بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

أحلام أطفال السرطان مشروعة.. من الدمية إلى التليفون المحمول

السعادة ارتسمت علي
السعادة ارتسمت علي وجه الطفلة «غنية» عندما أمسكت بالدمية

10 آلاف طفل مصابون بمرض السرطان سنوياً.. في معاناة مستمرة مع قاتل لعين حول حياتهم وحياة أسرهم إلي كابوس.

ورغم آلام المرض المبرحة وتداعياته الكارثية تبقي لهؤلاء الأطفال أحلامهم المشروعة بعيداً عن محاولات العلاج والأمل في الشفاء.

هذه الأحلام باتت واقعاً علي أبواب مبادرة «الحلم» لتحقيق أحلام أطفال مرض السرطان التي تحاول رسم الابتسامة علي شفاه أطفال صغار ساقهم القدر إلي ذلك القاتل الشرس.

أحلام الأطفال لا تتحقق إلا بما هو جديد.... بتلك الكلمات بدأ محمد القوصى مؤسس صفحة My dream we make dreams come true والتى تحقق الأحلام البسيطة للأطفال مرضى السرطان... مثل بابا نويل الذي يطوف علي المنازل في الأعياد ليقدم للأطفال الهدايا والمفاجآت‏,‏ يصعد محمد القوصي درج مستشفي معهد الأورام الجامعي‏، لا يرتدي البدلة الحمراء ولا قناع الرجل ذي اللحية البيضاء ولا يحمل صندوق الهدايا‏..‏ فقط بابتسامته الودودة يطرق أبواب غرف الأطفال القابعين في أسرتهم يواجهون ببراءتهم مرضاً قاسيا‏ً، يطلب منهم ببساطة أن يخبروه بأحلامهم‏.. وعندما يذهب يعتقدون انه لن يعود‏،‏ وما هي إلا أيام قليلة حتي يجدوه أمام نفس الباب حاملاً معه‏..‏ الحلم‏!‏

عشر سنوات مرت حقق خلالها «القوصي» مئات الأحلام البسيطة لأطفال كانوا قد اعتقدوا ان الحياة قد خلت إلا من سرير المستشفي والألم وغرف العمليات، فعاشوا أياماً من السعادة نسوا خلالها مرضهم ولو مؤقتاً.. يحكي لنا عن حكايات الأطفال وأحلامهم، عن تجربته في العمل التطوعي، وعن أحلامه القادمة لأطفال مصر... بصراحة شديدة، قال «القوصي»: الفكرة ليست فكرتي لكنها معروفة عالمياً، وفي أمريكا مؤسسة كبيرة تعمل علي تحقيق الأحلام وعندما استهوتني الفكرة قررت تطبيقها وخاطبت تلك المؤسسة العالمية، وتبين ليّ انها تتبني الفكرة في أكثر من دولة وليس في أمريكا فقط، واكتشفت ان مصر ليست علي خارطة مشاريعهم القريبة.

والفكرة ببساطة تعتمد علي انني اختار طفلاً مريضاً بالسرطان فأطرق باب غرفته في المستشفي وأحكي له قصة علاء الدين والمصباح السحري ثم أقول له تخيل لو ظهر لك المارد الذي يحقق الأحلام فبماذا ستأمره؟ بعد ذلك أعمل علي تحقيق حلمه وأعود إليه به في أقرب وقت!

ويقول «القوصى»: في البداية حاول البعض إحباطي وتذكيري بأنني سأحتاج إلي مبالغ طائلة ولن أستطيع تنفيذ الفكرة، والبعض الآخر كان يقول لماذا تنفق الوقت والجهد علي من سيموتون بدلا من إنفاقه علي من سيعيشون!! لكن إيماني بالفكرة ورغبتي في إضافة لحظات من السعادة لهؤلاء الأطفال الذين تقلصت حياتهم إلي جدران المستشفي جعلني أبدأ وأنا متفائل وواثق من نجاح الفكرة فتوجهت بها إلي أكبر مستشفي خاص لعلاج أطفال مرضي السرطان وإلي معهد الأورام التابع لجامعة القاهرة... المفاجأة كانت في تباطؤ المستشفي الخاص الذي يطلب اجراء عدة لقاءات واجتماعات انتهت بحفظ طلبي، أما معهد الأورام فاحتضن الفكرة وقدم لي كل التسهيلات لتنفيذها.

