بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

"مصر" تبكي.. وزوجها مشغول بـ"إليسا"!

شريف عبدالغني
شريف عبدالغني

حينما تتعرض أرملة في مصر لأي ظروف صعبة أكبر من قدراتها، فإنها لا تجد ما تعبر به عن حالتها سوى عبارة: «يا قلة الرجالة». إنها ترثي حالها لغياب الزوج/الرجل الذي كان يتحمل هذا العبء عنها.

العبارة نفسها تطلقها الزوجة التي أوقعها حظها العاثر في زوج «خائب الرجا» وجوده مثل عدمه، لا يقوم بدوره في حماية الأسرة والأولاد، ويتركهم في مهب الريح. إذا جدت مشكلة تتطلب تدخل «الخائب» يكون هو «ولا على باله»، جالسا على المقهى مع أصحابه ممن هم على شاكلته يغيرون أحجرة «الشيشة» ويثرثرون في موضوعات على شاكلة «هيفاء» أم «إليسا» أولا؟ بينما يترك «أم العيال» بطولها في أزمتها، فلا تجد المسكينة ما تنفس به عن همها إلا مأثورة «يا قلة الرجالة».
«مصر» هي هذه المرأة. تتشح بالسواد.. تصحو كل يوم على فقدان أعز ما فيها.. شبابها الذين خلصوها من زوج نكدي كانت أيامها معه طوال 30 سنة أمرّ من المرار. لكن حالها من بعده لم يتغير. فأولي الأمر يخرجون بها من مصيبة ليوقعوها في كارثة، ويلتقون داخل غرف الاجتماعات مع القوى والشخصيات السياسية باستثناء الدكتور محمد البرادعي الذي اتفقوا على إبعاده لأنه جاء بعقلية مختلفة ترفض عقد الصفقات وتقسيم الأدوار. يتركون مصر تعاني ويظلون يثرثرون في نقاشات جدلية حول «الفترة الانتقالية» أم «الانتخابات» أم «إليسا» أولا!
مصر تصرخ كل لحظة مما يحدث لها وفيها: «يا قلة الرجالة».
قطع الطرق.. ترويع الآمنين.. خطف الأطفال.. السطو على البنوك.. اصطياد عيون وقطف أعمار شباب لا يريدون من الدنيا سوى العيش بكرامة.
كيف تواجه كل هذا الكم من الفوضى المنظمة طوال عام كامل؟ أين الزوج صاحب الأمر والنهي ليقوم بدوره ويكشف عمن يقف وراء ما يحدث؟ أم أنه هو نفسه من يدبر ويخطط ويحرض على كل شيء، حتى تمسك الزوجة في جلبابه وتطالبه بالبقاء ليحميها من المجهول، اعتمادا على «ضل راجل ولا ضل حيطة»!
في الذكرى الأولى لتحذير مبارك لشعبه: «أنا.. أو الفوضى» وقعت «مجزرة بورسعيد».. 130 زهرة من أغلى وأنبل ما في مصر أزهقت أرواحهم البريئة في دقائق. كان المشهد في كل لقطة منه يحمل نحيب الأم الكبرى على كل هؤلاء الضحايا: «يا قلة الرجالة فيكي يا مصر».
أحد الضباط المكلفين بحماية ملعب الموت وقف يتفرج على المذبحة، قال لأحد المستغيثين: «أعملكوا إيه.. مش إنتوا عاوزين حرية.. إشربوا بقى».
«يا قلة الرجالة فيكي يامصر»..
مدير الأمن الذي كان مثل الأطرش في الزفة، نفى أدنى مسؤولية له عن الأحداث، وقال في التلفزيون: «خرجنا بأقل الخسائر»!!
«يا قلة الرجالة فيكي يا مصر»..
مصطفى بكري الصحافي والنائب البرلماني، أحد «الخلايا النائمة للنظام» أيام مبارك، كانوا يستدعونه للدفاع عن الرئيس المخلوع باعتبار أن شهادته عند العامة غير مجروحة، نظرا لرداء المعارض الذي فصّلوه عليه. بعد رحيل مبارك أصبح فورا أحد الخلايا المستيقظة للمجلس العسكري، لم يجد ما يقوله في مجلس الشعب بعد الكارثة سوى شماعته الأبدية: «مؤامرة أميركية وإسرائيلية لتقويض استقرار مصر». يريد أن يظهر مجلسه المفضل في صورة المقاوم لأميركا وإسرائيل ليكسبه شعبية عند الناس. تجاهل كل الشواهد التي تؤكد أن هناك تواطؤا فاضحا من الشرطة ضد شباب «ألتراس أهلاوي» عقابا على مشاركتهم الفاعلة في الثورة ورفضهم حكم العسكر بعدها. لم يكتف سيادة النائب بذلك، بل طالب مجلس الشعب بـ «تجريم التظاهر».
«يا قلة الرجالة فيكي يا مصر».
عمرو موسى، أحد كبار فلول نظام مبارك، صرح خلال وجود «المخلوع» في السلطة بأنه سيعطيه صوته في الانتخابات المقبلة، ثم غيّر جلده وركب موجة الثورة، وهو حاليا ينام ويصحو ويحلم أن يجد نفسه رئيسا؛ لذلك استغل المذبحة الأخيرة وحاول الظهور في الكادر كنوع من الدعاية.
«يا قلة الرجالة فيكي يا مصر».
رئيس النادي الأهلي حسن حمدي، رفض السماح لأهالي الضحايا وأصدقائهم بالتظاهر داخل النادي تنديدا بنحر أولادهم، وقال إن النادي لن يتحول إلى مكان لممارسة السياسة. كما حذر اللاعبين الغاضبين من المذبحة بألا يشاركوا في

