بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

مصر: دولة القانون ودولة الطبلة

حسن شبكشي
حسن شبكشي

إذا كان أحد أهم أهداف قيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر هو تكريس دولة القانون، والحكم بأسسه وقواعده، فبالتالي يجب احترام القرارات الصادرة من قبل لجنة الانتخابات العليا، مهما كانت غرابة هذه القرارات، ومهما بدت منحازة لصالح طرف أو تيار على حساب الآخرين.

ولذلك يبدو الصراخ والعويل والنحيب الصادر من قبل أنصار المرشح الرئاسي حازم أبو إسماعيل، المحسوب على التيار السلفي، مسألة غريبة فيها من السذاجة السياسية الشيء الكثير جدا، في واقع الأمر، مما يعجل بالقضاء على الرجل سياسيا، خاصة أن أنصاره يرفعون شعارات مثل «حي على الجهاد» و«ثورة حتى النصر أو الموت»، مصورين أن إقصاء حازم أبو إسماعيل من السباق الرئاسي بسبب جنسية والدته الأميركية مؤامرة، رغم أن هذه المسألة فيها مخالفة صريحة للنظام الانتخابي المعروف، ومع ذلك يستمر العويل والصريخ والاحتجاج والتهديد، وهي مسألة تفضح «هشاشة» البرنامج السياسي وأسلوب إدارته لحازم أبو إسماعيل وجماعته.
وما ينطبق على حازم أبو إسماعيل ينطبق بشكل ما أيضا على خيرت الشاطر، وهو مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فهو كان يعلم تماما بوجود تحفظ على سجله السابق المتعلق بوجود أحكام قضائية على الرجل (كما هو الحال مع أيمن نور ومرتضى منصور اللذين تم استبعادهما أيضا)، وحاول أن يقول لأنصاره إن ما حدث هو مؤامرة ضده، وإن البلاد لا تزال تدار مثلما كانت أيام رئاسة الرئيس السابق محمد حسني مبارك، لكنه سرعان ما غير من طرحه وحدته، وقال إنه ينصح أنصاره بدعم مرشح الحزب ورئيسه محمد مرسي، وإنه يقبل نتيجة اللجنة الانتخابية ويحترم ما وصلت إليه.
ولعل «أبرز» انتقاد مهم تعرض له حازم أبو إسماعيل وجماعته هو «إصرارهم» على الخروج على ولي الأمر، المتمثل في المجلس العسكري الأعلى الحاكم اليوم لمصر، والاحتجاج على قراراته وتخوينه، والاعتقاد أنه متآمر على أبو إسماعيل شخصيا، على الرغم من أن الإقصاء عن الانتخابات طال مرشحين مهمين من كل التيارات والخلفيات بشكل فيه «عدالة» وسوية.
هناك وجاهة في الحجج التي قدمتها اللجنة الانتخابية العليا في مصر وأوضحت أسبابها بشكل مفصل وقانوني، ولذلك تبدو المواقف المشككة في قرار اللجنة هزيلة ومضحكة بشكل كبير، والموقف النهائي للمرشحين لم يحسم بعد، فهناك محاولة لاستبعاد مرشحي العهد الماضي المحسوبين على فترة حسني مبارك.
وطبعا هذا تلميح صريح لإقصاء أحمد شفيق آخر رؤساء وزراء عهد

حسني مبارك، وكذلك عمرو موسى الذي خدم وزيرا للخارجية في عهد مبارك أيضا، وهو نظام تمت إجازته والتصويت عليه في مجلس الشعب ورفع إلى رئيس المجلس العسكري الأعلى المشير محمد حسين طنطاوي لاعتماده، وللآن لم يتم ذلك، وهي مسألة مهمة لو تم اعتماد النظام أو لم يتم، لأنها ستعطي مؤشرا مهما على اتجاه السياسة في مصر خلال الفترة المقبلة.
أي اتجاه لتعظيم دور المؤسسات القضائية المستقلة في مصر مسألة تستحق التشجيع والتقدير والاهتمام، لأنها ضد تأليه الحاكم وتعظيمه وتقديسه بشكل مجنون وغير مقبول. اللجنة الانتخابية هذه وقراراتها الحاسمة كانت جزءا من الاستفتاء الذي أقره وشجعه بقوة التيار الإسلامي بعد قيام الثورة المصرية الأخيرة، وها هو هذا التيار يتعرض اليوم لنتائجها بشكل مباشر، وعليه فمن الطبيعي أن يكون قبوله للقرارات بشكل مطلق وليس فقط إذا أتت هذه القرارات بشكل يتماشى مع مصالح التيار ويتفق مع طموحاته السياسية.
مصر الآن ستدخل المرحلة الأخيرة من خياراتها السياسية، وهي اختيار رئيس الجمهورية، مع الانتظار الدقيق والطويل لشكل الدستور القادم للبلاد والذي سيوضح شكل الحياة السياسية نفسها وأي نوع من الصلاحيات سيكون لدى البرلمان ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية حتى تتضح الصورة كاملة، لكن الأهم والأخطر أن تكون هناك مكانة ومقام لا يتغير لسلطة القانون الذي يليق بأقدم دولة لها حياة برلمانية وإعلام حر وأحزاب سياسية عريقة، لأن التضحية باحترام القانون واستقلاليته ستولد انهيارا للدولة التي هي أهم من الرئيس والحزب اللذين قامت ضدهما الثورة. دولة القانون هي عماد المستقبل السياسي في مصر وغيرها.
نقلا عن صحيفة الحياة