بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

حريق القاهرة‮ ‬‭.‬‮. ‬البداية والنهاية

في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كان فيه رجال المقاومة،‮ ‬وضباط وجنود البوليس في‮ ‬منطقة القناة والإسماعيلية‮ ‬يواجهون الاحتلال،‮ ‬من خلال العمليات الفدائية،‮ ‬ومن خلال الصمود في‮ ‬معركة الشرطة ضد جنود الإنجليز،

‮ ‬التي‮ ‬استمرت حتي‮ ‬الساعات المتأخرة من نهار‮ ‬يوم‮ ‬25‮ ‬يناير‮ ‬1952،‮ ‬كانت القاهرة تنام تلك الليلة ـ ليلة السبت‮ ‬26‮ ‬يناير ـ علي‮ ‬حالة من التوتر والغضب امتدت حتي‮ ‬الساعة السابعة والنصف من صباح ذلك اليوم الغامض من تاريخ مصر السياسي،‮ ‬انه اليوم الذي‮ ‬احترقت فيه القاهرة ـ ربما للمرة‮ ‬الأولي‮ ‬ـ بأيد مصرية،‮ ‬بعدما اشتعلت فيها نيران الغضب‮. ‬

بعد مرور‮ ‬15‮ ‬يوماً،‮ ‬من ذلك الحدث،‮ ‬خرج‮ »‬فؤاد باشا سراج الدين‮« ‬وزير الداخلية‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬الوزارة الوفدية التي‮ ‬أعفيت من الحكم علي‮ ‬خلفية الحريق،‮ ‬وقرر أن‮ ‬يحكي‮ ‬التفاصيل،‮ ‬ويطرح الحقائق،‮ ‬علي‮ ‬الشعب‮ ‬،‮ ‬من خلال صحيفة‮ »‬المصري‮« ‬التي‮ ‬كان‮ ‬يصدرها ويدير سياستها‮ »‬الوفد‮« ‬المصري‮ ‬وصاحبها‮ »‬محمود أبو الفتح‮« ‬ورئيس تحريرها المسئول‮ »‬أحمد أبو الفتح و»كان مبعث هذا التوضيح من فؤاد باشا هو التصدي‮ ‬لحملة التشهير التي‮ ‬دبرت ضد الوفد وحكومته،‮ ‬وقادتها في‮ ‬ذلك الوقت‮ »‬أخبار اليوم‮« ‬ولكن فشلت تلك الحملة ـ علي‮ ‬حد قول الباشا وقتها ـ لأن قوة الوفد من قوة الشعب وقوة الشعب من قوة الله‮. ‬

سجل فؤاد سراج الدين شهادته لـ‮ » ‬المصري‮« ‬في‮ ‬عددها الصادر في‮ ‬10‮ ‬فبراير،‮ ‬1952‮ ‬كا لتالي‮:‬

1ـ حوالي‮ ‬الساعة‮ ‬السابعة والنصف من صباح‮ ‬يوم‮ ‬26‮ ‬يناير اتصل بي‮ ‬تليفونيا مدير الأمن العام وأخبرني‮ ‬ان عددا من جنود بلوكات نظام الأقاليم‮ ‬يترواح بين مائتين وثلائمائة جندي‮ ‬غادروا ثكناتهم بالعباسية ومعهم اسلحتهم وهم في‮ ‬حالة شبه تمرد فطلبت منه المبادرة الي‮ ‬اتخاذ الاجراء اللازم لاعادتهم الي‮ ‬ثكناتهم وتجريدهم من سلاحهم وحبسهم ومحاكمتهم عسكريا‮.‬

2ـ بعد ذلك اتصل بي‮ ‬حوالي‮ ‬الساعة التاسعة صباحا سعادة بدوي‮ ‬خليفة باشا وكيل وزارة الداخلية واخبرني‮ ‬ان الجنود المذكورين قد اتجهوا نحو جامعة فؤاد الأول بالجيزة‮ .. ‬نريد ان نذهب إلي‮ ‬القتال وان اللواء أحمد عبد الهادي‮ ‬بك مدير عام البوليس‮ »‬حكمدار بوليس القاهرة حاليا‮« ‬قد لحق بهم بالجامعة فقلت لبدوي‮ ‬باشا‮: »‬يجب العمل علي‮ ‬اخراج هؤلاء الجنود من الجامعة وارجاعهم الي‮ ‬ثكناتهم بأية طريقة‮« ‬وطلبت منه الاتصال باللواء احمد عبدالهادي‮ ‬بلك ليخبرهم بأنني‮ ‬موافق علي‮ ‬سفرهم إلي‮ ‬القتال إذا كانت هذه هي‮ ‬رغبتهم الحقيقية‮.‬

