بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

25‮ ‬يناير‮ ‬1952 البوليس في مواجهة الإنجليز

في ذلك الوقت من صباح يوم الجمعة‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬1952‮ ‬شاهد التاريخ،‮ ‬وعاصر‮ "‬الشرطة‮" ‬وهي تتحول من أن تكون في خدمة الشعب‮ - ‬كما هو شائع ومتعارف عليه‮ - ‬لتكون في خدمة الوطن‮.‬

جنود الاحتلال الانجليزي ارادوا في ذلك الصباح القتال،‮ ‬وجنود البوليس البواسل،‮ ‬ارادوا الشهادة،‮ ‬الدقائق مرت،‮ ‬وكل جندي عند هدفه،‮ ‬تراجع الانجليز،‮ ‬وخافوا القتال فهم‮ - ‬كأي جندي محتل‮ - ‬يخافون الموت،‮ ‬ويتمنون الفرار منه،‮ ‬بالمقابل رجال البوليس المصري يطلبون المعركة،‮ ‬رغم ضعف الامكانيات،‮ ‬وقلة الامدادات،‮ ‬الا انهم امام أملين‮.. ‬النصر أو الشهادة‮.‬

سنوات طويلة مرت،‮ ‬ومازالت دماء وبطولات رجال البوليس في معركة الاسماعيلية حاضرة،‮ ‬وشاهدة،‮ ‬وراسمة علي وجه الوطن،‮ ‬كفاح رجال‮.. ‬نفدت ذخيرتهم ولم تنفد عزيمتهم،‮ ‬حتي اصيب من اصيب واستشهد من استشهد‮.‬

25‮ ‬يناير‮ ‬1952‮ ‬يثبت‮ - ‬في لحظة استثنائية‮ - ‬أن الشرطة لم تكن‮ - ‬كما يقال‮ - ‬في خدمة الشعب،‮ ‬بل كانت في خدمة الوطن‮.‬

1‮- ‬ادفع القوة بالقوة

‮- ‬أيوه‮.. ‬أنا فؤاد باشا سراج الدين‮.. ‬خير‮!‬

‮- ‬يا أفندم‮.. ‬أنا اللواء‮ "‬أحمد رائف‮" ‬قائد بلوكات النظام في معركة الاسماعيلية‮.‬

‮- ‬فيه إيه عندك؟

‮- ‬يا أفندم‮.. ‬صباح هذا اليوم الجمعة‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬1952،‮ ‬في الساعة السادسة صباحاً،‮ ‬قام الجنرال الانجليزي‮ "‬البريجادير اكسهام‮" ‬قائد القوات البريطانية في الاسماعيلية،‮ ‬واتصل بالمقدم‮ "‬شريف العبد‮".‬

‮- ‬آه‮.. ‬ده ضابط الاتصال المصري في المحافظة‮!‬

‮- ‬تمام يا أفندم‮.. ‬وطلب القائد البريطاني منه أن تسلم جميع قوات الشرطة،‮ ‬وبلوكات النظام في الاسماعيلية أسلحتها،‮ ‬وترحل بكامل قواتها‮.‬

‮- ‬وإذا رفضتم؟

‮- ‬هدد يا أفندم‮.. ‬باستخدام القوة في حالة عدم الاستجابة إلي الانذار‮.‬

‮- ‬في هذه اللحظة كان الغضب قد تملك من‮ "‬فؤاد باشا سراج الدين‮" - ‬وزير الداخلية حينئذ‮ - ‬فأشعل سيجاراً‮ ‬من النوع الذي يهواه،‮ ‬رغم أنه مازال يطارد النوم من عينيه في ذلك الوقت المبكر،‮ ‬فنفث دخان السيجار بعنف في الهواء،‮ ‬وعاد الي اللواء أحمد رائف،‮ ‬وقال له بحسم‮: ‬ارفض الإنذار‮.‬

‮- ‬رد أحمد رائف‮: ‬هيضربوا يا أفندم‮!‬

‮- ‬ادفع القوة بالقوة‮.. ‬وقاوم حتي آخر طلقة وآخر رجل‮.‬

 

2‮- .. ‬وبدأ الاستعداد للقتال

‮- ‬مرت ساعة علي هذه المكالمة،‮ ‬وفي الساعة السابعة صباحاً،‮ ‬اتصل اللواء أحمد رائف باليوزباشي‮ "‬رائد‮" ‬مصطفي رفعت لينظم قواته،‮ ‬ويفعل ما يجب فعله في المقاومة،‮ ‬ولا يتراجع ولا يستسلم،‮ ‬وتم التنسيق والتجهيز والاستعداد‮. ‬وتم تقسيم قوات الشرطة المتمركزة كالتالي‮: ‬قسم بمبني المحافظة يعسكر بالخيام خلف مبني المحافظة ويضم كتيبة قوامها‮ ‬300‮ ‬فرد بقيادة عدد من الضباط،‮ ‬القسم الثاني‮: ‬يتمركز بمبني رعاية الطفل المجاور للمحافظة ويضم‮ ‬700‮ ‬فرد،‮ ‬وتتركز هذه القوة بجوار السور المحيط بمبني المحافظة‮.‬

