادى " هتف : لقد جئت من أجل هذا الدستور ، دستوركم لا دستورنا .

نحيت القلم وهمست " اصطبحنا وصبح الملك لله " ماله الدستور .

قال وهو يحك حاجبه : مصر حتخرج يوم 19 عشان تصوت تانى على الدستور فى الاستفتاء .

تساءلت بدهشة ..  تانى ، وهو فين التصويت الأول .

ـ التصويت الأول يوم ما أعلن رئيسكم المخلوع مبارك إنه هيعدل الدستور ، والشعب فى التحرير وغير التحرير قال لا ، مش عاوزين تعديل ولا ترقيع ،عاوزين دستور جديد ، هو مش ده برضه استفتاء شعبى ولا ايه ، والا انتوا خلاص فرحتوا بحكاية الخروج كل يوم والتانى فى الميادين بمناسبة ومن غير مناسبة .

ـ بس مش دول كل الشعب ،  فيه ناس تانية ليها رأى تانى .

هتف مبتسما فى خباثة : آه قصدك حبايبى بتوع الوطنى .

قلت : لا وآخرين

ـ قصدك اللى ما يتسموش الإخوان ، ماهم حيحطوا إيدهم فى إيد الأبالسة ، ويوافقوا على التعديلات عشان المصلحة تحكم ، وراس ابويا انتو مضحوك عليكم .

صرخت بغضب : اخرس يابن الابالسة الشعب بعد 25 يناير مش هينضحك عليه تانى ، الشعب فاق وعرف مصلحته .

قال ساخرا : طيب ليه شرف وحكومته لتسيير الأعمال لم تعلن إسقاط الدستور كله ، وتسمح للجنة دستورية بإعلان دستور جديد ،  الترقيع ده فى مصلحة مين ، وليه الجيش لم يعلن إسقاط الدستور تماما استجابة لصوت الشعب  لتشكيل آخر ، وبعدين إيه الثقة الشعبية الكبيرة دى فى قرارات الجيش وحكمته ...

قاطعته بحسم : اخرس إنت كمان جاى تشكك فى الجيش ، مش ناقص إلا كده ..!

ـ لا تشكيك ولا غيره ، انتو بعد الثورة كنتم محتاجين حد تثقوا فيه بعد كل الفساد والقرف اللى انكشف عنه المستور وماكانش قدامكم الا الجيش ..!

قلت وانا اتنهد فى غيظ : طيب وماله الجيش محل ثقة مش من فراغ وتاريخه يحكم .

قال فى خبث : إنتي كإعلامية كم مرة كتبتى أو قرأتى عن أى عملية فساد او مخالفات فى الجيش ؟

ـ ولا مرة

أضاف بذات اللهجة الخبيثة : وأخبار الجيش فى 30  سنة من حكم مبارك ألم تكن تأتى من إدارة العلاقات العامة للجيش ، ولا يمكن لأى جهة إعلامية الكتابة عن أخبار الجيش إلا بتصريح ولا يتعرض للمساءلة والمحاكمة .

قلت وكاد صبرى ان ينفد : وماله سرية أخبار الجيش مطلوبة عشان الأعداء .

صرخ وهو يقول : يالكم من طيبين لحد الغباء ، أنا لا أقصد أخبار التحركات العسكرية والتسليح وخلافه ، اقصد اخبار عن فساد هنا ولا هنا داخل الجيش ، لم تقرأى فى الدول الغربية عن اخبار مخالفات أو فساد او جرائم ارتكبتها عناصر بالجيش فى الصحف والمجلات ، المتهم برشوة او الاتجار فى المخدرات أو التربح من صفقات أسلحة ، او حتى فى جرائم اغتصاب ، هذه الاخبار تنشر بصورة عادية جدا ، شأنها شأن الكشف عن اخبار الفساد فى أى قطاعات أخرى ، لتنوير الشعب وتبصيره بكل الحقائق ، ولم يقل أحد فى الغرب إن هذه الاخبار تسئ لسمعة الجيش أو تهز صورته أمام العالم ، فى كل مكان الخطأ وارد ، والتعتيم الاعلامى يساعد على الفساد السرى .

هتفت وكأنى كسبت جولة : الحمد لله لم ينشر شئ عن هذا فى بلدنا ، يعنى لا يوجد فساد فى الجيش ،  جيشنا نزيه ونظيف والحمد لله وكفاك تشكيكا فى الثوابت ابعد عنى ..الله يحرقك ..

قال : يعنى الشعب عارف إن الجيش يهيمن على عصب الاقتصاد المصرى منذ الخمسينيات ، و يسيطر على العديد من شركات الأغذية ، وشركات انتاج السيارات والتصنيع الحربى ، بجانب العقارات ، وتصل هذه النسبة التى يستحوذ عليها الى 15%  من الاقتصاد المصرى ، هو ما يعادل من 20 الى 30 مليار دولار أمريكى ..

