بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

كل الأصوات فى مصر عالية إلا صوت الحكمة والعقل!

فى هذه الأوقات  الحرجة والمصيرية التى تمر بها مصرنا العزيزة ، هذه خواطر وآراء ورؤى كاتب صحفى مصرى شاءت له الأقدار أن يرى مصر من الداخل والخارج بعدسات مختلفة فى آن واحد ، .. خواطر ورؤى قد تختلف حولها الآراء، وقد يجانب بعضها الصواب، ولكن بالتأكيد لا ينقصها الصدق :


( 1 ) إن الثورة المصرية لم تندلع لكى تخلق مشكلات جديدة، وإنما هى نبهتنا جميعا إلى وجود مشكلات قديمة لازالت قائمة وثبت عجز النظام عن حلها.

( 2 ) الشعب المصرى لن يرتضى بالحرية والكرامة والعدالة والمواطنة ودولة القانون بديلا.

( 3 ) إن الثوار الحقيقيين لا يتصارعون على سلطة أو مصالح ضيقة ، وشهداء الثورة لم يستشهدوا من أجل سلطة أو نفوذ أو جاه، وإنما من أجل حاضر ومستقبل مصر والمصريين.

( 4 ) دماء شهداء الثورة هى المداد الذى ستكتب به وثيقة الحقوق المدنية والحريات لكل المصريين، وللأجيال القادمة .

( 5 ) متى  تعرف حكومتنا السنية، ومتى يعرف المجلس العسكرى الحاكم الموقر، أن الطريقة المثلى للتعامل مع الأزمات السياسية الحالية هو الإستغلال الكامل لكل أجهزة الإعلام المتاحة والصحافة بالمواجهة المباشرة الشجاعة، وبمزيد من المصارحة والمكاشفة للشعب بكل الحقائق، لا بإخفاء الحقائق والتعتيم وزيادة سرعة  دوران طاحونة الإشاعات والأكاذيب والتكهنات .

.
( 6 ) حاجة غريبة! ،.. كيف يكون فى مصر " إنفلات أمنى" وعندنا هذا الكم من الأسلحة والعتاد؟ ، لماذا لا نستخدم هذه القوات المدربة المدججة بالسلاح فى التصدى للبلطجية وقطاع الطرق؟؟؟؟!!

( 7 ) السياسة هى فن الممكن، وفن الخداع والضرب تحت الحزام، وفى السياسة فإن الأمور ليست وكما تبدو إلى العامة، فما يجرى وراء الكواليس غالبا هو شىء مغاير تماما، يصل فى معظم الأحيان إلى النقيض، أى إلى عكس كل ما يقال لنا .

( 8 ) مهما  كانت مشاعر الثورة والغضب، يجب أن نحكم العقل ونجعله يكبح جماح عواطفنا ومشاعرنا. ، من حقنا كمصريين أن ننتقد أداء المجلس العسكرى فى الأمور السياسية والتى تقبل النقد والإختلاف، ولكنى لا أتفق مع الشعارات التى تطالب بسقوط المجلس العسكرى - كيف يسقط؟! ومن الذى سيقدر على إسقاطه؟ هل هى دعوة مبطنة لحدوث إنقلاب عسكرى؟! ولماذا إذا كان العسكر الذين يحكمون مصر منذ نحو ستين عاما قد جاءوا إلى الحكم نتيجة لإنقلاب عسكرى تحول إلى ثورة فكيف نريد إنقلابا عسكريا آخر؟!! وهل هذا فى مصلحة مصر؟
هل منح أولئك الذين يرفعون هذا الشعار أنفسهم فرصة التفكير الجدى العميق فى العواقب والتبعات والمخاطر التى يمكن أن تنجم عن هذا الإسقاط الذى يطالب به البعض؟! ومرة أخرى من الذى سيسقطه؟ إذا كانت إسرائيل نفسها لا تفكر ولا تقدر على إسقاطه؟
ليس من مصلحة مصر أن يصطدم الشعب بالمؤسسة العسكرية لأنها ورغم كل ما حدث من فوضى وإنفلات فى معظم مؤسسات الدولة هى الحصن الأخير وصمام الأمن، .. لا سبيل أمامنا سوى أسلوب الحوار والتواصل والإقناع مع المجلس، إن لم يكن حرصا على المجلس فعلى الأقل حرصا على الجيش الذى هو جيش الشعب..

