بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

د‮. ‬رمسيس عوض‮: ‬ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير فضحت المثقفين

 

مصر تغيرت بعد ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير أو ينبغي ذلك،‮ ‬ولا شك أن الثقافة لها أثر كبير في حياة الإنسان،‮ ‬فبصلاحها ينصلح الحال وبفشلها يحدث ما لا تحمد عقباه،‮ ‬واليوم نبدأ سلسلة حوارات مع رموز الفكر والأدب عن أوجاع الثقافة وطرق الإصلاح من وجهة نظرهم‮.‬

الدكتور رمسيس عوض‮ - ‬الذي ظلم بانتمائه إلي شقيقه الدكتور لويس عوض‮ - ‬أديب ومترجم ومفكر قال عن نفسه‮: ‬أنجزت أبحاثاً‮ ‬كان العالم العربي يجهلها تماماً‮ ‬حتي عمالقة الفكر العربي أمثال‮: ‬طه حسين والعقاد وحتي لويس عوض‮.. ‬أنا ابن جيلي أعبر عن اهتماماته وهمومه ومشاكله وأعكس طموحاته‮.‬

رصد لنا مشكلات الثقافة وأسباب تخلفها وعرج بنا إلي ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير ووصفها بأنها أعظم من ثورة‮ ‬1919،‮ ‬وحيا شبابها وحذرهم من الثورة المضادة ووضع مقومات لأي وزير ثقافة قادم لينقذ حال الثقافة‮.. ‬وإلي نص الحوار‮:‬

ما رأيك في ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير؟

أعتبرها أعظم من ثورة‮ ‬1919‮ ‬لأن ثورة‮ ‬19‮ ‬كانت موجهة ضد الاستعمار الإنجليزي،‮ ‬وكان أحد الحوافز المهمة هو إحساس المصريين بأنهم يحاربون الكفرة المسيحيين ويعتبرونهم أعداء الله،‮ ‬في حين أن ثورة يناير انتفي منها هذا البعد الديني،‮ ‬وكان هدف الثوار التمرد علي الظلم الاجتماعي والإحساس بالانتصار للحرية والعدالة الاجتماعية‮.‬

وماذا عن مستقبل الثقافة بعدها؟

ـ يتوقف ذلك علي نجاح الثورة في تحقيق أهدافها التي رسمتها لنفسها من البداية وهي مازالت في البداية،‮ ‬فنجاح الثورة سوف يضمن تغيير شكل مصر الثقافي تماماً،‮ ‬لأن الثوار يدعون إلي إقامة حياة مدنية يسودها العقل والحياة المدنية بطبيعتها تجعل من الدين علاقة خاصة بين العبد وربه،‮ ‬أما إذا أُجهضت الثورة‮ - ‬لا سمح الله‮ - ‬وتغلبت عليها الثورة المضادة،‮ ‬

فهناك احتمال أن يأتي إلي الحكم من يناصبون التفكير المدني العداء،‮ ‬ومن يتكلمون باسم الله ويريدون من الناس أن يتركوا الفكر المدني العلماني وينصرفوا إلي الأمور الدينية التي قد تكون محل اختلاف واجتهاد،‮ ‬وفي هذه الحالة قد يأتي حكم أسوأ من حكم مبارك،‮ ‬لأن مبارك‮ - ‬علي أقل تقدير‮ - ‬كان يعلن رغبته في إقامة حكم مدني والأخطر في كل هذا أن هؤلاء المتدينين الجدد حتي المنشقين عن الإخوان المسلمين يتكلمون بلغة تختلف تماماً‮ ‬عما يدعون إليه،‮ ‬فهم يحدثوننا عن الديمقراطية والليبرالية وحرية التعبير وهي جميعاً‮ ‬أشياء لا تتفق مع منهجهم في التفكير،‮ ‬ولعل السبب في ذلك يرجع إلي‮ ‬غواية الناس كي يبعدوا الشباب الثائرين عن التفكير المدني‮.‬

وماذا تقول للمثقفين؟

ـ أقول لهم‮: »‬اخجلوا من أنفسكم‮« ‬فالثورة فضحت المثقفين ووزارة الثقافة،‮ ‬فالذين قاموا بها كانوا شباباً‮ ‬متعلمين في مقتبل العمر وعلي وعي بالحياة العملية دون أن يكونوا من الطبقة التي تمارس الثقافة في حياتها اليومية،‮ ‬فالمثقفون تبين أنهم خارج اللعبة تماماً،‮ ‬ويا للأسف الكثير منهم الآن يريد ركوب الموجة‮ - ‬موجة الثورة تماماً‮ - ‬كما فعلوا في عهد مبارك،‮ ‬فأساتذة الجامعة شاركوا في ميدان التحرير آخر يوم قبل التنحي،‮ ‬وكذلك اتحاد الكتاب الذي كان من المفترض أن يكون في صدارة المشهد،‮ ‬الجميع شاركوا بعد ضمان نجاح الثورة‮.‬

