(( النَّبِيُّ دَاعِيَةُ مَحَبَّةٍ وَائْتِلَافٍ))
فإِنَّ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أرْسَلَ نَبِيَّهُ لِيَهْدِيَ بِهِ الْخَلْقَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ الشَّرِيفِ كِتَابَهُ الْعَظِيمَ؛ هِدَايَةً وَنُورُا، وَرُوحًا مِنْ أَمْرِهِ يُحْيِى بِهِ اللهُ مَوَاتَ الْقُلُوبِ، وَيُنِيرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهِ الظُّلُمَاتِ لِأَصْحَابِ الْبَصَائِرِ وَالْبَصَرِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْخُذَ اللهُ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى جَنَّاتِ الْخُلْدِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ.
وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدًا دَاعِيَةَ ائْتِلَافٍ، لَا دَاعِيَةَ اخْتِلَافٍ.
وَجَعَلَهُ رَبُّهُ دَاعِيَةً إِلَى الْوَحْدَةِ وَالِاجْتِمَاعِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ دَاعِيًا إِلَى الْفُرْقَةِ وَالِاخْتْلَافِ.
وَآتَاهُ اللهُ مَا يَجْمَعُ اللهُ بِهِ شَمْلَ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَيُوَحِّدُ اللهُ بِهِ الْقُلُوبَ فِى وُجْهَتِهَا وَقَصْدِهَا، وَالْأَقْدَامَ فِى مَسِيرِهَا وَسَيْرِهَا، وَآتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابَ.
وَجَاءَ النَّبِيُّ بِالْوَحْيِ الْمَعْصُومِ لَا يَأْتِيهِ الزَّيْغُ وَلَا الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَكَشَفَ الْغُمَّةَ، وَجَعَلَهَا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ.
جَاءَ النَّبِيُّ بِالْوَحْيَيْنِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَهْمَا تَأَمَّلْتَ فِيهِمَا وَجَدْتَ دَاعِيَ
وَبَيَّنَ لَنَا رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَنَّ التَّنَازُعَ يُؤَدِّى إِلَى الْفَشَلِ، وَأَنَّ الْفَشَلَ يُؤَدِّى إِلَى الدَّمَارِ وَذَهَابِ الْقُوَّةِ، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
وَالْأَخْذُ بِعَدَمِ التَّنَازُعِ شَدِيدٌ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ رُبَّمَا حَضَّ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا دَعَتِ الْغَرِيزَةُ إِلَيْهِ؛ فَعَقَّبَ اللهُ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ: {وَاصْبِرُوا}، فَبَيَّنَ لَنَا رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ التَّنَازُعِ حَتَّى لَا يَتَوَرَّطَ فِى الْفَشَلِ إِلَّا إِذَا حَالَفَهُ تَوْفِيقُ اللهِ بِالصَّبْرِ.
الرَّسُولُ كَانَ حَرِيصًا غَايَةَ الْحِرْصِ عَلَى جَمْعِ الشَّمْلِ، وَنَبْذِ الْفُرْقَةِ، وَتَرْسِيخِ الِائْتِلَافِ، وَنَبْذِ الْخِلَافِ، حَتَّى فِى الشَّكْلِ الظَّاهِرِ.