( 9 ) قادة المجلس العسكرى فى علاقتهم بالثورة والثوار يعولون كثيرا على عامل " الكم " ويتجاهلون تماما عامل " الكيف"، مثل قولهم: كم يبلغ عدد الثوار؟ أو أن الثوار ليسوا كل الشعب المصرى، وهذا منطق معوج فاسد لا يمكن أن يستقيم، ولا سند له على أرض الواقع، لأننا لو إعتمدنا هذا المنطق فمن حقنا أن نسأل : وكيف إستطاعت دولة صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن 6 أو 7 مليون نسمة مثل إسرائيل أن تكون بكل هذه القوة، وأن تبلغ صادراتها أضعاف أضعاف صادرات دولة كبيرة بحجم مصر، وكيف يكون لديها جيش يتفوق على مجموع الجيوش العربية كلها؟! ، .. الثوار الحقيقيون الذين قاموا بالثورة هم خيرة شباب مصر، ..هم " الكيف" الذى يجب أن يسود باقى شباب مصر ، ويكفيهم  فخرا أنهم قاموا  بما لم يستطع الكبار وأهل الخبرة القيام به، فرفقا بشباب الثورة، وركزوا فى التعامل مع " البلطجية" وقطاع الطرق..


( 10 ) لعبة سياسية غريبة وخطيرة بين الإدارة الأمريكية والمجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وأخطر ما فى هذه اللعبة أن كل طرف من الأطراف الثلاثة له مشاكله مع الطرفين الآخرين، ويلعب لمصلحته أولا ويتصور أنه بمقدوره أن يضحك على شريكيه فى اللعبة، لكن الحقيقة أنه لا أحد يعرف ماذا ستكون نهاية هذه اللعبة الخطرة..

( 11 ) إذا كنا لا نستطيع أن نتفق على أبسط الأشياء، فنحن لا نستحق أى شىء.

( 12 ) بدأت  أشك جديا فى أن رجال السياسة فى هذا البلد من الأميين، إنهم لا يجيدون قراءة الواقع المصرى لا سياسيا ولا أمنيا ولا إقتصاديا ولا إجتماعيا، ولا إعلاميا.

( 13 ) إما أن تصبح مصر قولا وعملا دولة المواطنة ودولة القانون على الجميع من الخفير إلى المشير أو لا تكون.

( 14 )  من الدكتور محمد البرادعى ألا يقبل رئاسة الوزارة الجديدة إلا بشروط ، وإلا سيتم حرقه سياسيا.

( 15 ) أعلم  مسبقا أن كلماتى هذه قد تغضب الكثيرين من المصريين، ولكن الحقيقة دائما صادمة، وهناك حقائق وثوابت كثيرة غائبة عن معظم المصريين ( ومن بينهم بعض الساسة ) وطوال أكثر من ثلاثين عاما :

مصر ومنذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى 26 مارس 1979 وحتى الآن وهى  حماية أو " محمية " أمريكية، فالولايات المتحدة الأمريكية هى الضامن الرئيسى لإستمرار معاهدة السلام ،
وإسرائيل لا تستطيع أن  تعيد إحتلال سيناء أو تلغى المعاهدة دون إتفاق مسبق مع الولايات المتحدة، كما أن مصر لا تستطيع أن تلغى المعاهدة من طرف واحد، ولو قررت أو حتى حاولت القوات المصرية الإنتشار فى كل سيناء بالمخالفة لنصوص المعاهدة فإنها فى هذه الحالة لن تدخل فى مواجهة مع القوات الإسرائيلية، بل ستكون فى مواجهة مباشرة مع الجيش الأمريكى، هذه الحقيقة كان يعلمها الرئيس السادات جيدا حين وقع على المعاهدة، ويعلمها الرئيس حسنى مبارك وكبار القادة العسكريين وبعض كبار الدبلوماسيين المصريين، كما أن قناة السويس وإن كانت ممرا ملاحيا دوليا ومصر مسئولة عن حمايتها على الأقل من الناحية السيادية والفعلية أيضا إلا أنها فى الحقيقة أصبحت " رهينة أمريكية" بمعنى أن حمايتها الفعلية والعملية أصبحت مسئولية أمريكية غير معلنة – إلى جانب القوات المسلحة المصرية - لإعتبارات تخص الأمن القومى الأمريكى بإعتبار أن الولايات المتحدة هى القوة العظمى الوحيدة فى العالم، ومن هذه الإعتبارات أن  نحو أربعة ونصف فى المائة من حجم المعروض من تجارة البترول فى العالم ، ونحو 14 فى المائة من كمية الغاز المسال فى العالم يتم شحنها عبر قناة السويس ، بالإضافة إلى حقيقة أخرى ترتبط إرتباطا وثيقا ومباشرا بالأمن القومى الأمريكى ألا وهى أن الولايات المتحدة لازالت فى حالة حرب فى أفغانستان ، وقناة السويس هى الشريان الملاحى الدولى الذى تمر به سفن الإمداد والتموين التى تحمل الأسلحة والذخائر والبضائع التى تبحر من البحر المتوسط إلى القناة ثم إلى المحيط الهندى ، ثم إلى مدينة كراتشى الباكستانية ، ويتم تفريغ حمولات السفن فى ميناء كراتشى ، ثم يتم شحنها فى شاحنات تتجه بها شمالا إلى أفغانستان ، .. إزاء هذه الأهمية القصوى المتزايدة نستطيع أن نستنتج بوضوح أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بإغلاق القناة تحت أى ظروف، ولذا فقد قامت فى السنوات الأخيرة بتزويد مصر بصواريخ " هاربون" (صواريخ أرض-أرض يبلغ مداها من 180كم إلى 200كم أو أكثر) رغم المعارضة الشرسة لإسرائيل وجماعات الضغط الصهيونى فى الولايات المتحدة لأن هذه الصواريخ يصل مداها إلى إسرائيل . ،.. فى ضوء هذه الحقائق يمكننا بسهولة أن نفهم الكثير من الأمور الغامضة، والتنازلات التى قدمها حسنى مبارك للولايات المتحدة وإسرائيل، والمجلس العسكرى يسير على خطى مبارك فى بعض القضايا الإستراتيجية الحساسة ، وهو لا يسعى أو يريد الصدام لا مع إسرائيل ولا الولايات المتحدة، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بعيدة عن كل ما يجرى فى مصر سواء سلبا أوإيجابا، وسياستها تحير الكثير من المراقبين لأنها كثيرا ما تفعل الشىء ونقيضه فى آن واحد، والفيصل دائما وأبدا هو مصالحها الحيوية الإستراتيجية، والإرادة الجماعية للشعب المصرى الذى قام بثورة حقيقية أربكت كل الحسابات الأمريكية رأسا على عقب، لكن من حسن الحظ أن أمريكا تعلمت درسا قاسيا مريرا ألا وهو أن القوة حتى القوة العظمى لها حدود، كما أنها