ما مواصفات وزير الثقافة الجديد؟

ـ أولاً‮: ‬أن يجعل الوزارة للمثقفين وليس للموظفين الذين مازالوا حتي الآن يستهلكون الجانب الأعظم من ميزانية وزارة الثقافة،‮ ‬ثانياً‮: ‬أن يكون مدنياً‮ ‬في تفكيره فلا يكون من طبقة المفكرين أو حتي التكنوقراط بل يفكر بطريقة مدنية تماماً،‮ ‬حتي لو كان متديناً،‮ ‬يفصل بين تفكيره المدني ومعتقداته الدينية التي لا ينبغي أن تؤثر علي تفكيره المدني،‮ ‬ثالثاً‮: ‬أن يجعل من وزارته خلية نحل لإنجاز مشروعات ثقافية عملاقة لا قبل للأفراد بها،‮ ‬رابعاً‮: ‬أن يجعل المثقفين في وضع محترم،‮ ‬لا يلهثون وراء الإعلام للدعاية عن أنفسهم بالحق أو الباطل،‮ ‬في حين أن المثقف الحقيقي يرتفع عن ذلك ويبقي في محرابه يعمل في صمت دون السعي للشهرة أو المجد‮.‬

هل تخشي علي الثورة؟

ـ نعم‮.. ‬لأن الثورة المضادة قوية للغاية وتستطيع أن تطيح بأهداف الثوار الحقيقيين إذا لم ينتبهوا للأخطار المحيطة بهم،‮ ‬وعليهم ألا يسمحوا لأي تيار‮ ‬غير التيار المدني أن يركب الموجة،‮ ‬ويعملون جاهدين علي حماية ثورتهم البيضاء النقية التي حولت وجه الحياة في مصر‮.‬

ما أهم أسباب التخلف الثقافي؟

ـ الشللية أهم أسباب التخلف الثقافي،‮ ‬فالمثقفون المصريون يقيمون الاحتفاليات لبعضهم البعض ويهنئون أنفسهم،‮ ‬كما أنهم يعطون الجوائز لبعضهم البعض وإحدي مشكلاتهم أنهم يكتبون أكثر مما يقرأون،‮ ‬وهم يلقون علي مسامعنا خطباً‮ ‬رنانة حول الثقافة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تعريفها كما فعل ت‮. ‬س أليوت عندما ألف كتاباً‮ ‬عن الثقافة‮.‬

ماذا عن المشهد الثقافي؟

ـ المشهد الثقافي عجيب،‮ ‬حيث يوجد عدد هائل من المؤسسات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة،‮ ‬فعلي سبيل المثال الهيئة العامة للكتاب والمركز القومي للترجمة والمجلس الأعلي للثقافة وهيئة قصور الثقافة،‮ ‬فهناك قاسم مشترك بين جميع هذه المؤسسات هو العشوائية وعدم وجود أية توجهات ثقافية محددة لكل جهاز أو مؤسسة،‮ ‬ولنبدأ بأهم جهازين وهما‮: ‬هيئة الكتاب والمركز القومي للترجمة،‮ ‬فالهيئة تمتلك إمكانيات هائلة

للطباعة والنشر تستغلها معظم الوقت في الأغراض التجارية،‮ ‬وهي هيئة ابتليت بعدد من الرؤساء الذين تخلوا عن أكادميتهم لتملق السلطة السياسية وخلط الثقافة بالسياسة،‮ ‬ولم ينته التدهور عند هذا الحد بل تولي رئاستها عسكر لا تربطهم بالثقافة أدني صلة،‮ ‬وصحفيون لا يعرفون عن الثقافة إلا القشور،‮ ‬لقد كان من المفروض لهذه الأجهزة الثقافية أن تنفرد بنشاط ثقافي واضح ومميز عن بقية الأنشطة التي تمارسها المؤسسات الأخري‮.‬