3ـ حوالي‮ ‬الساعة‮ ‬11‭.‬15‮ ‬صباحا اخبرني‮ ‬مدير الأمن العام وانا بمكتبي‮ ‬بوزارة الداخلية بأن جنود البلوكات وعلي‮ ‬رأسهم الضابط عبدالهادي‮ ‬نجم الدين ومعهم فريق من الجامعة قد‮ ‬غادروها في‮ ‬مظاهرة كبيرة متجهة إلي‮ ‬رئاسة مجلس الوزراء‮ ‬،‮ ‬وبعد قليل اخبرني‮ ‬بأن فريقا آخر من هؤلاء الجنود وكان قد اتجه منذ الصباح إلي‮ ‬الأزهر قد خرج مع بعض طلبة الأزهر في‮ ‬مظاهرة متجهة إلي‮ ‬ميدان عابدين‮.‬

فأصدرت أوامر صريحة بتنفيذ الأوامر السابق صدورها بتفريق‮ ‬المظاهرات بكل الطرق ولو استدعي‮ ‬الأمر اطلاق النار‮.‬

4ـ بعد دقائق عاد الي‮ ‬مدير الامن العام واخبرني‮ ‬بأنه اصدر الأوامر المشددة بتفريق المظاهرة بالقوة ولكن كثيرا من التراخي‮ ‬يبدو علي‮ ‬جنود البوليس لاشتراك بعض زملائهم في‮ ‬هذه المظاهرات كما شرحت آنفاً‮. ‬وانه‮ ‬يخشي‮ ‬ألا‮ ‬ينفذ الجنود أوامر التفرق فاتصلت في‮ ‬الحال بمعالي‮ ‬محمد حيدر باشا القائد العام للقوات المسلحة وشرحت له الحالة‮.‬

وقلت له اني‮ ‬اخشي‮ ‬ان تتفاقم الحالة ويبدو ان جنود البوليس‮ ‬يحجمون عن اطلاق النار علي‮ ‬زملائهم المشتركين في‮ ‬المظاهرات وطلبت منه ان تستعد في‮ ‬الحال‮ ‬قوات الجيش للنزول إلي‮ ‬المدينة في‮ ‬أي‮ ‬لحظة‮ ‬يطلب منها ذلك للمعاونة علي‮ ‬حفظ النظام‮.‬

فقال معاليه انه من المصلحة عدم نزول الجيش حتي‮ ‬لا‮ ‬يقع تصادم بينه وبين الجمهور فيسيء الجمهور الظن بالجيش وتتولد في‮ ‬نفسه الكراهية نحو الجيش‮. ‬فقلت لمعاليه اني‮ ‬مقدر تماما كل هذه الاعتبارات ولكني‮ ‬امام حالة تنذر بالخطر ولن ألجأ الي‮ ‬الاستعانة بالجيش إلا عند الضرورة القصوي‮ ‬وكل ما اطلبه الآن هو ان‮ ‬يكون الجيش مستعدا للنزول إلي‮ ‬المدينة في‮ ‬أي‮ ‬لحظة‮ ‬يطلب فيها ذلك فوعدني‮ ‬بأنه سيصدر التعليمات اللازمة فور الاستعداد‮.‬

5ـ وحوالي‮ ‬الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً‮ ‬اخبرني‮ ‬مدير الأمن العام بان المتظاهرين اشعلوا النار في‮ ‬كازينو أوبرا وانهم‮ ‬يمنعون رجال المطافي‮ ‬من اطفاء النيران فأمرته فورا بتبليغ‮ ‬قوات البوليس بإطلاق النار في‮ ‬المليان علي‮ ‬هؤلاء المتظاهرين وعلي‮ ‬أي‮ ‬مظاهرات أو تجمعات اخري‮ ‬دون أي‮ ‬تردد فقال حضرته‮ : ‬أن رجال البوليس‮ ‬يبدون تراخيا في‮ ‬تنفيذ الأوامر فكلفته بالاتصال بالحكمدار وبإمام بك وكيله شخصيا وتبليغهما هذه الأوامر‮. ‬