دولة براجماتية ديناميكية تتسم بمرونة تقبل أحيانا بالتعامل مع مستجدات الواقع، ولذا فهى لن تقف فى وجه الإرادة الجماعية الحديدية للشعب المصرى ( التى قلما تطفو على السطح) كما فعلت أثناء ثورة 25 يناير عندما لم تقف ضد رغبة الملايين من المصريين الذين طالبوا برحيل الرئيس حسنى مبارك، ..  ليس حبا فى الشعب المصرى ولكن خوفا من ردود فعل وغضبة الشعب الأمريكى الذى كان يتابع الأحداث عن كثب عبر شاشات التلفاز، وحفاظا على مصالحها الحيوية والإستراتيجية..

( 16 ) الغباء داء ليس له دواء، وأخطر أنواع الغباء هو " الغباء السياسى"، وللأسف لا توجد له فى القانون تهمه أو عقوبة .

( 17 ) مصر  تستحق مكانة أفضل مما هى عليه ألف مرة، لكن عليها أولا أن تنفض الأقزام والمنافقين وتجار الدين ، وقرود السياسة عن أكتافها .

( 18 ) هناك مثل نيجيرى يقول: " الفأر يخرج لسانه للقط فى حالة واحدة فقط : إذا كان يقف بجوار جحر" .
ثوار مصر لا هم قطط ولا فئران، وإنما أسود ستردم جحور الفئران.

( 19 ) ضباط الشرطة الشرفاء هم أيضا من ضحايا الفاسدين الكبار والصغار فى جهاز الشرطة المصرية، وهم السبب الرئيسى فى إحباطهم فى عملهم وليست الثورة أو الثوار.

( 20 ) المجلس العسكرى الحاكم الذى يدير شئون البلاد يملك كل السلطة وكل القوة المادية فى مصر، ولكن هذا لا يعنى أنه يستطيع أن يفعل كل ما يشاء وكيفما يريد، لأن القوة، حتى القوى العظمى لها حدود

( 21 )  يجب على أولى الأمر فى مصر أن يعلموا جيدا أن العنف يؤدى إلى مزيد من العنف، وأن الإستخدام المفرط للقوة ضد شباب مسالم وعلى قدر وافر من التعليم والثقافة، قد يدفع بالأمور إلى ما لا يحمد عقباه، وقد يؤدى دون قصد إلى خلق حالة جديدة من الفكر الراديكالى المتطرف بين بعض الشباب الذين ربما يلجأون مضطرين إلى العمل السرى المنظم تحت الأرض،لقد حدث ذلك فى دول كثيرة فى العالم ومن بينها مصر فى وقت من الأوقات ، قبل الثورة فى العهد الملكى وبعد الثورة ،.. إنه قانون النتائج العكسية أو إنقلاب السحر على الساحر.


