بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

الدين لله‮.. فهل مصر للجميع ؟

علي أرض هذا الوطن،‮ ‬عاش المسلمون والأقباط إخوة متحابين كالنسيج الواحد،‮ ‬شركاء في الدفاع عن مصالحهم المشتركة‮.‬

ولم تشهد السنوات الماضية محاولة للوقيعة بينهما،‮ ‬إلا وينتفضا محاولين طرد الأيادي الخبيثة الخارجية التي تريد تفكيك وحدة الصف،‮ ‬وإحداث الفتنة،
سجل التاريخ العديد من المواقف المشرفة لكل من المسلمين والأقباط في الدفاع عن الوحدة،‮ ‬والتأكيد أنهم يعيشون علي أرض مصر تحت مظلة‮ »‬الدين لله والوطن للجميع‮«.‬
ومن هؤلاء البطاركة البابا‮ »‬بطرس الجاولي‮«‬،‮ ‬البطريق‮ (‬109‮) ‬الذي رفض تدخل روسيا لحماية الأقليات عندما شعرت روسيا بالخوف من نفوذ محمد علي الذي قد يمنع تغلغلها في الشرق،‮ ‬فحاولت الاستعانة بالأقليات في تنفيذ مخططها،‮ ‬فبعثت بأحد أمرائها ليفاوض بطريرك الأقباط البابا بطرس الجاولي،‮ ‬لوضع الأقليات تحت حماية قيصر روسيا العظيم،‮ ‬فما كان من البابا إلا أن سأل الأمير سؤالاً‮ ‬أثار دهشته وغيظه في الوقت نفسه‮: ‬هل قيصركم يحيا للأبد؟
فقال الأمير‮: ‬لا ياسيدي البابا يموت كسائر البشر،‮ ‬فرد عليه البابا‮: ‬إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت،‮ ‬أما نحن الأقباط فنعيش تحت حماية ملك لا يموت للأبد،‮ ‬وهنا خجل الأمير وانصرف‮.‬
وعندما توجه هذا الأمير لمقابلة محمد علي باشا سأله‮: ‬هل أعجبتكم مصر وأثارها،‮ ‬أجاب الأمير‮: ‬نعم ما أعظم أبا الهول وما أروع الأهرامات‮.‬
وأضاف لكن شيئاً‮ ‬آخر آثار إعجابي أكثر من هذا وذاك،‮ ‬وطنية بطريرك الأقباط،‮ ‬ثم قص عليه ما حدث مع البابا،‮ ‬فأعجب محمد علي باشا بهذا البطريرك،‮ ‬وتوجه بنفسه إلي الدار البطريركية ليقدم تقديره وشكره الخاص إلي البابا،‮ ‬فقال له البابا‮ (‬لا شكر لمن قام بواجبه نحو بلاده‮) ‬فرد عليه محمد علي والدموع تنهمر من عينيه‮: ‬لقد رفعت اليوم شأنك وشأن بلادك،‮ ‬فليكن لك مقام محمد علي بمصر،‮ ‬ولتكن لك مركب معدة كمركبته‮.‬
ولن ينسي التاريخ أيضاً‮ ‬البابا كيرلس الرابع‮ »‬البطريرك‮ (‬110‮) ‬للكنيسة القبطية الملقب بـ»أبي الإصلاح‮« ‬الذي اهتم بنشر الثقافة في مصر،‮ ‬وأسس العديد من المدارس،‮ ‬وكان يقبل فيها كل أبناء مصر دون تفرقة بين أقباط ومسلمين‮.‬
ويذكر المؤرخون أن نجاح هذه المدارس دفع كبار علماء مصر إلي المشاركة في تشجيعها،‮ ‬والإشراف علي امتحاناتها،‮ ‬وفي مقدمتهم رفاعة الطهطاوي،‮ ‬كما قام ببناء دار بجوار البطريركية وهي أول مدرسة أهلية للأقباط في القطر المصري،‮ ‬ضمت تلاميذ من كل المذاهب والأديان بلا تمييز،‮ ‬الأمر الذي خلق ارتياحاً‮ ‬عاماً‮ ‬لدي الشعب المصري،‮ ‬وهو أول من أنشأ مكتبة عامة،‮ ‬ثم عممها في جميع المدارس التي أنشأها،‮ ‬حتي إن إحدي هذه المكتبات بلغت شهرتها رئيس الوزراء يوسف باشا وهبي،‮ ‬وأهدي لها مكتبته الفنية‮.‬
أما البابا كيرلس الرابع فكان أول من اهتم بتعليم الفتاة في الشرق العربي كله،‮ ‬وأنشأ مدارس لتعليم الفتيات،‮ ‬وعندما اعترض بعض الرجعيين قدموا شكوي للوالي الخديو إسماعيل،‮ ‬ووقف في صف البابا،‮ ‬وأوقف أفدنة من ماله الخاص لكي يصرف منها البابا علي هذه المدارس،‮ ‬أما الخديو سعيد،‮ ‬فقد بعثه إلي إثيوبيا لتحسين العلاقات معها،‮ ‬وبذلك كان بمثابة سفير لمصر هناك‮.‬
كما كان كيرلس الرابع وطنياً‮ ‬غيوراً‮ ‬جداً،‮ ‬وتجلي ذلك في دفاعه والأقباط ضد إشاعة مغرضة هي طلبه من الخديو إعفاء الأقباط من الخدمة العسكرية‮.‬