حدثنا عن الواقع؟

ـ الواقع أن هيئة الكتاب تصدر كتباً‮ ‬مترجمة وكذلك بفعل المركز القومي للترجمة،‮ ‬بالإضافة إلي هيئة قصور الثقافة،‮ ‬ولو أن هيئة الكتاب‮ - ‬علي سبيل المثال‮ - ‬تخصصت في ترجمة الكتب العلمية والتكنولوجية وتخصص المركز القومي للترجمة في العلوم الإنسانية لكان لكل جهاز ما يبرر وجوده،‮ ‬وقد اقترحت مراراً‮ ‬وتكراراً‮ ‬شفاهة وكتابة أن يقتصر نشاط المركز القومي للترجمة علي ترجمة أمهات الكتب الفارقة في تاريخ الإنسانية وتتولي هيئة الكتاب ترجمة الكتب المهمة الأخري،‮ ‬وعلي سبيل المثال،‮ ‬اتفقت مع المركز القومي للترجمة للقيام بترجمة الموسوعة البريطانية للكتب‮.‬

قلت إن هناك فضيحة يرتكبها المسئولون الحكوميون عن النشر‮.. ‬حدثنا عنها؟

ـ الفضيحة التي يتستر عليها مسئولو النشر هي أنهم يطبعون ألف نسخة من أي كتاب ويبيعونها بأسعار مدعمة إلي شعب تعداده ثمانين مليون نسمة،‮ ‬وحتي هذه الكتب الألف قد لا تجد من يشتريها،‮ ‬فيضعونها في المخازن تعاني التلف والتآكل،‮ ‬لقد رأيت العجب العجاب مع بعض المسئولين عن النشر في مصر،‮ ‬

فقد تقدمت‮ - ‬في الستينيات من القرن الماضي‮ - ‬بترجمة لسيرة حياة‮ »‬برنزاند راسيل‮« ‬فأجيز للنشر،‮ ‬وفي مطابع هيئة الكتاب ارتفع صوت أحد العاملين هناك ليقرر إلغاء فصل من الكتاب يتناول شك هذا الفيلسوف الكبير في الدين وقضية وجود الله،‮ ‬وكان المسئول عن النشر آنذاك المرحوم الدكتور محمود الشنيطي الذي طلب مني استبعاد هذا الفصل فرفضت رفضاً‮ ‬قاطعاً‮ ‬واضطررت لطباعة الكتاب علي نفقتي الخاصة،‮ ‬وفي دار نشر حكومية أخري نشرت ترجمة لكتاب‮ »‬راسيل‮« ‬الدين والعلم الذي يوضح وجود تعارض بين الدين المسيحي والعلم فإذا بالمسئول عن النشر يكتب فقرة للترويج للكتاب يقول فيها‮: »‬إن راسيل يري أنه ليس هناك أي تعارض بين الدين والعلم‮« ‬عكس ما جاء في الكتاب تماماً‮.‬

رغم وجود أكثر من جهة تتصدي للترجمة‮.. ‬هل حقق هذا النشاط الثقافي هدفه؟

ـ الترجمة بطبيعتها نشاط ليبرالي يهدف إلي التعرف علي حضارة الآخرين،‮ ‬ولهذا فإن الهدف الأساسي منها هو القضاء علي الانغلاق الفكري وإقامة الجسور بين الشعوب المختلفة،‮ ‬وعكس هذا تماماً‮ ‬يحدث في مصر والعالم العربي بوجه عام،‮ ‬وهو تصاعد وتيرة التطرف الفكري والتعصب الديني وهو بالتأكيد فشل ذريع لحركة الترجمة وإهدار للمال العام والدليل علي ذلك الركود الهائل في بيع الكتب سواء المؤلفة أو المترجمة‮.‬

كيف تري العلاقة الجدلية بين المثقف والسلطة؟

ـ علاقة المثقف بالسلطة مشكلة قديمة،‮ ‬خاصة في الدول العربية،‮ ‬فهناك المثقف المحترم الذي يرفض السير في ركاب السلطة حفاظاً‮ ‬علي أمانته واستقلاله الفكري‮.. ‬وهناك الكثيرون من المثقفين المصريين والعرب انزلقوا إلي السلطة وحرصوا علي تملقها والهرولة نحوها طمعاً‮ ‬في الجاه أو المال أو كليهما،‮ ‬والمفترض أن المثقف الأصيل هو الذي يعرف نقائص مجتمعه ويسعي جاهداً‮ ‬إلي إصلاحها مهما كلفه هذا من جهد،‮ ‬عكس مثقفي السلطة الذين يتاجرون بأحلام الناس وآلامهم وأوجاعهم‮.‬