وفي‮ ‬الحال اتصلت تليفونيا مرة اخري‮ ‬بمعالي‮ ‬حيدر باشا واخبرته بما تطورت إليه الحالة وطلبت منه نزول الجيش في‮ ‬الحال إلي‮ ‬المدينة للمعاونة في‮ ‬حفظ النظام وفض المظاهرات فأبدي‮ ‬لي‮ ‬اعتراضه علي‮ ‬نزول الجيش للأسباب التي‮ ‬سبق ان اشار إليها في‮ ‬المحادثة الاولي‮ ‬فقلت له ان الحالة خطيرة وتنذر باشتداد الخطر وان قوات البوليس محدودة العدد وموزعة علي‮ ‬انحاء المدينة من الجيزة الي‮ ‬مصر الجديدة وان عددا كبيرا منها مرابطا امام مختلف معاهد التعليم والمدارس لحفظ النظام‮.‬

وان من الاسباب التي‮ ‬تزيد الحالة خطورة ان عددا كبيرا من جنود البلوكات وعلي‮ ‬رأسهم احد ضباطهم مشترك في‮ ‬هذه المظاهرات مما احدث الارتباك بين صفوف باقي‮ ‬الجنود المكلفين بفض المظاهرات واطلاق النار‮. ‬

فقال معاليه‮: » ‬إن معظم قوات الجيش الموجودة الآن بالقاهرة من الجنود الحديثي‮ ‬العهد بالالتحاق بخدمة الجيش وان معظم ضباطهم من الضباط الشبان،‮ ‬وصارحني‮ ‬معاليه بأنه‮ ‬يخشي‮ ‬إذا نزلت هذه القوات إلي‮ ‬المدينة أن تنضم إلي‮ ‬المتظاهرين وهنا تقع الكارثة الكبري‮ ‬علي‮ ‬البلد كلها‮. ‬فقلت لمعاليه‮ : » ‬هل أنت واثق من ان الجيش إذا نزل إلي‮ ‬المدينة سينضم إلي‮ ‬المتظاهرين‮« ‬

قال‮ »‬لست واثقا ولكني‮ ‬أخشي‮ ‬حدوث ذلك فقط‮«‬

فقلت له‮ »‬ان ما نخشاه هو خطر محتمل قد‮ ‬يقع وقد لا‮ ‬يقع ولكننا الآن امام خطر واقع فعلا ويجب ان نواجهه كما ان ما نخشاه لن‮ ‬يمنع وقوعه عدم نزول الجيش الآن فإذا ما افلت الزمام وعمت‮ ‬الفوضي‮ ‬في‮ ‬المدينة فسيكون ذلك دافعا للعناصر التي‮ ‬نخشاها في‮ ‬الجيش من تحقيق أهدافها‮«.‬

وبعد مناقشات طويلة قال معاليه‮ »‬ان نزول الجيش الي‮ ‬المدينة‮ ‬يحتاج إلي‮ ‬إذن من جلالة الملك وسأطلب هذا الإذن‮«‬

6ـ وبعد ذلك بقليل اخبرني‮ ‬مدير الأمن العام ان البوليس اطلق النار علي‮ ‬المتظاهرين في‮ ‬ميدان‮ ‬الأوبرا وفرق الجموع التي‮ ‬تجمعت هناك ومكن رجال‮ ‬المطافئ من مباشرة عملهم وان الميدان اصبح خاليا من المتظاهرين وان اللواء امام بك وكيل الحكمدار موجود الآن هناك ومعه قوة من جنود البوليس وانه مسيطر علي‮ ‬الحالة ويمكن تأجيل نزول الجيش‮. ‬

كما حضر إلي‮ ‬مكتبي‮ ‬في‮ ‬نفس اللحظة سعادة بدوي‮ ‬خليفة باشا وكيل الوزارة وامضي‮ ‬إلي‮ ‬نفس المعلومات والآراء فطلبت حيدر باشا تليفونيا فقيل لي‮ ‬انه‮ ‬يوجه إلي‮ ‬القصر الملكي‮ ‬فاتصلت تليفونيا بالقصر وطلبت محادثة حيدر باشا ولما طال البحث عنه في‮ ‬مختلف المكاتب طلبت من عامل التليفون الاتصال بمعالي‮ ‬حافظ عفيفي‮ ‬باشا رئيس الديوان الملكي‮ ‬وقلت لمعاليه إني‮ ‬طلبت من حيدر باشا نزول الجيش إلي‮ ‬المدينة ولكن لا مانع الآن من ارجاء ذلك حيث ان الحالة قد تحسنت علي‮ ‬ان‮ ‬يبقي‮ ‬استعداد الجيش للنزول في‮ ‬اية لحظة وقال ذلك حوالي‮ ‬الساعة الواحدة مساء‮.‬

