بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

نجوم فضلوا الانسحاب مع الشرطة!

»‬قد أختلف معك في الرأي‮.. ‬لكني علي استعداد أن أدفع رأسي ثمناً‮ ‬في الدفاع عن رأيك‮«‬،‮ ‬جاءت هذه العبارة علي لسان الأديب الفرنسي‮ »‬ڤولتير‮«‬،‮ ‬رائد عصر التنوير،‮ ‬ولا خلاف أن الرجل كان يقصد التشجيع علي التمسك بالرأي والدفاع عن القناعات مهما كان الثمن ومهما كانت الخسائر‮.‬

في ميدان التحرير وقف وهتف عدد كبير من نجوم الفن ومنهم‮: ‬جيهان فاضل وخالد يوسف وعبدالعزيز مخيون والمخرج الكبير محمد خان‮.. ‬واحترم الجميع رغبتهم وإرادتهم في الهجوم علي نظام مبارك الذي تآمر علي البسطاء وأغلق كل الأبواب والشبابيك في وجوههم،‮ ‬وفي هذا الوقت اختفي نجوم كبار‮.. ‬نجوم من العيار الثقيل‮.. ‬نجوم لهم وجهة نظر ولهم رؤي سياسية وثقافية وفي مقدمتهم نور الشريف ومحمود عبدالعزيز وحسين فهمي‮.‬

المعروف أن الفنان نور الشريف واحد من الذين ينتمون إلي خانة الفنان المثقف وله أعمال رائعة ومنها‮ »‬ضربة شمس‮« ‬للمخرج محمد خان و»الكرنك‮« ‬إخراج علي بدرخان وهو من أكثر الأفلام نضجاً‮ ‬ووعياً،‮ ‬حيث يدين موضوع الفيلم معسكرات التعذيب ويفضح زوار الفجر في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر،‮ ‬وأتصور شأن كثير من الناس أن عصر مبارك كان شديد الشبه بهذه المرحلة،‮ ‬فقد تم قمع الحريات ومارس أمن الدولة خطته في القضاء علي الأحلام وإفساد الحياة‮.‬

وأمر طبيعي أن يشعر الفنان نور الشريف بهذه الأشياء،‮ ‬فقد عاش عصر مبارك معنا بالكامل وذاق من ويلاته ويكفي القضية التي حاول النظام تشويه سمعته بها‮.. ‬وانتصر الرجل علي خصومه وواصل الحياة لكنه فضل الاختفاء والابتعاد‮.. ‬وعندما خرجت ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير من رحم الإرادة الشعبية توقع الجميع أن يخرج نور الشريف عن صمته ويبوح بأسرار مكتوبة في‮ ‬غرف صدره وعقله‮.. ‬لكن مازال الرجل يرفع راية‮ »‬الباب اللي يجيلك منه الريح‮.. ‬سده واستريح‮«.‬

لا أعرف منطق الرجل في عدم الكلام ولا أعرف هل هو سعيد بما حدث أم مصدوم مثل كثيرين كانوا يعتقدون أن النظام سوف يشيع شعباً‮ ‬بأكمله إلي مثواه الأخير دون أن يهتز له جفن‮.‬

ولا يختلف موقف الفنان حسين فهمي عن نور الشريف فهو يلتزم الصمت ويرفض التعليق رغم أنه كان حريصاً‮ ‬طوال حياته علي

انتقاد النظام والهجوم علي الاحتكار‮.. ‬وقد بدأ حياته السياسية كعضو في اللجنة التأسيسية للحزب الوطني وكان يتمني أن يمارس العمل السياسي،‮ ‬خاصة أنه من عائلة تتنفس سياسة ولكنه عندما اكتشف أن مبادئه لن تتفق مع ممارسات الحزب الوطني‮.. ‬فضل الابتعاد والانشغال بالفن‮.. ‬وقد طالب حسين فهمي في حوارات عديدة بأن يتحمل الشباب المسئولية‮.. ‬ونادي بالحرية وتداول السلطة وعندما جاءت‮ »‬ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮« ‬توقع الجميع أن يتضامن حسين فهمي ويرفع لافتة مكتوباً‮ ‬عليها يسقط النظام الذي قمع الحريات وأهدر دماء البسطاء،‮ ‬لكن‮ ‬غاب صوت وصورة حسين فهمي،‮ ‬وبحثنا عنه كثيراً‮ ‬ولم نجد إجابة وكأنه انسحب مع الشرطة في ظروف‮ ‬غامضة‮.‬

وينضم إلي قائمة الغائبين عن الأحداث الفنان محمود عبدالعزيز الذي أثبتت الأيام أنه ثائر فقط علي الشاشة وخامل وهامد في الواقع‮.. ‬فهو يخاف من الإعلان عن آرائه ويتعمد الاختفاء خلف ابتسامة بلا معني إذا سألته عن وجهة نظره في قضية سياسية أو طلبت منه الشهادة علي واقع مرير يعيشه الناس‮.. ‬أين محمود عبدالعزيز الذي جسد رائعة رأفت الهجان وإعدام ميت وفيلمه الشهير حتي آخر العمر‮.‬

أتصور أن الفنان والمبدع الحقيقي هو الذي يتوحد مع ذاته ويتسق اتساقاً‮ ‬كاملاً‮ ‬بين ما يصدره للناس وبين قناعاته‮.. ‬لسنا ضد أن يلتزم الإنسان الصمت ويحتفظ بموقفه بينه وبين ذاته،‮ ‬ولكنه ضد أن يثور الإنسان في فضاء بلا هواء‮.. ‬وينسحب وقت الأزمات والثورات الحقيقية‮.‬