أحلام الأطفال... بسيطة

وأضاف «القوصى»: كنت قبل كل شيء أشرح للأطفال أن الشفاء ليس من ضمن الأحلام التي أستطيع تحقيقها لهم لأنه بيد الله، فيما عدا هذا كانت أحلامهم غاية في البساطة بل أبسط مما قد يتخيل إنسان، وذلك شيء متوقع جداً لأنهم جميعا أتوا من بيئات بسيطة وأحلامهم بسيطة وكنت قد أدركت ذلك مسبقاً من خلال عملي معهم في المشروعات السابقة... كانت الأحلام تبدأ من مجرد الحصول علي دمية تتكلم، وتنتهي بالحصول علي دراجة أو تليفون محمول أو كمبيوتر أو لقاء أحد المشاهير.

كما كان حلم أحد الأطفال هو رؤية البحر الذي لم يشاهده من قبل في حياته... فقمت بتأجير سيارة ميكروباص خاصة واختار أن يصطحب  والدته فقط وذهبنا به إلي الساحل الشمالي وهناك وجدنا بالمصادفة الفنان حسين فهمي الذي حرص علي التقاط الصور مع الطفل الذي عاد سعيداً في نهاية اليوم يحمل ذكريات تعينه علي مواجهة آلام المرض لفترة طويلة.

حتي الأحلام البسيطة لا يستطيع شخص واحد الاستمرار في تحقيقها طوال عشر سنوات... فكيف تمكن «القوصى» من القيام بذلك؟

منذ لحظة البداية لم يكن «القوصي» وحده، بل استغل كل معارفه وأصدقائه وعلاقاته العامة، كل واحد كان يقدم جهداً في تخصصه، مضيفاً: الجميع كان يرحب بالمساعدة حتي بعض رجال الأعمال الذين لم أكن أعرفهم شخصيا لكن بعضهم يملك مطاعم أو منتجعات سياحية أو حتي محلات ملابس ولعب أطفال، كنت في البداية عندما أحقق حلما لطفل لا أكتفي بإحضار طلبه لكنني أحرص علي اصطحابه لقضاء يوم خارج جدران المستشفي إذا كانت حالته الصحية تسمح بذلك، فآخذه ليتناول طعامه في أرقي مطاعم القاهرة، أو يقضي وقته في أحد الفنادق الكبري وكان كل ذلك مقدما من أصحاب تلك المنشآت بلا أي مقابل بل كان بعضهم هو من يقوم بالاتصال عارضاً تكرار ذلك في أي وقت مما جعلني لا أتعرض لمشكلة مادية واحدة طوال عشر سنوات، وهذا يثبت أن رجال الأعمال في مصر بخير ولا يطلبون أكثر من المصداقية والشفافية والوضوح حتي يبادروا بالتعاون الكامل.

ويواصل بعد انتشار مواقع الاتصال الاجتماعي أنشأت صفحة للمبادرة علي الفيسبوك مما أسهم في توسيع الدائرة وزيادة الأحلام المحققة، فكنت أذهب إلي المستشفي وأختار الطفل وأعرف حلمه ثم أنشر صورته مع حلمه علي الصفحة فيتباري حوالي عشرة آلاف متطوع- هم عدد أعضاء الصفحة الذين لا أعرف أغلبهم علي تحقيق الحلم أو المساهمة فيه، مما ساعدني علي تحقيق أحلام 200 طفل في العام الأخير وحده.

ويتابع «القوصي» تلك الاستجابات تدل علي خير كبير في المجتمع المصري، ويبدو أن الناس متعطشة للمشاركة في أي عمل خيري، هم ينقصهم فقط الأخذ بزمام المبادرة فأغلبهم يخشي البدء في عمل خيري لكن ما أن يجده ويشعر بمصداقيته لا يتردد لحظة في المشاركة بكل ما يملك من وقت أو جهد أو مال كل حسب امكاناته وطاقته، قبل كل ذلك يأتي الدعم الإلهي

وعن تحقيق أحلام الأطفال في شهر رمضان قال: في إحدي المرات كان حلم أحد الأطفال الحصول علي دراجة صفراء! وقررت أن أبدأ في البحث فوراً عن الدراجة لأنه كان سيغادر المستشفي عائدا إلي محافظته البعيدة، يومها اخترقت شوارع القاهرة في الواحدة ظهراً للبحث عن دراجة صفراء واستغربت انسياب المرور في ساعة الذروة، وما أن دخلت إلي محل بيع الدراجات حتي وجدت دراجة صفراء وحيدة كأنها تنتظر صاحب الحلم فحملتها سريعاً وعدت إلي المستشفي لأجد الطفل واقفا علي بابها يستعد للمغادرة، وطبعا لن أستطيع وصف السعادة التي استقبل بها دراجته الصفراء بعد أن ظن أنني ذهبت ولن أعود.