وبعد ذلك بنحو خمس دقائق اتصل بي‮ ‬حيدر باشا من القصر وكان حافظ باشا قد اخبره بما قلت له وابدي‮ ‬حيدر باشا ارتياحه لارجاء نزول الجيش فقلت له ان هذا الارجاء لا‮ ‬يمنع من بقاء الجيش مستعدا للنزول إلي‮ ‬المدينة في‮ ‬أي‮ ‬لحظة إذا ما تطورت الحالة‮.‬

7ـ بعد ذلك بقليل اخطرتني‮ ‬إدارة الأمن العام باشعال النار في‮ ‬سينما ريفولي‮ ‬ثم في‮ ‬سينما مترو وان رجال البوليس لا‮ ‬يبدون تحمسا في‮ ‬المقاومة فأيقنت بأن الأمر‮ ‬يسير وفقا لخطة مرسومة مدبرة وان لا مفر من الاستعانة بالجيش فاتصلت بالقصر الملكي‮ ‬مرة اخري‮ ‬وكانت الساعة الواحدة والنصف وطلبت حيدر باشا فقيل لي‮ ‬انه في‮ ‬الحضرة الملكية مع ضباط الجيش والبوليس الذين كانوا مدعوين في‮ ‬ذلك اليوم للغداء علي‮ ‬المائدة الملكية بمناسبة مولد حضرة صاحب السمو‮ ‬الملكي‮ ‬ولي‮ ‬العهد‮. ‬فقلت لعامل التليفون الأمر خطير جدا ولابد لي‮ ‬من الاتصال حالا بحيدر باشا وطلبت منه ابلاغه ذلك بأية وسيلة واني‮ ‬سأبقي‮ ‬علي‮ ‬سماعة التليفون حتي‮ ‬يبلغه ذلك ويتصل بي‮.‬

وبعد نحو خمس دقائق وأنا منتظر علي‮ ‬السماعة حضر اللواء وحيد شوقي‮ ‬بك مدير عام مصلحة خفر السواحل وقال لي‮ ‬ان جلالة الملك امره بأن‮ ‬يرد علي‮ ‬في‮ ‬التليفون لمعرفة سبب طلبي‮ ‬لحيدر باشا فشرحت لوحيد بك الحالة وتطوراتها وخطورتها وضرورة نزول الجيش فورا إلي‮ ‬المدينة لقمع الحركة وطلبت منه رفع ذلك كله في‮ ‬الحال الي‮ ‬المسامع الملكية الكريمة وافادتي‮ ‬بما‮ ‬يستقر عليه الرأي‮ . ‬وفي‮ ‬نفس الوقت طلبت من مدير الأمن العام الاستعانة بقوات البوليس الموجودة بالجيزة واستدعاء فرق المطافئ الموجودة بالمديريات القريبة كالجيزة والقليوبية والغربية احتياطا للطوارئ‮.‬

‮٨‬ـ لم‮ ‬يتصل بي‮ ‬حيدر باشا ولم تنزل قوات الجيش إلي‮ ‬المدينة كما طلبت ـ والمفروض انها اخذت في‮ ‬الاستعداد منذ الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا بعد محادثتي‮ ‬التليفونية الأولي‮ ‬مع حيدر باشا ـ واخذت الاخطارات في‮ ‬نفس الوقت تتوالي‮ ‬في‮ ‬بعض دور السينما وبعض المحلات‮ ‬التجارية الصغيرة فغادرت مكتبي‮ ‬وقصدت قصر عابدين فوصلت اليه حوالي‮ ‬الساعة‮ ‬2‭.‬30‮ ‬م وكانت المائدة الملكية قد انتهت في‮ ‬نفس الوقت تقريبا والضباط‮ ‬يغادرون القصر‮.‬