أي مظاهرات أو «ينجروا» إلى العمل السياسي، ورفض تحميل الشرطة أو العسكر أي مسؤولية.
برر الرجل رفضه المظاهرات بأن الأهلي طوال عمره نادي المبادئ والوطنية.. فهل الهتاف ضد المتسببين في قتل أغلى ما يملكه النادي «جماهيره» ضد الوطنية؟
هل النادي الذي رأَسه «شرفيا» الزعيم سعد زغلول، وكان فاعلا في ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي، جاء عليه اليوم الذي يرفض التظاهر ضد «الاحتلال الداخلي» الذي يزهق الأرواح؟
هل مشاركة جماهير «الألتراس» ومعظمهم من أبناء طبقات اجتماعية محترمة، ويدرسون في أحسن الجامعات، وأدخلوا أساليب جديدة راقية في تشجيع الفريق.. هل مشاركتهم في الثورة ضد مبارك ورفضهم القمع الذي يمارسه المجلس العسكري أصبحت «سُبّة» حسبما يعتقد حمدي؟
هل لم يسمع رئيس النادي عن الطفل أنس (14 سنة) الذي راح في المذبحة وأبكى مصر كلها عليه؟ هل لم يعرف حكاية الشاب السكندري «محمود» يتيم الأبوين الذي انضم لـ «الألتراس» ليشعر بالدفء الأسري الذي يفتقده؟
حسن حمدي يجلس على كرسي «صالح سليم» الرجل بحق وحقيق صاحب المواقف المشهودة في الدفاع عن النادي العريق. الرجل الذي كان مبارك يكرهه كره العمى. كان المخلوع يقفز على المباريات الإفريقية النهائية للأهلي ليبدو للجماهير أنه صاحب الانتصار، فيفاجأ بصالح سليم شامخا في كبرياء على عكس ما اعتاده مبارك من نفاق وموالسة وخضوع وخنوع. بل في أحيان كثيرة كان «صالح» ينيب حسن حمدي نفسه لحضور مناسبات لكبار القوم بدلا منه.
صالح سليم دخل التاريخ بثقافة «الاستغناء»، بينما حسن حمدي يحسب الحسابات حرصا على مصلحته الشخصية واستمرار بقائه في مؤسسة الأهرام مديرا عاما للإعلانات.. الدجاجة التي تبيض ذهبا. ونسي أنه -بجلوسه على مقعد رئاسة الأهلي- زعيم الأغلبية الحقيقي في مصر.
«يا قلة الرجالة فيكي يا مصر».
رئيس الوزراء كمال الجنزوري، وقف يعلن كالعادة عن التعويضات بنفس الأسلوب مع شهداء الثورة، كأن الضحايا دجاج مات في الطريق تحت عجلات سيارة مسرعة، والمهم كام ألف جنيه يحصل عليها أصحابها لغلق أفواههم. لم يحدد مرة واحدة إجراءات حاسمة للقصاص من القتلة أيا كانوا وأيا كان موقعهم، لترتاح أرواح الشهداء وتهدأ أسرهم.
«يا قلة الرجالة فيكي يا مصر».
أكبر رأس في الدولة وقف بعد الفاجعة ليقول إن مثل هذه الحادثة تقع في دول العالم، ثم أضاف: «مش عاوزين الشعب يسكت ويسيب الناس دي تعمل كده، أنا بسأل الشعب ساكت عليهم ليه؟». إذن يطلب منا أن لا نسكت، لكنه لم يحدد الجهة أو الناس التي يجب أن نحاسبهم. ترك كل مواطن لاجتهاده، بينما إعلامه ومن يسيرون في خلفه يضعون كل مسؤولية الكوارث والمصائب في رقبة الثوار.
«يا مصيبتك.. يا مصر»!!
نقلا عن صحيفة العرب القطرية