مساندة معهد الأورام

وداخل المعهد القومى للأورام وبالتحديد فى جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان... شاهدنا العديد من الأحلام البسيطة وهى عبارة عن دراجات وألعاب تنتظر أصحابها عندما يأتون لتلقى العلاج فى المعهد.... وتتلقى الجمعية كل أنواع المساعدات لتحقيق حلم الأطفال مع التواصل مع جهات معينة للتبرع وكل ما تتمناه الجمعية هو أن يتحقق أحلام جميع الأطفال المرضى... وأكد المسئولون بالجمعية ان معهد الأورام يحتاج الى مساعدات أهل الخير ويعاني نقصاً شديداً فى العلاج، مشيرين إلي أن هناك ما يقرب من ألف مريض يتردد يومياً على المعهد.

وأكد لنا الأطباء  أن هناك 5 أسباب مشتركة بين جميع دول العالم للإصابة بالسرطان وهى:

أولاً: التدخين بأنواعه «المدخن، التدخين السلبى، آثار التدخين فى المكان أو ما يطلق عليه اسم العيادة الثالثة للتدخين».

ثانياً:   الجانك فود والأكلات غير الصحية.

ثالثاً:   18% من نسبة الإصابة ترجع للعدوى، بسبب عدم النظافة الجيدة.

رابعاً:  الاعتماد على المعتقد الشعبى القائل «معدتنا تهضم الزلط» والذى يشجع الجميع على تناول الأطعمة دون التأكد من نظافتها ما يؤدى لاستهلاك قدرة الجهاز المناعى على مقاومة البكتيريا التى تدخل الجسم وبالتالى الإصابة بالسرطان.

خامساً: التلوث نتيجة المبيدات الزراعية أو المقاومة للحشرات.

التقينا بالطفلة «غنية» والبالغة من العمر سنتين والتي تعاني من ورم سرطانى على الكبد وتأتى من محافظة المنيا الى المعهد القومى للأورام لتلقى العلاج الكيماوى ومن المنتظر أن يتم اجراء عملية لها... كان حلمها أن تكون لديها مثل بقية الفتيات «دمية» تلهو بها وتنام بجوارها كل ليلة... «غنية» صارت بالفعل غنية بحب الناس فقد تسابق الكثيرون من أجل شراء «الدمية» لها وبعد أن كانت «غنية» صامتة لا تتجاوب مع أحد من المحيطين بها، فجأة تغير حالها عندما رأت «الدمية» وارتسمت السعادة على وجهها عندما رأت أن حلمها قد تحقق وبدأت تمسك «الدمية» بيدها الصغيرة وهى لا تكاد تصدق أنها أصبحت تملكها....تلك اللحظات القصيرة كانت كفيلة باسعاد «غنية».

«روان» فى رحلة علاجها من المرض اللعين التقينا، كانت تتمنى أن يكون لديها دراجة منذ فترة طويلة وتحقق حلمها وأصبح لديها دراجة وفستان جديد سوف ترتديه في العيد... «روان» عندما ركبت الدراجة لأول مرة لم تكن تريد أن تنزل من عليها. وكأنها تخشي أن تفارق يدها.

تبدو مثل الملاك الصغير بابتسامتها الصغيرة «ميرنا» تصارع المرض لكنها تتشبث بالحياة وتريد أن تستمتع بها مثل أى طفلة فى سنها....كان حلمها أن تقتنى دراجة وتحقق حلمها بفعل مساعدات أهل الخير وعرفت السعادة أخيراً طريقاً الى قلبها.... كما فرحت «ميرنا» بفستانها الجديد الذى سوف ترتديه فى العيد.

أما الطفلة «قمر» فتبلغ من العمر  ٨ سنوات وهى تبدو بالفعل مثل القمر عندما يظهر فى السماء ليضىء كل شىء حوله، فابتسامتها المشرقة تضىء وجهها كله وتخفى وراءها كل أشكال الألم الذى داهمها في بداية العمر.

«قمر» تأتي من محافظة الفيوم، حيث تعمل أسرتها فى الزراعة... وتعانى «قمر» من ورم في المخ، وقد تم اجراء عمليتين لها و تخضع حالياً للعلاج الكيماوى.... كان حلم «قمر» أن يكون لديها عروسة كبيرة تغني...وهى مازالت تنتظر أن يتحقق حلمها فى الأيام القادمة وأن تجد بين يديها «العروسة» التى تحلم بها.