9ـ قابلت حافط عفيفي‮ ‬باشا في‮ ‬مكتبه وسألته عن السبب في‮ ‬عدم نزول الجيش وقد مضي‮ ‬حوالي‮ ‬الساعة منذ حديثي‮ ‬مع اللواء حيدر شوقي‮ ‬بك واخذت اشرح له من جديد خطورة الحالة وما قد تتطور إليه من حوادث جسام وفي‮ ‬هذه الاثناء حضر حيدر باشا وطلبت منهما رفع الأمر فورا إلي‮ ‬جلالة الملك فتوجه حافظ باشا للتشرف بمقابلة جلالته وبعد قليل استدعي‮ ‬حيدر باشا ايضا للتشرف بالمقابلة الملكية ثم عاد الاثنان وابلغاني‮ ‬بأن جلالة الملك أمر بنزول الجيش‮. ‬وطلب حيدر باشا عثمان المهدي‮ ‬باشا رئيس اركان حرب الجيش تليفونيا من مكتب حافظ باشا عفيفي‮ ‬وبحضوري‮ ‬وكانت الساعة‮ ‬إذالك الثالثة إلا الربع علي‮ ‬وجه التحديد وأخبره بصدور الأمر بنزول الجيش وطلب منه اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ذلك‮. ‬فقال عثمان المهدي‮ ‬باشا أن الامر‮ ‬يقتضي‮ ‬بعض الوقت لاعداد القوات واستدعاء الضباط من منازلهم وقد انصرفوا إليها بعد المائدة الملكية فطلبت من حيدر باشا ان بسأله عن المدة التي‮ ‬سيستغرقها كل ذلك فأجاب عثمان باشا بانها ثلاثة ارباع الساعة وستكون القوات في‮ ‬المدينة في‮ ‬الساعة الثالثة والنصف مساء علي‮ ‬الأكثر‮.‬

وقد رجوت حيدر باشا ان‮ ‬يأمر بنزوال كل القوات التي‮ ‬يمكن الاستعانة بها مع بعض السيارات المصفحة لسرعة تدارك الحالة فقال لي‮ ‬أنه طلب من عثمان المهدي‮ ‬باشا انزال أكبر قوة ممكنة وان عثمان باشا ذكر له أنه‮ ‬يستطيع انزال ألف جندي‮ ‬بسرعة علي‮ ‬ان‮ ‬يعد في‮ ‬نفس الليلة ألفا ثانيا‮. ‬أما بخصوص السيارات المصفحة قرر عدم نزولها إلي‮ ‬الشوارع خشية اعتداء الجمهور علي‮ ‬اطاراتها وتعطليلها بذلك عن الحركة‮. .‬

10ـ ونحن بمكتب حافظ باشا بالقصر في‮ ‬انتظار نزول الجيش إلي‮ ‬المدينة اخبرني‮ ‬معالي‮ ‬حيدر باشا بأن عثمان المهدي‮ ‬باشا اصدر امره إلي‮ ‬الضباط عند تأهبهم‮ ‬لمغادرة القصر عقب المأدبة الملكية بتجنب المرور في‮ ‬ميدان الأوبرا والطرق المحيطة به حتي‮ ‬لا‮ ‬يحتك بهم المتظاهرون‮ . ‬فقلت لحيدر باشا لو ان عثمان باشا علي‮ ‬العكس من هذا أمر الضباط وهم بهذا العدد الكبير بالمرور بسياراتهم في‮ ‬هذه المنطقة‮!! ‬المضطربة بالذات لكفل ذلك القضاء علي‮ ‬هذه الفتنة‮. ‬

11ـ خطرت مدير الامن العام ومحافظ القاهرة بالنيابة وحكمدار البوليس تليفونيا عقب صدور تعليمات معالي‮ ‬حيدر باشا إلي‮ ‬عثمان المهدي‮ ‬باشا بما انتهي‮ ‬إليه الأمر من نزول الجيش وبأن قواته ستكون امام حديقة الأزبكية في‮ ‬الساعة‮ ‬3‭.‬30‮ ‬كما قرر عثمان باشا وكلفت المحافظ بالنيابة والحكمدار بانتظار القوات في‮ ‬هذا المكان في‮ ‬الموعد المحدد واخطاري‮ ‬بمكتب حافظ باشا بمجرد وصول القوات إلي‮ ‬الحديقة‮.‬

12ـ وفي‮ ‬الساعة الرابعة مساء وكانت قد

مضت نصف الساعة علي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬حدده عثمان المهدي‮ ‬باشا لوصول القوات الي‮ ‬حديقة الأزبكية ـ اتصل بي‮ ‬بمكتب حافظ باشا وبحضوره وحضور حيدر باشا كل من المحافظ بالنيابة وحكمدار البوليس واخطراني‮ ‬بعدم وصول القوات إليهما فطلب من حيدر باشا الاتصال مرة اخري‮ ‬بعثمان باشا فاتصل به حيدر باشا مستفسراً‮ ‬عن سبب التأخر فقال عثمان ان القوات تحركت فعلا ولابد ان تكون وصلت في‮ ‬تلك اللحظة إلي‮ ‬المدينة‮. ‬

