بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

عودة العبيد

عفوا‮..‬أنتم الآن علي موعد مع‮ ‬كارثة‮..‬ لم‮ ‬يعد أمام المصريين باب أمل واحد للهروب من نار نظام مستبد وحكومة تحترف التجويع،‮ ‬سوي قتل النفس بنار الانتحار‮..‬

أو قتلها ببيعها لمواطنين أكثر‮ ‬غني ونفوذا،‮ ‬والتنازل‮ - ‬طوعا‮- ‬عن حريتهم‮ ‬،‮ ‬والعودة بمصر إلي زمن العبيد‮..‬

ليس في الأمر مبالغة علي الإطلاق‮.. ‬كما أننا لانتحدث عن عدد قليل ممن تسميهم حكومتنا‮ "‬المختلين عقليا‮".. ‬نحن نتحدث عن عائلات مصرية كاملة تعيش علي أرض هذا الوطن اضطرتها ظروفها القاسية،‮ ‬وحاجتها إلي من‮ ‬يرعاها،‮ ‬ولو بسلبها أعز ماتملك في هذه الحياة،‮ ‬أن تقع بإرادتها في أغلال العبودية دون تردد‮..‬

‮"‬الوفد الأسبوعي‮" ‬اقتحمت للمرة الأولي مستوطنات العبيد الجديدة التي عادت للظهور في قري مصر خاصة في محافظات الصعيد بدءا من مزغونة شمالا حتي قري مركز دراو بأسوان جنوبا‮.. ‬مرورا بمراكز البداري وصدفا وأبنوب وديروط وساحل سليم في أسيوط والبلينا وطما وجرجا ودار السلام في سوهاج‮..‬

أسر مصرية‮ ‬كاملة كانت تعيش في تلك القري علي خدمة بعض العائلات الكبيرة بعد إلغاء العبودية في مصر منذ القرن قبل الماضي،‮ ‬عادت بعد كل هذه السنوات،‮ ‬لتقرر بما‮ ‬يشبه الانتحار الجماعي،‮ ‬العودة إلي سادتها القدامي،‮ ‬والتنازل علي أعتابهم عن كامل حريتهم وحقوقهم كمواطنين من أجل كسب لقمة عيش لا توفرها حكومة رجال الأعمال،‮ ‬وحماية لاتوفرها أجهزة حبيب العادلي المتفرغة لمطاردة المطالبين بالخبز والحرية في شوارع القاهرة‮..‬

عبد الباقي إدريس شاب في الثلاثين من عمره‮..‬أسمر البشرة‮ ‬،طويل القامة‮ ‬،حاد الملامح،‮ ‬لاتنم نظراته عن الرضا،‮ ‬فهو‮ ‬يعيش في حال أقل ماتوصف به أنها لوحة قديمة باقية من زمن المماليك‮..‬

في ناحية نائية من قرية العسيرات بمحافظة سوهاج،‮ ‬كان هناك‮ ‬،داخل كوخ من البوص‮ ‬يستند إلي حائط متهدم،‮ ‬هو‮ ‬يسميه من باب التعود‮ "‬دارا‮".."‬لسه داخل الدار كنت شغال مع سيدي في الأرض‮" ‬استقبلنا بهذا الكلمات وهو‮ ‬يخلص فأسه من أثار عمل طويل في حقل‮ "‬سيده‮" - ‬علي حد قوله‮.. ‬كان الإرهاق باديا علي وجهه وبدنه،‮ ‬ألقي بجسده علي الأرض،التي تمثل له كل ما‮ ‬يحويه‮ "‬الدار‮" ‬من أثاث وفراش للمعيشة والنوم معا‮..‬هو لا‮ ‬يعاني من هذا الفقر والشظف وحده‮.. ‬فلديه زوجة وابنتان فضلا عن والدته،‮ ‬وكلهم‮ ‬يشاركونه الفقر والتعب‮ ‬،والعبودية أيضا‮.‬

