بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

افتراءات و فريات غير دستورية

شهدت الساحة القانونية  في  مصر  ،  في  الايام الاخيرة  مبارزات  سياسية  ،  و  فريات تحزبية  ،  و  نعرات  عصبية  ، لم  تشهدها  مصر  من  زمن  بعيد  ، و  تجلي  الموقف  في  احتدام  الصدام  بين  الرئيس  و القضاء ،  في  مشهد  غير  متوقع  ، يزيد  الشقة  و التصدع  بين  سلطات  عامة  حكومية  ، حدد  لها  الدستور  سلطاتها  ، و  صلاحياتها  ،   وواجباتها  دون  غموض أو  التباس أو  ضبابية  ، فصار  المشهد السياسي  مأزوما ، و   أضحي  النزاع  القانوني  محموما .

بيد  أن  اللافت  للنظر في  خضم  هذا الهرج  و المرج  ،  انقسام  الفقهاء  و الشراح  القانونين  الي  فريقين  اثنين، بفعل  المصالح  السياسية  لا  القانون  ،  و  بفضل  الاهواء  الشخصية  لا  العدالة ، فصارت  الهوة  بينهم  سحيقة  و الشقة  أيضا    معيقة ، فأنصار  الرئيس  ذهبوا  الي  أبعد  من  المدي  الذي  تصل  اليه  سهام  القذف  و  التشهير   ، و الامتهان ، و  ذهبوا  الي  اتهام  المحكمة  بالتسييس  و  التدليس  و  الاخلال  بالميزان ، و  احتكم  الاضداد  المدافعين  عن  دولة القانون  و سيادتها  الي  نظام  المحكمة  الاساسي  ،  و  المبادئ  و القواعد  الدستورية  الراسخة ،  و  الاحكام  القضائية  الدستورية  السابقة ، في  مصر  و  أرجاء  المعمورة  ،  و التي  نفدت و  انطبقت  علي  الكافة   غير  منقوصة  و  لا  مبتورة  .
فالانصار   للرئيس الي  أبعد  مدي ، يزعمون  أن المحكمة فى قضائها الأخير الشهير قد تجاوزت ولايتها القضائية فى نظرها للنص التشريعى المطعون بعدم دستوريته؛ و قضت ببطلان ميلاد  مجلس الشعب برمته وليس ذلك الجزء الذى تأسس منعدما للمبادئ الدستورية وفاقدا لقواعد الشرعية، رغما أن المحكمة ذاتها قد نحت  ذات  المنحي ، حيث قالت الدستورية العليا فى حكم صادر لها فى 2 يناير 1993: "وحيث كان إبطال هذه المحكمة نص المادة (5) من القانون المطعون عليه، مؤداه زوال النصوص الأخرى المرتبطة بها، باعتبار أنها مترتبة عليها، ولا قوام بدونها، فان أحكام المواد (15 - 3 - 6) من هذا القانون تكون مع مادته الخامسة كلا لا يتجزأ " .

و  المؤيدون  أيضا  للرئيس ، يذهبون  الان الي  أن  الحل الوحيد  الذي  لا حل  غيره  ، و الملاذ  الاخير  الذي  لا  ملجأ سواه  للخروج  من  هذه  الأزمة - التي  أضحت  تتصدر  كافة  الاخبار  العالمية  - أن  يقوم  الرئيس  باستفتاء الشعب  علي  قراره  بحل البرلمان  ، باعتبار أن  الشعب  مصدر  كل  السلطات  ،  و  أن  الاستفتاء    المباشر  هو الاداة  الديمقراطية الكاشفة  عن خيار  الشعب  السياسي  و  الديمقراطي  ، و يغفل  أو  يتغافل  القليل  من  العارفين ،  بأن  المحكمة  الدستورية العليا  ذاتها 

في  عام  1986  سبق و أن  قضت  بعدم  دستورية  المادة  الرابعة  من  القانون  رقم  33 لسنة 1978، و قررت المحكمة  أن  رقابة  المحكمة  تنبسط  فتشمل  القوانين  البرلمانية  كافة  ، حتي  و  لو  صدرت  عقب استفتاء   شعبي  .

و  أخيرا ،  طلع  علينا  من  تكنيهم  وسائط  الاعلام المختلفة  بالفقهاء الدستوريين  ،  و الدستور  منهم  براء  ،  حيث  يزعمون  بأن القرار  الاخير  للسيد      رئيس  الجمهورية  بدعوة  البرلمان المنحل  الي  الانعقاد  ثانية  بعد  انفراط  عقده غير  الشرعي ، هو  عمل  سياسي  سيادي  يخرج  عن  ولاية  القضاء  ،  و ذلك  تأكيدا  لمبدأ  دستوري  راسخ  و  هو  مبدأ الفصل  بين السلطات  .

صحيح  أن  يد  القضاء  تغل ،  و  وولايته  تنحسر  بشأن  دواعي  الحفاظ  علي  الدولة و الذود  عن سيادتها  و  رعاية  مصالحها العليا  ، لكن  و  ان  صح هذا  الزعم  و  انطبق  علي  الحالة  المثارة  ،  و  هي  اصدار  رئيس  الجمهورية  قرارا   مخالفا  معوقا  لحكم  بات  نهائي  حاسم  مبرم  ابراما  كاملا  من  أعلي  هيئة  قضائية في  البلاد  ،  فالمحكمة  الدستورية العليا  أيضا  ،  و  حصرا  و  عدا  هي  التي  تكيف  طبيعة  التشريعات  و  اللوائح  و القرارات  الجمهورية  ،  ما  اذا  كانت  النصوص  تعد  من  "  الاعمال  السياسية  "  فتخرج  عن  ولايتها  أو  أنها  ليست  كذلك  فتبسط  عليها  رقابتها .

و  ختاما  ،  أذكر  بني  وطني  ، أن  الكتابات  الاجنبية المتخصصة  في  مجال  الدستور  بشكل  عام  و القضاء  الدستوري  بشكل  خاص ،  عدت  المحكمة  الدستورية  العليا  في  مصر  المنشأة  عام  1979  ،  و سابقتها  المحكمة العليا  المنشأة  عام  1969  ،  من  أهم  المحاكم  الدستورية  في  العالم  التي  حفظت  حقوق  الانسان الأساسية  ،  و ضمنت  حرياته  العامة  ،  فكانت  بحق   القيمة  علي  الدستور  .