13ـ في‮ ‬الساعة‮ ‬4‭.‬15‮ ‬اتصل بي‮ ‬محافظ القاهرة بالنيابة مرة اخري‮ ‬بمكتب حافظ‮ ‬باشا وبحضوره وحضور حيدر باشا منبئا بعدم وصول قوات الجيش ومستعجلا لها فاخبرته بما قرره عثمان المهدي‮ ‬باشا من نزول القوات فعلاً‮.‬

14ـ وفي‮ ‬الساعة‮ ‬4‭.‬30‮ ‬بحضور حافظ باشا عفيفي‮ ‬الاتصال مرة أخري‮ ‬بعثمان المهدي‮ ‬باشا فاتصل بي‮ ‬حكمدار القاهرة من‮ ‬حديقة الأزبكية واخبرني‮ ‬بان الجيش لم‮ ‬يصل بعد،‮ ‬وأن الحالة آخذة في‮ ‬الاشتداد فطلبت من حيدر باشا فتصل به تليفونيا وكان رد عثمان باشا هو نفس الرد السابق من‮ ‬ان قوات الجيش قد تحركت فعلاً‮.‬

15ـ في‮ ‬الساعة‮ ‬5‭.‬00‮ ‬اتصل بي‮ ‬محافظ القاهرة بالنيابة بمكتب حافظ باشا واخبرني‮ ‬ان نحو مائة وخمسين جنديا وصلوا الي‮ ‬حديقة الأزبكية منذ دقائق وانهم في‮ ‬انتظار باقي‮ ‬القوات‮.‬

16ـ في‮ ‬الساعة السادسة اتصلت بالمحافظ بالنيابة بالمكتب المؤقت الذي‮ ‬اتخذه في‮ ‬نادي‮ ‬ضباط البوليس بحديقة الأزبكية وسألته عن عدد قوات الجيش التي‮ ‬وصلت إليه حتي‮ ‬تلك اللحظة فأجاب انها حوالي‮ ‬المائتين وخمسين جندياً‮. ‬وان القوات لم تغادر الحديقة وتوزع علي‮ ‬المناطق إلا حوالي‮ ‬الساعة‮ ‬5‭.‬30‮ ‬م فطلبت من حيدر باشا الاتصال مرة اخري‮ ‬بعثمان المهدي‮ ‬باشا وحثه علي‮ ‬الاسراع في‮ ‬انزال أكبر قوة ممكنة فاتصل به فعلا وحثه علي‮ ‬ذلك‮. ‬

17‮ ‬ـ في‮ ‬الساعة‮ ‬6‭.‬30‮ ‬اتصل بي‮ ‬المحافظ بالنيابة بمكتب حافظ باشا وبحضوره وحضور حيدر باشا واخبرني‮ ‬أن قوات الجيش التي‮ ‬نزلت إلي‮ ‬المدينة تمر في‮ ‬الشوارع علي‮ ‬المتظاهرين والمحتشدين امام المحلات فيصفقون لها ولا تطلق النار علي‮ ‬مرتكبي‮ ‬الحوادث فعجبت لهذا النبأ وذكرته لحيدر باشا وحافظ باشا،‮ ‬فاتصل حيدر باشا بعثمان المهدي‮ ‬باشا وانهي‮ ‬إليه ما بلغني‮ ‬من المحافظ فقال له عثمان باشا ان قوات الجيش لا تستطيع اطلاق النار‮ »‬في‮ ‬المليان‮« ‬إلا بأمر كتابي‮ ‬من البوليس وان هذا الأمر الكتابي‮ ‬لم‮ ‬يصل بعد إلي‮ ‬الجيش‮.‬