‮"‬اعمل لدي أسيادي منذ أن كنت صبيا،‮ ‬فهم‮ ‬يمنحوننا كل مانحتاجه،‮ ‬هكذا قال لي أبي‮ ‬في صغري عندما سألته لماذا نخدم هؤلاء الناس‮..‬الطعام والكسوة،‮ ‬والحماية أيضا وهذا هو الأهم‮.. ‬فلا توجد هنا قوة امنية تستطيع حماية أمثالنا من الضعفاء والغلابة عند نشوب أي معركة بين العائلات الكبيرة سوي هذه العائلات نفسها التي نخدمها‮"..‬

حاول‮ "‬عبد الباقي‮" ‬أن‮ ‬يتخلص من وصية الأب عندما كبر،‮ ‬إلا أنه وجد نفسه مضطرا‮ -‬كما‮ ‬يقول‮- ‬لأن‮ ‬يبقي عبدا عند سادته،‮ ‬بعد وفاة الأب،‮ ‬حين واجه الحياة في القرية الفقيرة‮ ‬،ليكتشف أن وصية الأب هي الوسيلة الوحيدة أمامه وأولاده للبقاء علي قيد الحياة‮..‬

‮"‬حكومة‮..‬إيه‮ ‬يابيه‮" ‬تجاوزت لهجته التهكمية‮.."‬العبيد لا‮ ‬يضحكون بسهولة ولا‮ ‬يسخرون من الناس أبدا‮" ‬سارع لإخباري بذلك وكأنه أحس بالحرج،‮ ‬مضيفا‮ "‬سؤالك كان مستفزا‮ ‬للسخرية‮"..‬كنت سألته للتو‮ :‬لماذا لم تلجأ للحكومة لكسب فرصة عمل؟

وعن طبيعة علاقته بعائلة‮ "‬السادة‮" ‬يحكي‮ "‬عبد الباقي‮": ‬نحن نخضع لوصايتهم تماما،‮ ‬أعمل لديهم نهارا في زراعة الأرض،‮ ‬وفي المساء،‮ ‬أقوم علي خدمتهم خاصة في المواجب"المناسبات‮" ‬حيث أتولي خدمة ضيوفهم في الأفراح فأمر بالمياه والمشروبات علي المعازيم،‮ ‬كما أكون مسئولا عن نقل وتوصيل حوائج العروس وشوارها‮ "‬جهازها‮" ‬إلي دار العريس،وفي المآتم أقف مع سيدي ثلاث ليال متواصلة لخدمة المعزين،‮ ‬لكن من دون ان أتلقي العزاء من احد فهذا‮ ‬غير مسموح به لنا،لأن أحرار العائلة وأقارب المتوفي هم فقط من‮ ‬يتقبلون العزاء فيه‮..‬كما أن أحدا من المعزين لا‮ ‬يبادر أصلا بالسلام علي وأنا أقف علي باب المندرة أو سرادق العزاء لأن الجميع‮ ‬يعرفون أنني من عبيد‮ "‬سيدي‮".‬

في زاوية من الخص ظلت سيدة بائسة ترمقنا طول الحديث،‮ ‬وهي تجلس أمام الكانون‮" ‬فرن صغير من الطمي‮"..‬لابد أنها‮ "‬سعدية‮" ‬زوجتك؟‮..‬سارعت للإجابة‮ :‬آني سعدية‮..‬شجعها السؤال علي التقاط خيط الكلام لتحكي عن دورها في اتفاق العبودية‮ ‬غير المعلن بين أسرتها وسادتها‮.."‬أسيادنا فاتحين بيوتنا ومن‮ ‬غيرهم كنا متنا من الجوع وولادنا اتشردوا‮" ‬بدأت بهذه الكلمات وكأنها تجيب عن السؤال نفسه:لماذا تقبلون بالتنازل عن حريتكم وأن تعودوا عبيدا ؟‮..‬ثم مضت تقول‮: ‬ربنا‮ ‬يوسعها عليهم‮ ‬،بيصرفوا علينا وعلي أولادنا‮ ‬،‮ ‬عمرهم ما حرمونا من حاجة‮..‬في فرح بنتي كنت محتاجة أكمل لها جهازها،‮ ‬ولم‮ ‬يكن معي ثمن الثلاجة‮ ‬،‮ ‬فذهبت إلي سيدي‮ ‬،‮ ‬وأبلغته‮ ‬،‮ ‬فساعدني‮..‬وربنا سترها‮.‬

