بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

الدستورية العليا والمذبحة و قبيلة الإخوان

فقدت  جماعة "الإخوان المسلمين" صوابها ورشادها , مع أن لديها الدكتور محمد بديع  مرشداً عاماً يتهئ لإعتلاء"عرش الخلافة" على المسلمين فى العالم , أو هكذا دارت الأوهام برأسه ومريديه من جماعته التى يبايعه أعضائها على السمع والطاعة , بعد أن أسكرتهم خمر السلطة التى يحلمون بالتكويش عليها فى "مصر", أملاً فى أن تصبح عاصمة الخلافة الموهومة ,

يصير فيها المرشد سلطاناً للمسلمين وكاهناً أعظم , ويتحلق حوله الكهنة الاصغر من رجاله ومريديه المبايعين على السمع والطاعة , مع أن الإسلام لايعرف النظام  الكهنوتى..  ولأن الجماعة ترفع شعار ميكافيللى " الغاية تبرر الوسيلة ".. فإنه ليس لدى الجماعة مانع من عمل أى شئ حتى ولو كان هدما للمحكمة الدستورية العليا , مادام يحقق غايات الجماعة , والدليل هو  هذا المشروع بقانون الذى جرت مناقشته بلجنة الإقتراحات  والشكاوى مؤخراً, وهو يقضى , بأن تكون أحكام المحكمة إذا مست البرلمان أو المجالس المحلية , مجرد آراء إستشارية , ينظرها مجلس الشعب , فإذا وافق عليها , سمح بتنفيذها ,وإذا رفضها نوابه بالأغلبية , فإنه يتم تنفيذها , وطبعاً المجلس هنا , كمَن "على رأسه بطحة"يتحسسها , فهو نظراً للقلق الذى يساور الإخوان من ضياع السلطة التشريعية من إياديهم , سارعوا بإستباق الحكم , لإلغاء دور المحكمة من الإساس , وهدم المحكمة الدستورية العليا على رؤوس قضاتها , فهذا المشروع يُعد بمثابة مذبحة للقضاة , وعدواناً صارخاً غاشماً  على السلطة القضائية , وإنتهاكاً لمبدأ الفصل بين السلطات  , ويؤدى لتحويل أعضائ محكمتنا العليا  إلى  مجرد "مستشارين" لهذا المجلس النيابى  الذى  لم ترى مصر أسوأ منه فى عصور الظلام , وربما تحت الإحتلال الإنجليزى , ومن المثير والغريب أن "الحكومة" أعلنت أمام لجنة الإقتراحات والشكاوى عن رفضها للقانون , وكشفت مساوئه, مع أن منطق الأمور يقول بأن الحكومة هى التى ترغب فى التخلص من مثل هذا الكيان القضائى الشامخ , الذى تتيه به مصر فخراً وخيلاءً على منطقة الشرق الأوسط , إذ تتمتع محكمتنا الدستورية العليا بسمعة عالمية طيبة , فقد نجحت المحكمة منذ نشأتها عام 1979, فى أن ترسى الكثير من المبادئ الدستورية ,التى تعزز الحريات والحقوق وتصونها , وكثيراً ما أصدرت المحكمة أحكاما بعدم دستورية قوانين كان النظام السابق يتبناها , ويدافع عنها , لكنه كان يرضخ لما تقضى به هذه المحكمة , بل انها قضت مرتين متتاليتين بعدم دستورية قانون مجلس الشعب عامى 1987 , و1990 , ولم يتخلف الرئيس المخلوع مبارك عن تنفيذ أحكامها , وفى كل مرة كان يصدر وبدون تباطؤ قراراً بحل مجلس الشعب إمتثالاً  منه لأحكامها , رغم أن هذه الأحكام كانت مثاراً لغضبه , فلم تكن على هواه , ولا على  هوى حزبه ورجاله  , ولم تجرؤ الحكومة وقتها , ولا تجرأ عضو بالحزب الوطنى المنحل , من النواب بالبرلمان على تقديم مشروع قانون يمس المحكمة ببنت شفة , ولا حتى صدرت أى تعليقات إستنكارية على الاحكام ولو تلميحاً , وكان أقصى مافعله مبارك الذى تنزل عليه اللعنات كل صباح ومساء , أنه كان يتجنب ويتحاشى لقاء المرحوم المستشار عوض المر الرئيس الأسبق للمحكمة , أو أستقباله , إلا للضرورة القصوى ,  ولم يفعل مبارك أكثر من ذلك , وهذا مما يمكن أن نسميه فعلا ً سلبيا .. أما "الجماعة" التى تصدع  رؤوسنا بأنها "تحمل الخير لمصر" , فهاهى تعيدنا للوراء 43 عاما , بأن دبرت هذه المذبحة للقضاء على غرار"مذبحة القضاة" التى جرت بقرارات جمهورية صدرت يوم 13 أغسطس  عام 1969 , وشردت نحو 200 قاض , حيث تم عزلهم تجاوزا للحصانة القضائية ,ونقل بعضهم إلى وظائف غير قضائية , وإن كان الرئيس الراحل السادات حين تولى رئاسة البلاد عام 1970 , قد حاول علاج آثار هذه المذبحة , بإعادة القضاة الذين لم يتجاوزوا سن المعاش إلى مواقعهم أعمالهم ومناصبهم القضائية , كما أصدر عفوا عمن طاله التأديب منهم , ومن اللافت أن الفترة