ولما قال لي‮ ‬ذلك حيدر باشا ثرت ثورة عنيفة وأخذت منه سماعة التليفون ووجهت إلي‮ ‬عثمان باشا عبارات في‮ ‬منتهي‮ ‬الشدة وكان مما قلته له‮: »‬لقد قال لك القائد العام منذ الساعة الثالثة إلا الربع ان جلالة الملك أمر بانزال قوات الجيش الي‮ ‬المدينة لقمع فتنة داخلية وحركة مدبرة لحرق العاصمة واشاعة الفوضي‮ ‬في‮ ‬انحاء البلاد‮. ‬وقال لك انني‮ ‬موجود بالقصر وطلبت ذلك وكنا تستحثك كل ربع ساعة لسرعة انزال هذه القوات فلماذا لم‮ ‬يطلب مني‮ ‬منذ الساعة الثالثة إلا ربع هذا الأمر الكتابي‮ ‬بإطلاق النار؟ ولماذا لم‮ ‬يطلب قائد قسم القاهرة الموجود بحديقة‮ ‬الأزبكية‮ ‬عند الساعة الرابعة في‮ ‬انتظار وصول الجيش وتوزيعه ـ لماذا لم‮ ‬يطلب هذا الأمر الكتابي‮ ‬من حكمدار البوليس ـ مرة أو من المحافظ وهما بجواره منذ ذلك الوقت‮ » ‬ولماذا لم تطلب هذا الأمر الكتابي‮ ‬من حيدر باشا طوال هذا الوقت؟ ولأي‮ ‬سبب إذن نزل الجيش الي‮ ‬المدينة إذا لم‮ ‬يكن لقمع هذه الفتنة ومع ذلك فأنا انهي‮ ‬إليك هذا الأمر بحضور رئيس الديوان الملكي‮ ‬وقائد عام القوات المسلحة فارجو تبليغه فوراً‮ ‬إلي‮ ‬قواتك‮ . ‬كما اني‮ ‬احملك مسئولية التهاون في‮ ‬قمع هذه الفتنة الخطيرة‮ » ‬كما أحملك مسئولية المحافظة علي‮ ‬الأمن بالمدينة‮« ‬فوعدني‮ ‬سعادته باصدار التعليمات اللازمة فوراً‮.‬

18ـ في‮ ‬الساعة السادسة والدقيقة الخمسين مساء‮ ‬غادرت القصر الملكي‮ ‬لحضور اجتماع مجلس الوزراء الذي‮ ‬انعقد بدار رفعت النحاس باشا بمناسبة هذه الحوادث وكان مقررا لعقده الساعة السابعة مساء‮.‬

19‮ ‬ـ في‮ ‬الساعة الثامنة مساء اتصلت بمحافظ القاهرة بالنيابة بحديقة الأزبكية مستفسرا عن الحالة فأخبرني‮ ‬انها تشتد دقيقة بعد اخري‮ ‬وان الجيش لا‮ ‬يطلق النار وانه اضطر في‮ ‬الساعة السابعة والربع إلي‮ ‬توجيه التبليغ‮ ‬الكتابي‮ ‬الآتي‮ ‬نصه إلي‮ ‬سعادة اللواء علي‮ ‬بك نجيب قائد قوات الجيش الموجودة بحديقة الأزبكية بعد ان حادثه شفويا مرارا في‮ ‬هذا الشأن‮. » ‬الحالة خطيرة في‮ ‬المدينة والبلاغات تنهال علينا باحداث حرائق ونهب وسلب‮ .. ‬أرجو التكرم باعطاء أوامر صريحة لمنع استمرار هذه الحالة حيث ان الجيش أصبح هو المسئول الآن عن الأمن‮«.‬

20ـ في‮ ‬الساعة التاسعة مساء واثناء انعقاد مجلس الوزراء اتصلت مرة اخري‮ ‬بالمحافظ بالنيابة وسألته عن مجموع القوات التي‮ ‬وصلت إلي‮ ‬الحديقة حتي‮ ‬تلك اللحظة فقال انها حوالي‮ ‬خمسمائة جندي‮ ‬وان موقفها من حيث اطلاق النار في‮ ‬المليان لا‮ ‬يزال كما هو فاتصلت فورا بمعالي‮ ‬رئيس‮ ‬الديوان الملكي‮ ‬وشكوت إليه من هذه الحالة فقال لي‮ ‬أنه قد سمع ذلك منذ قليل وانه سيتصل فورا بحيدر باشا الذي‮ ‬كان لا‮ ‬يزال موجودا بالقصر الملكي‮. ‬وقد علمت فيما بعد ان المصدر الذي‮ ‬اتصل برئيس الديوان هو المحافظ بالنيابة‮. ‬

21ـ استمرت الحرائق تمتد من مبني‮ ‬إلي‮ ‬آخر ومن محل إلي‮ ‬آخر حتي‮ ‬الساعة الحادية عشرة مساء حيث هدأت الحالة وتوقفت الحوادث‮.‬

22ـ من الثابت رسميا أن كل الحرائق الكبيرة كحريق فندق شبرد وحريق محل شيكوريل وغيرهما قد وقعت بعد الساعة السادسة‮ ‬مساء‮.‬