يعود‮ "‬عبد الباقي‮" ‬ليذكرنا بوجوده‮: ‬هي تقوم بخدمتي انا والأولاد وعندما‮ ‬يحتاجها أسيادي تذهب إلي خدمتهم خاصة في الأفراح‮ ‬،‮ ‬حيث تكون مسئولة عن صنع لوازم الفرح من كعك وبسكويت‮.. ‬سألته‮: ‬ألا تري حرجا في أن تخدم زوجتك سيدين في وقت واحد؟‮..‬أجاب‮: ‬أسيادنا فاتحين بيوتنا ومن واجبنا ان نساعدهم‮ ‬،زي اي وزير النهاردة‮ ‬يحيط نفسه بالخدم والحشم الذين‮ ‬يساعدونه‮..‬وبعدين كفاية ان اسيادنا بيضمنوا لنا موتة مستورة ودا كفاية‮.. ‬إنما الوزرا لأ‮.‬

رغم ما تحمله الكلمات السابقة من أسباب للغضب والحزن‮..‬فإن هؤلاء‮ "‬السادة‮" ‬الجدد في صعيد مصر من العائلات القادرة والغنية‮ ‬،يظلون أفضل حالا من حكومات مبارك المتعاقبة التي ألقت بآلاف العمال إلي الشارع في عمليات الخصخصة دون أن تؤمن لهم ولأولادهم طريقا واحدا للعيش الكريم في المستقبل‮..‬السادة وحدهم‮ ‬يعترفون بحقوق التقاعد،‮ ‬وتأمين الشيخوخة والعجز والمرض‮ ‬،وإعالة الأبناء حتي لو لم‮ ‬يعد من هؤلاء أي نفع علي سادتهم في الوقت الحالي‮..‬

في قرية‮ "‬العرابة‮" ‬القريبة‮..‬كانت سيدة عجوز تجاوزت الستين بسنوات لاتتذكر عددها علي وجه الدقة‮..‬تجلس داخل بيت بسيط لا‮ ‬يجاوز‮ ‬غرفة واحدة من الطوب اللبن‮..‬وقد أمسكت بهون قديم وأخذت تدق الثوم استعدادا لطبخة متواضعة‮ ‬،‮ ‬وإلي جوارها حفيدها‮..‬الذي خرجت به من الدنيا‮ - ‬علي حد قولها‮:‬

‮"‬لم تعد لدي صحة لخدمة أسيادي‮" ‬ثم استدركت ريحانة‮ " ‬لكن لم أقطع صلتي بهم‮..‬أذهب لزيارتهم وهم‮ ‬يبادلونني الزيارة في المناسبات ويقدمون لي المساعدة‮" ‬وقبل أن أسألها عن سبب هذا الالتزام برأيها،‮ ‬قالت:هذا واجبهم،‮ ‬بعد عمر طويل في خدمتهم‮..‬فقد كنت أخدمهم بصحبة أمي وأنا صغيرة ولما توفيت كان حقا علي أن أستمر في خدمة ستي عرفانا بالجميل لأنها زوجتني بعد أن بلغت الثامنة عشرة‮ ‬وتكفلت بمصاريف الزواج‮.. ‬كانت‮ ‬30‮ ‬جنيهاً‮ ‬وقتها‮..‬كما عمل زوجي أيضا في خدمة نفس الأسياد بملء المياه‮ ‬يوميا من أحد الأبار وجلبها للدوار الكبير‮.. ‬بس السن له أحكام‮.. ‬الآن زوجي مات‮..‬ولم‮ ‬يعد لدي دخل سوي معاشه الذي‮ ‬يدفعه أسيادي‮.‬