قاطعته وأنا اتلفت حولى فى ذعر .. اخرس هتنشر اسرارنا العسكرية ..

ضحك ساخرا وقال : أسرار ايه يا أم أسرار ، والله انتو شعب غلبان ،  الارقام دى نشرتها صحيفة التراو الهولندية قبل أسابيع ومصادر أخرى غربية ، والصحيفة قالت كمان ان عدد القوات المصرية يقارب نصف مليون ، وهناك عدد مماثل من قوات الاحتياط وأن سلطات الجيش منتشرة فى جميع القطاعات بالحياة الاجتماعية ، فى المصانع ، وفى رعاية الوظائف الكبرى ، فى النوادى الاجتماعية والرياضية ، وتصل موازنة الدفاع 6 مليارات دولار  سنويا ، إضافة الى مساعدات أمريكية للجيش تصل الى 3و1 مليار

دولار سنويا ، كما أن هناك بنودا أخرى تضاف الى موازنة الجيش المصرى ، ولكنها بنود مخبأة وغيرمعلنة ، وأن كل هذ المسببات كانت عناصر ضغط على مبارك ليتخلى عن السلطة .

قلت : وايه الضرر ، جيش مصر أقوى جيش بالمنطقة ومن حقه يبقى قوى ماليا واقتصاديا لحماية الوطن .

قال بذات اللهجة الخبيثة : طيب وهو الجيش مقطوع من شجرة ...

نظرت له فى حنق : يعنى ايه ..؟

قال : يعنى عناصر الجيش دى ملهاش قرايب أحباب أصحاب فى الحزب الوطنى ، اوقريبه من النظام اللى كان  ، أو من عناصر أمن الدولة ، يعنى ما فيش شبكة علاقات هنا ولا هنا تمارس ضغوطا خفية على الجيش عشان يتم تمرير الدستور المرقع ... وتعود ريما لعادتها القديمة فى السلطة خطوة خطوة ، وتمارس من جديد سياسة الكبس على أنفاس الشعب ..

صرخت بغضب حقيقى : اخرس يا ابن الشياطين كفاية تشكيك ، الجيش مش من مصلحته عودة أى  وجه للنظام القديم ، الجيش والشعب ايد واحدة ..

قال باستخفاف : انت ما فيش علي لسانك إلا اخرس اخرس ، طيب ليه الجيش والحكومة مستعجلين على الدستور وعلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، ليه ما يخدش الشعب نفس من القرف اللى كان ، ويتم ترتيب الاوراق على مهل ، عشان دستور جديد ، وانتخابات برلمانية نزيهة ، ورئيس جمهورية محدود السلطات ، ولا انتوا شعب بينسى بسرعة المآسى ، واتعود على القهر والضرب ..!.

قلت وقد قررت إنهاء هذا الحوار المهين ، و الذى جثم على صدرى ككابوس أسود : انت عايز تفهمنى إن قلبك على الشعب المصرى ، انت اللى بعتك الملاعين المشككين فى كل نجاح ، بعتوك عشان تسرق فرحتنا بالثورة ، وفرحة الشعب انه بقى سيد قراره ، العب غيرها وارحل .

هز قرنيه الكريهين وقال : سيد قراره سيد قراره ، انتوا أحرار ، انا جيت طواعية   انبه ، وذنبكم على جنبكم .

قلت وانا التقط أنفاسى وقد جف ريقى : على أي حال سيقول الشعب كلمته يوم 19 ، وسيرفض التعديلات .

قال فى صخب المنتصر : ومن أدراك أن نتيجة الاستفتاء ستكون الرفض ، هل توجد ضمانات لدى الشعب بعدم التزوير ،  كل شئ ممكن فى عهد الفوضى وغياب الأمن الان ، من الممكن أن يتسلل أحبائى من الحزب الوطنى ، ولا تنسى أصوات الاخوان ، وأصوات المنتفعين من النظام الراحل  ، وأصوات رجال أمن الدولة اللى اتهز كيانهم بسبب الثورة وغيرهم من الحرامية المستخبيين ، بجانب حرمان ملايين المغتربين بره مصر من حق الاستفتاء واللى كانوا أكيد هيقولوا للدستور المرقع " لا " وعشان كده تم اسقاطهم من الحسابات الاستفتاوية ، وابقى سلميلى على الاستفتاء .

صرخت وأنا أقذفه بالقلم .. انصرف لعنة الله عليك ، و" بصقت " الى يسارى ثلاث مرات كما علمتنى أمى رحمها الله إذا ما فاجأنى الوسواس  الخناس بأفكاره الخبيثة ، واستعذت بالله من الشيطان ، وغادرنى الخناس وهو يهز قرنيه فى انتصار ، ويغنى فى سخرية "  استفتا إيه اللى انت جاى تقول عليه .. انت عارف قبلة معنى الاستفتاء إيه لما تتكلم عليه ... .