( 22 ) الإعلام المصرى الحكومى والخاص، .. قبل الثورة وبعدها، هو أحد الأسباب الرئيسية المسئولة عن تغييب الوعى والعقل المصرى، ومنذ شهر فبراير الماضى وحتى اليوم فإن الإعلام بصفة عامة والخاص على وجه الخصوص دأب على فرض وجوه وشخصيات معينة على المشاهد المصرى الذى بدأ يشعر بالسأم والملل منها، ويوجد فى مصر الآن جماعات ضغط أو لوبى إعلامى له مصالحه الخاصة وأجندته السياسية، ورغم كل هذا، وبالرغم من الأزمة الراهنة وحالة الإحتقان أقول وبكل ثقة أن مصر بخير وثرية بشخصيات محترمة جدا وعلى درجة كبيرة من الثقافة والوعى والوطنية ومن كل الأعمار بما فيهم الشباب، ولكن عامة المصريين لا يعرفونهم لأنهم لا يظهرون فى إعلام الفضائيات .

( 23 ) لاحظت  أن تعبير أو مصطلح " أجندة سياسية" له مدلول سلبى سىء وخاص جدا فى مصر، .. كل حزب سياسى فى العالم بما فيها الولايات المتحدة نفسها ، سواء كان فى الحكم أو المعارضة له أجندة سياسية ولا يوجد خطأ أو ضرر فى هذا، .. الخطأ كل الخطأ هو أن تقوم بتغليب " أجندتك السياسية أو الخاصة " على مصالح البلاد العليا، وهذا لا يحدث فى الدول الديمقراطية العريقة .

( 24 ) مصر لا تعيش فى جزيرة منعزلة وسط هذا العالم ، يوجد فى العالم الخارجى من يراقب ويرصد الأحداث الجارية فى مصر وبدقة، إستخدام الأسلحة المحرمة دوليا مثل الأسلحة الكيماوية جريمة من جرائم الحرب، وهى مثل جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم، ومن يرتكبها ، حتى بعد خروجه من الخدمة ومهما علت رتبته أو مركزه يمكن أن يلاحق قضائيا أمام المحاكم الدولية مهما طال الزمن.

( 25 ) مفردات  وتعبيرات مثل " خونة، وعملاء، ومندسين، وقلة مندسة ، وفلول، وجواسيس، وقابضين أموال، ..الخ" لا تجدها إلا فى قاموس الدول المتخلفة وأنظمة الحكم القمعية المتسلطة، لم أسمع فى حياتى هذه المفردات فى أى دولة من الدول الديمقراطية العريقة التى يحكمها الدستور والقانون، حتى الجواسيس يقبض عليهم ويحاكموا طبقا للقانون، .. إذا كان النظام عندنا يطلق هذه المفردات على أشخاص وجماعات بعينها فلماذا لا يتم القبض عليهم إذا كانت لديه أدلة ويحاكمهم؟ ، إذا كانت لدى النظام أدلة ولم يقدمهم للمحاكمة فهو مقصر فى أداء وظيفته، وإذا كان يطلق التهم جزافا ودون دليل فهذا قذف وتشهير وهى جريمة يعاقب عليها القانون المصرى كل من يرتكبها   
         
( 26 )   نداء عاجل :

السيد المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة::
السادة جنرالات المجلس العسكرى الموقر :
أيها المصريون الشرفاء فى كل أنحاء مصر ، فى الداخل وفى الخارج ::

إختلفوا سياسيا كما تشاؤون ، فالإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، وليكن الإختلاف من أجل مصلحة مصر ، وبطريقة متحضرة لأن مصر فى الأصل دولة حضارية ، صنعت حضارة عظيمة وصدرتها للعالم كله، ولكن وأنتم تختلفون حذارى أن تتزعزع أو تهتز ثقة الشعب المصرى فى الجيش وفى المؤسسة العسكرية، لأننا لو أفتقدنا هذه الثقة إفتقدنا كل شىء، ..فليرتفع الجميع إلى مستوى المسئولية فى هذه اللحظات الحرجة العصيبة من تاريخ مصر، .. ولنتق الله جميعا فى مصرنا، .. مصر التى كرمها الله عز وجل دون غيرها من البلاد بذكرها فى القرآن الكريم خمس مرات، .. مصر التى تحرسها دائما العناية الإلهية ، وهى الحارس الحقيقى لمصر.
- - - - - - - -

كاتب صحفى مصرى – كندى
[email protected]

 

.