السيدة‮ "‬ريحانة‮" ‬التي شردت بعينيها قليلا عندما خاطبتها بهذا اللقب‮ ‬،‮ ‬عادت لتتذكر بعض الأعمال الطيبة التي قدمها لها مخدومها‮ "‬أسيادي ساعدوني في توصيل المياه والكهرباء‮ ..‬بس المشكلة في الفواتير‮.‬

‮ ‬ابنة‮ "‬ريحانة‮" ‬الوحيدة تزوجت وأنجبت حفيدها الوحيد أيضا لكنها لا ترضي عن علاقة الأم بعائلة‮ "‬الأسياد‮".. ‬ريحانة تشكو من تغير الزمن وعدم رضا الأبناء عن أبائهم‮ ‬،وعدم فهمهم لظروف الحياة القاسية التي أجبرتهم علي التمسك بالعبودية‮ ‬،وعدم الاعتراف طوعا بشيء اسمه"الحرية‮" ‬في بلد تؤكد ريحانة أنه‮ "‬لا‮ ‬يعرف حرية طول مافيه جوع وفقر وناس عايشة عالة علي ناس عشان‮ ‬يفضلوا علي وش الدنيا‮".‬

متولي سرور واحد من هؤلاء الأبناء الذين لايعرفون الرضا عن علاقة العبودية التي عادت تربط آباءهم ببعض العائلات‮.. ‬فهو شاب في منتصف العشرينيات‮..‬استطاع بفضل والديه و"سادته‮" ‬أن‮ ‬يجتاز مشوارا جيدا في التعليم حتي نال شهادة الليسانس‮ ‬من جامعة الأزهر في الشريعة والقانون‮.. "‬مثلي مثل أي إنسان في الدنيا‮..‬لا‮ ‬يستطيع أحد ان‮ ‬يفرض حكمه علي‮ ‬،وإذا كان أباؤنا اضطروا للبقاء في خدمة سادتهم‮ ‬،فإننا لا نخدم احدا،‮ ‬لأن زمان العبودية انتهي‮"..‬بحماسة شديدة وربما‮ ‬غضب أطلق‮ "‬متولي‮"

‬هذه الكلمات في وجوهنا‮ ‬،لكن نبراته عادت للانخفاض ومالت للضعف قليلا حين راح‮ ‬يتذكر هذه القصة‮ "‬وصلت ذات مرة لإحدي المحاضرات في الكلية متأخرا،‮ ‬فإذا‮ ‬بالدكتور‮ ‬يتوقف عن إلقاء محاضرته ويلتفت إلي قائلا في سخرية‮: ‬اتاخرت ليه‮ ‬يابو سمرة؟‮..‬ثم انفجر ضاحكا مع جميع زملائي‮.. ‬احسست ساعتها بالقهر‮..‬فقد كان‮ ‬يلمح مباشرة إلي لوني الأسود وسمعتي بين طلاب الجامعة بأني‮ "‬عبد‮".. ‬لكنني استجمعت قواي ورحت أتلو الأية الكريمة‮ " ‬صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة‮".‬

‮" ‬متولي‮" ‬سأم من العيش في قريته بأسيوط دون عمل لائق منذ تخرجه،‮ ‬لذا فهو‮ ‬يستعد للسفر إلي العاصمة عساه‮ ‬يجد فرصة عمل في مجتمع مفتوح ربما لا‮ ‬يعترف بهذه العادات البالية التي عادت تفرض نفسها بقوة في أنحاء الصعيد‮.‬