لم تحدث إصابات

23ـ لم تحدث اصابات قتل أو جرح نتيجة لإطلاق النار في‮ ‬هذا اليوم علي‮ ‬المتظاهرين إلا قتل ثلاثة اشخاص اثناء النهار اثنان منهم أمام محل عمر أفندي‮ ‬والثالث أمام بنك باركليز ومن رصاص البوليس‮.‬

الخلاصة

ويستخلص من هذه الوقائع الثابتة الحقائق الآتية‮:‬

أولاً‮: ‬انني‮ ‬طالبت ان‮ ‬يكون الجيش مستعدا في‮ ‬الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا وقبل وقوع أي‮ ‬حادث حريق‮.‬

ثانيا ـ انني‮ ‬طلبت نزول الجيش إلي‮ ‬المدينة في‮ ‬الساعة الثانية عشرة ونصف ظهراً‮ ‬بعد حريق كازينو أوبرا مباشرة‮.‬

ثالثا ـ انني‮ ‬بعد حوالي‮ ‬نصف ساعة من هذا الطلب ـ ولم‮ ‬يكن الجيش قد نزل بعد ـ طلبت ارجاء هذا النزول مع بقاء الجيش مستعدا وذلك لما طرأ علي‮ ‬الحالة من تحسن كما أخبرني‮ ‬بذلك مدير الأمن العام ووكيل الوزارة المختص بشئون الأمن العام‮.‬

رابعا ـ بعد أقل من نصف ساعة من طلب الإرجاء عدت اطلب بكل قوة وإلحاح نزول‮ ‬الجيش فوراً‮ ‬عن طريق اللواء وحيد شوقي‮ ‬بك الذي‮ ‬امره جلالة الملك بالاتصال بي‮ ‬تليفونيا وكان ذلك في‮ ‬الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر واثناء المأدبة الملكية وقد علمت أن وحيد بك شوقي‮ ‬أنبأ حيدر باشا علي‮ ‬المائدة بكل ما قلته له وبما طلبته‮.‬

خامسا ـ من الساعة الواحدة والنصف إلي‮ ‬الساعة الثالثة إلا ربع مساء لم‮ ‬يكن الأمر قد صدر إلي‮ ‬الجيش بالنزول‮. ‬وقد تفضل جلالة الملك بإصدار هذا الأمر بمجرد ان شرف حافظ باشا عفيفي‮ ‬وحيدر باشا بمقابلته بعد وصولي‮ ‬إلي‮ ‬القصر‮. ‬

سادسا ـ إلي‮ ‬الساعة الثالثة إلا ربع مساء لم تكن التعليمات قد صدرت إلي‮ ‬الجيش بالاستعداد وهذا واضح تماما من حديث معالي‮ ‬حيدر باشا التليفوني‮ ‬مع عثمان المهدي‮ ‬باشا طلب الأخير مهلة للاستعداد وجمع القوات واعداد اللوريات واستدعاء الضباط من منازلهم‮.‬

سابعا ـ لم تنبه رئاسة الجيش علي‮ ‬ضباط الجيش عقب المأدبة الملكية بالتوجه إلي‮ ‬وحداتهم استعدادا للطوارئ بل تركوا‮ ‬ينصرفون إلي‮ ‬دورهم مع التنبيه عليهم من عثمان المهدي‮ ‬باشا بسلوك طرق بعيدة عن تلك التي‮ ‬تقع فيها الاضطرابات حتي‮ ‬لا‮ ‬يحتك بهم المتظاهرون‮.‬

ثامنا ـ لم‮ ‬يبدأ نزول قوات الجيش إلي‮ ‬الشوارع إلا بعد الساعة الخامسة والنصف مساء مع أن الأمر صدر إليها في‮ ‬الساعة الثالثة إلا ربعاً‮.‬

تاسعا ـ كان نزول القوات تباعا وعلي‮ ‬دفعات قليلة العدد ولم تصدر إليها أوامر صريحة بإطلاق النار رغم المحاولات الشفوية والكتابية التي‮ ‬بذلت في‮ ‬سبيل ذلك‮.‬

عاشرا ـ لم تنقطع الحوادث إلا حوالي‮ ‬الساعة الحادية عشرة مساء أي‮ ‬انها استمرت أكثر من خمس ساعات بعد نزول الجيش إلي‮ ‬الشوارع‮.‬

حادي‮ ‬عشر ـ وقعت كل الحرائق الكبري‮ ‬بعد الساعة السادسة مساء‮.‬