وكانت كل هذه القوات تخضع للواء أحمد رائف الذي اتخذ من مبني المحافظة مقراً‮ ‬له،‮ ‬وقام بتقسيم قواته الي فصائل يرأس كل منها ضابط برتبة بكباشي‮.‬

علي الجانب الآخر،‮ ‬واصلت القوات البريطانية استعداداتها،‮ ‬وكانت تضم‮ ‬1500‮ ‬من جنود المظلات وألفاً‮ ‬من جنود الكوماندوز وفرقاً‮ ‬أخري معاونة‮.‬

 

3‮- ‬لا تراجع‮.. ‬ولا استسلام

‮.. ‬وبدأت المعركة‮.. ‬قامت فرق بريطانية يطلق عليها اسم‮ "‬الشياطين الحمر‮" ‬بإطلاق نيران أسلحتها علي مبني المحافظة،‮ ‬والقوات المتمركزة فيها،‮ ‬فردت قوات الشرطة

من بنادقها،‮ ‬ودار القتال،‮ ‬شعر القائد البريطاني بأن المعركة صعبة،‮ ‬والمقاومة شديدة،‮ ‬فقرر ان يمنح القوات المصرية من رجال الشرطة مهلة‮ ‬15‮ ‬دقيقة للاستسلام،‮ ‬مرت الدقائق،‮ ‬وانتهت المهلة،‮ ‬ولم يستسلم أحد‮.‬

هنا أمر‮ "‬الجنرال اكسهام‮" ‬بمواصلة الهجوم بالمدافع والقنابل،‮ ‬مما زاد اشتعال نفوس الجنود،‮ ‬وزادت ثورتهم،‮ ‬ومقاومتهم،‮ ‬واستمرت المعارك داخل مبني المحافظة‮.‬

انتصف النهار،‮ ‬والمعارك دائرة،‮ ‬ورجال الشرطة يقاومون،‮ ‬والانجليز يضربون،‮ ‬في هذا الوقت اتصل وزير الداخلية‮ "‬فؤاد سراج الدين‮" ‬يتابع سير المعركة‮.‬

‮- ‬أنا فؤاد باشا

‮- ‬أهلا يا أفندم‮.. ‬أنا اليوزباشي مصطفي رفعت

‮- ‬أهلا يا مصطفي‮.. ‬إيه الموقف عندك

‮- ‬نحن نقاوم يا أفندم‮.. ‬ولن نستسلم‮ ‬ولن نتراجع‮.‬

‮- ‬رجالة يا مصطفي‮.. ‬استمروا في المقاومة ومصر كلها وراكم‮.‬

سالت الدماء داخل جدران المحافظة،‮ ‬وسقط الشهداء الواحد تلو الآخر‮.. ‬هنا قرر الجنرال‮ "‬اكسهام‮" ‬وقف الضرب لمدة قصيرة،‮ ‬ليعلن علي رجال الشرطة المحاصرين انذاره الاخير،‮ ‬قال‮: ‬علي القوات الموجودة بالداخل التسليم والخروج رافعين أيديهم،‮ ‬والا سنستأنف الضرب بقسوة وشدة‮.‬

بعد دقائق جاءه الرد من اليوزباشي مصطفي رفعت‮: ‬لن نستسلم‮.. ‬ولن تتسلموا منا إلا جثثا هامدة‮.‬

جن جنون الانجليز،‮ ‬واستأنفوا المذبحة الشائنة،‮ ‬فانطلقت المدافع،‮ ‬وتحركات الدبابات،‮ ‬وأخذت القنابل تنهمر علي المبني حتي حولته الي انقاض،‮ ‬وتبعثرت أشلاء القتلي والجرحي،‮ ‬امتلأت ساحة المعركة بالدماء‮.‬

4‮- ‬ونفدت الذخيرة وبقي الرجال‮!‬

القوات البريطانية تواصل الضرب بكل أنواع الأسلحة،‮ ‬ورجال الشرطة يواصلون المقاومة،‮ ‬حتي نفدت ذخيرتهم وسقط منهم‮ ‬50‮ ‬شهيداً‮ ‬و80‮ ‬جريحاً‮ ‬ومن الانجليز‮ ‬13‮ ‬قتيلاً‮ ‬و12‮ ‬جريحاً،‮ ‬أسر الانجليز من بقي علي قيد الحياة،‮ ‬ولم يفرج عنهم الا في فبراير‮ ‬1952‭.‬

لم يستطع الجنرال‮ "‬اكسهام‮" ‬أن يخفي اعجابه بشجاعة رجال الشرطة المصرية،‮ ‬فقال للمقدم‮ "‬شريف العبد‮": ‬لقد قاتل رجالكم بشرف واستسلموا بشرف،‮ ‬ولذا فمن واجبنا احترامهم جميعاً‮ ‬ضباطاً‮ ‬وجنوداً،‮ ‬وقام جنود الجنرال‮ "‬اكسهام‮" ‬بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة عند خروجهم من دار المحافظة تكريماً‮ ‬لشجاعتهم،‮ ‬بعدما واجهوا القوة بالقوة‮ - ‬كما قال لهم فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية‮ - ‬وقاوموا حتي آخر طلقة وآخر رجل،‮ ‬ونفدت الذخيرة‮.. ‬وبقي الرجال‮.‬