أبو الحسن العربي‮ ‬شاب‮ ‬يقترب من‮ "‬متولي‮" ‬في العمر ومستوي التعليم أيضا‮ (‬حاصل علي مؤهل عال‮).. ‬لكنه‮ ‬يخالفه الرأي في العبودية‮.. ‬هو‮ ‬يقول‮: ‬تربيت في بيت أسيادي منذ ولادتي‮ ‬،‮ ‬وليس عيبًا أن أعمل لديهم‮ "‬فالعمل عبادة‮" ‬طالما أنهم‮ ‬يحترمونني ويقدرونني ولا‮ ‬يبخلون علي بشيء‮ "‬المهم أن الإنسان‮ ‬يشتغل‮".‬

‮"‬الشغل‮" ‬هو سر قبول‮ "‬أبو الحسن‮" ‬بهذا الوضع اللا إنساني كما‮ ‬يعود ويعترف لنا‮..‬لكنه‮ ‬يعود ليلقي في وجوهنا‮ -‬‭ ‬دفاعا عن نفسه‮ - ‬ببعض المبررات الإيمانية التي تجعله‮ ‬يرضي بالأمر الواقع ويتعايش معه‮ .."‬نحن سواسية أمام الله ولا فرق بين أبيض وأسود،‮ ‬كلنا عبيد لله عز وجل‮..‬وأنا لا أخجل من خدمة‮ "‬سيدي"طالما أنه‮ ‬يدفع ثمن هذه الخدمة‮ ‬،‮ ‬ويكفي أن كل مناسبات أسيادنا من أفراح ومآتم هي وليمة خير لنا ولأولادنا‮"..‬أبو الحسن‮ ‬يخبرنا بأن أقل مبلغ‮ ‬يفوز به في أي مناسبة لدي‮ "‬سيده"هو‮ ‬500‮ ‬جنيه مقابل أنه‮ "‬بيشيل الواجب من أوله إلي‮ ‬أخره‮" ‬فهو‮ ‬يتكفل بدعوة أهالي القرية بيتا بيتا في الأفراح،ويقوم علي كافة التفاصيل والتجهيزات من سرادقات وكهرباء وغيرها،‮ ‬وله نصيب في ذبائح الفرح‮..‬نفس الأعمال تقريبا هي ما‮ ‬يمارسه في المآتم بإبلاغ‮ ‬المعزين عبر مساجد القرية‮ ‬،‮ ‬واستقبالهم وتجهيز جثمان الميت ودفنه،‮ ‬فضلا عن الخدمة في المندرة في سهرات وأمسيات رمضان،‮ ‬بتجهيز الطعام والمشروبات للمقرئين والحضور‮.."‬أما الأعياد؛ فالخدمة فيها عند سادتنا مقدسة‮" ‬هكذا‮ ‬يؤكد أبو الحسن قائلا‮: ‬لا نستطيع التهرب من العمل في تلك المناسبات‮.‬

هدايات سعيد تمحو بتلال من التراب كل تصريحات إحدي هوانم حكومة‮ "‬نظيف‮" ‬عن المرأة المعيلة والقري الأولي بالرعاية وضمان حقوق المرأة ومساواتها بالرجل‮..‬مشيرة خطاب لاتعرف صاحبة هذه الاسم بالتأكيد‮..‬كما أن صاحبته لم تسمع عن وجود وزيرة للأسرة والسكان من قبل فضلا عن أن تقابلها‮..‬بل إن‮ "‬هدايات‮" ‬التي تلقب نفسها ب"العبدة‮" ‬لاتطمح من تلك الحقوق والتصريحات،‮ ‬بأكثر من تلقي علاج مناسب لأمراض السكر وضغط الدم التي تجرأت علي جسدها‮ "‬الشديد‮"- ‬كما تقول‮- ‬إلا بعد أن تجاوزت الخمسين من عمرها في خدمة‮ "‬سادتها‮"..‬لا تنتظر‮ "‬هدايات‮" ‬من نظيف أومشيرة أو أكثر من‮ ‬30‮ ‬وزيرا في حكومة مبارك هذا العلاج بالطبع‮.."‬ستي كانت أحن علي من أمي ولم تبخل علي بشئ وأصابني المرض حزنا علي وفاتها قريبا‮"..‬هي تؤكد أن عائلة‮ "‬سيدتها‮" ‬مازالوا لا‮ ‬يبخلون بشئ رغم ما أصابهم من بعض الأزمات المالية،‮ ‬تضيف"هم ساعدونني في كل شيء حتي تكاليف زواج بناتي‮".‬