التى سبقت المذبحة الأولى شهدت  تطاولاً على أحكام القضاء فى الصحف وعلى القضاة الذين يصدرون أحكاماً ليست على هوى رجال الحكم آنذاك , والراغبين فى إحكام قبضتهم على السلطات جميعا .. تماما مثل هذه الإجواء التى نعيشها , فقد تحول البرلمان إلى منصة للتطاول على السلطة القضائية والنيل منها وتشويها , لتصفية حسابات شخصية لقادة الإخوان أو رجال المرشد , بشكل سافروتغلب عليه شهوة الإنتقام الأعمى , إذ يجرى إستغلال أدواته وصلاحياته التشريعية , على أسوأ ما يكون , إما بهذه الطريقة لتسوية الحسابات لصالح الجماعة ورجالها  , على غرار قانون عزل عمر سليمان واحمد شفيق ,وهذا القانون لإلغاء دور المحكمة الدستورية , ومثل "قانون مرسى" الذى جرى تفصيله و أقره البرلمان يوم الأثنين( 7 مايو) برفع عقوبة الحبس عن المخالفين لقواعد الدعاية الإنتخابية ,إكتفاءاً بالغرامة المالية , لصالح  الدكتور محمد مرسى المحال للنيابة العامة بهذه التهمة , وكى يكون الباب مفتوحاً أيضا لإستغلال دور العبادة والدعاية الدينية فى الإنتخابات الرئاسية , دون خشية من عقوبة الحبس , وهذا فضلاً عما هو فى الأدراج من مشروعات لقوانين ودستور , تعود بهم مصر إلى الحكم القبلى , تحت حكم "قبيلة"أو  "جماعة"  الإخوان .
إن القاصى والدانى يدرك أن الجماعة لديها مشكلة مع  الشرطة والقضاء عموما .. الشرطة  كانت تتجاوز فى حق الشعب كله , وقد عاقبها أثناء الثورة , ولكن ينبغى ان يساعدها الجميع لتنهض حتى لاتفع البلاد تحت السيطرة الأمنية لميليشات الإخوان , وأما القضاء فمن المعلوم أن الإخوان فضلا  عن مقتهم الشديد له لكونه أصدر حكم "تحرير" الجمعية التأسيسية من أسرهم , كما أنهم غاضبين أشد الغضب من المحكمة الدستورية العليا , وقضاتها , لكون المحكمة تنظر قضية عدم دستورية مجلسى الشعب والشورى , والتى قد يصدُر الحكم فيها خلال أسابيع قليلة , مما يؤدى إلى حل مجلس الشعب لو جاء الحكم كاشفاً عدم دستورية قانونه , وهو ما يعنى بدوره  خسارة شديدة للإخوان , الذين ما عادوا يحظون بثقة رجل الشارع  , كما أنهم تتملكهم شهوة الإنتقام من قضاة المحكمة لإستبعادهم المهندس خيرت الشاطر الرجل القوى فى الجماعة والتنظيم , من السباق الرئاسى  ..ولكن أما وقد وصلت الجماعة بسيف الإنتقام إلى عتبات المحكمة الدستورية العليا .. هنا نرفع الكارت الأحمر فى وجه الجماعة , ونقول لهم .. رفعت الأقلام  وجفت الصحف ,فما تفعلونه وبتعبير المستشارة تهانى الجبالى   عضو هيئة المحكمة الدستورية العليا , إنما "يضرب دولة  سيادة القانون", تشيداً لدولة إستبداد جديدة , قد يكون إستبداداً دينىاً , أى أسوأ أنواع الإستبداد , وهو مالا يجب ولا يكون بعد قيام الثورة.
[email protected]