ما قد‮ ‬يخيب أمال السيدة مشيرة هو أن إهدارا تاما لكرامة‮ "‬هدايات‮" ‬وشقيقاتها كإنسانة ومواطنة‮ -‬‭ ‬وليس كأنثي فقط‮ - ‬يتم علي نطاق واسع حاليا في أنحاء الصعيد ضمن قانون العبودية الذي أطل برأسه ليفرض أوضاعا شاذة علي مصر في زمن‮ ‬يملك فيه جيران لنا الإطاحة برئيس دولة في عدة أيام احتجاجا علي زيادة أسعار بعض السلع‮..‬

فالسيدة هدايات رغم أنف هذا الوضع الكارثي والمأساوي بكل المعايير الشرعية والقانونية والدولية لا تستطيع الزواج من سيدها حتي وإن أراد هو ذلك الزواج المعلن‮..‬بل إن حياتها ستتحول بمجرد إعلان السيد عن حبه ورغبته في الارتباط بها إلي جحيم،‮ ‬كما ستتحول هي إلي‮ ‬غريبة مطاردة في وطن لاتعرف له حاكما سوي سيدها‮..‬فكل عائلات السادة‮- ‬كما تحكي هدايات‮- ‬ترفض مثل هذا الزواج ولاتعترف به وتعتبره باطلا‮ ‬،‮ ‬بل وترفض توثيق ولادة الأبناء نتاج هذا الزواج بالقوة‮..‬ما‮ ‬يفرز وضعا أشد رعبا وضياعا للعبدة التي‮ ‬يقع سيدها في حبها،‮ ‬حتي وإن كان هذا الحب رغما عنها‮.‬

تري هل‮ ‬يصبح هذا المشهد علي سواده أقل قتامة واستفزازا،‮ ‬حين نتذكر علي الجهة الأخري من مصر،‮ ‬في قلب المدن،‮ ‬واحدة من وقائع صنع وإحياء العبودية ضد المصريين علي نحو أكثر قهرا ووحشية‮ ‬،حين دخل مواطن في مارس الماضي في إضراب عن الطعام بمستشفي منية النصر العام بمحافظة الدقهلية لأكثر من أسبوع،‮ ‬بسبب عدم تمكنه من رؤية ابنته‮ "‬إنصاف‮" ‬منذ أن أخذها لواء شرطة سابق لتخدم في منزله،‮ ‬ورفض إعادتها لأسرتها أو السماح لهم برؤيتها طوال‮ ‬11‮ ‬عاما‮ .. ‬وقال أحمد محمد زكي‮: "‬شقيق إنصاف"وقتها إن‮ "‬السيد‮" ‬اللواء وكان مأمورا لمركز منية النصر ضغط علي والدي ووالدتي مستغلا منصبه وأخذ أختي لتخدمه،‮ ‬وعندما طالبناه برجوعها رفض ولم‮ ‬يمكننا من رؤيتها حتي وصل عمرها إلي‮ ‬19‮ ‬عاما‮ ‬،بينما توفيت أمي حزنا عليها داخل مستشفي فقير بعد أن أصيبت بجلطة في المخ‮.‬