وقال بالنص الواحد‮: »‬حاشا أن أكون جباناً‮ ‬بهذا القدر حتي لا أعرف الوطنية أو أفتري علي أبنائي الأقباط بتجردهم من محبة وطنهم ورفض خدمته والدفاع عنه وحماية حدوده وأرضه‮.‬
ومن نوادره أيضاً‮> ‬يذكر أنه عندما كان قساً‮ ‬مر متعمداً‮ ‬في طريق علي جانبه مسجداً‮ ‬منهدم فوجه اللوم للمسلمين علي تركه بهذه الحالة،‮ ‬ووعد بمساعدتهم إذا هم شرعوا في بنائه‮.‬
وكانت فترة رئاسة البابا كيرلس البطريرك‮ (‬112‮) ‬للكنيسة القبطية مواكبة لفترة الاحتلال البريطاني،‮ ‬وأراد الإنجليز كعادتهم أن ينشروا بذور الفرقة والاختلاف بين عنصري الأمة،‮ ‬فأرسلوا ما كانوا يسمونه ـ آنذاك ـ بالمندوب السامي،‮ ‬الذي جاء ليساوم البابا كيرلس الخامس،‮ ‬علي حماية التاج البريطاني للأقليات في مصر،‮ ‬فما كان من البابا العظيم إلا أن قال له‮: ‬يا ولدي إن الأقباط والمسلمين يعيشون جنباً‮ ‬إلي جنب منذ أقدم العصور،‮ ‬ويتعايشون في البيت الواحد‮.‬
وفي المصلحة يجلسون في مكاتب مشتركة،‮ ‬ويأكلون من أرض طيبة واحدة،‮ ‬يشربون من نيل واحد،‮ ‬ويتلاحمون في كل ظروف الحياة في السراء والضراء،‮ ‬ولا يستطيعون أن يستغنوا عن بعض،‮ ‬ولن نطلب حماية نحن الأقباط إلا من الله ومن عز مصر،‮ ‬فخجل الرجل وأبلغ‮ ‬حكومته بهذا الموقف الحكيم،‮ ‬فأدرك الإنجليز أن الوحدة الوطنية في مصر قوية،‮ ‬ومن هذا المنطلق لم يستطع‮ »‬اللورد كرومر‮«‬،‮ ‬إلا أن يضع هذه الشهادة المشرفة في تقريره الذي جاء فيه‮: »‬إن الفرق الوحيد بين القبطي والمسلم هو أن الأول مصري يعبد الله في كنيسته،‮ ‬والثاني يعبد الله في مسجده‮.‬
ويروي عن الأنبا كيرلس الخامس أيضاً‮ ‬أنه كان علي علاقة قوية بالزعيم الوطني سعد زغلول فكان يزوره ويدعو له بالتوفيق،‮ ‬وخاصة بعد قيام ثورة‮ ‬1919،‮ ‬حيث جعل من كنائسه منابر للخطباء،‮ ‬وأمر القساوسة أن يتعاونوا مع شيوخ الأزهر في توعية المصريين علي طلب الاستقلال ووحدة وادي النيل‮.‬
وعندما شكل الوفد المصري برئاسة سعد زغلول والذي سافر إلي لندن في‮ ‬11‮ ‬أبريل‮ ‬1919،‮ ‬لمفاوضة الإنجليز في الاستقلال،‮ ‬كان من
بين أعضائه أربعة من وجهاء الأقباط هم‮ (‬سينوت حنا وجورج خياط وويصا واصف ومكرم عبيد‮«.‬
ودائماً‮ ‬ما يؤكد البابا شنودة،‮ ‬علي أن للأقباط صداقات عديدة في التاريخ الإسلامي،‮ ‬وأن الإسلاميين اعتمدوا علي الأقباط في ميادين عدة أبرزها التعليم والطب والهندسة والأمور المالية،‮ ‬ففي التعليم نري أن الخليفة معاوية ابن أبي سفيان اختار رجلاً‮ ‬مسيحياً‮ ‬لكي يؤدب ابنه زياد،‮ ‬وزياد اختار كاهناً‮ ‬مسيحياً‮ ‬حتي يؤدب ابنه خالداً‮> ‬وكذلك الخليفة عبدالملك ابن مروان،‮ ‬كان يتخذ‮ »‬يوحنا الدمشقي‮« ‬مستشاراً‮ ‬له‮.‬
واختار المعلم القبطي المشهور‮ »‬أثناسيوس‮« ‬ليؤدب أخاه عبدالعزيز،‮ ‬وعندما أصبح عبدالعزيز ابن مروان حاكماً‮ ‬لمصر أخذ إثناسيوس معه كمستشار،‮ ‬ونجد أن الأخطل كان من الشعراء المسيحيين المشهورين،‮ ‬اندمج في مجموعة متلازمة مع جرير والفرزدق،‮ ‬وعندما كان الأخطل يدخل إلي مساجد المسلمين،‮ ‬كان المسلمون يقفون له،‮ ‬إجلالاً‮ ‬لعلمه وأدبه،‮ ‬كما يروي التاريخ الإسلامي‮.‬
وفي التاريخ أيضاً‮ ‬كثيرون من الخلفاء المسلمين اهتموا بالمسيحيين من كل ناحية،‮ ‬فقد كان محمد بن طنج الإخشيدي يبني بنفسه الكنائس،‮ ‬ويتولي ترميمها ونجد أن الذي بني كنيسة‮ »‬أبي سرجة‮« ‬بمصر القديمة هم الخلفاء الراشدون،‮ ‬وكنيسة‮ »‬ابن سيفين‮« ‬والقديس‮ »‬ماركريوس‮« ‬بمصر القديمة تولي الاهتمام بها الخليفة‮ »‬العزيز بالله الفاطمي‮«.‬

وكان أحمد بن طولون من أكثر المحبين للأقباط،‮ ‬حيث اختار قبطياً‮ ‬لكي يبني له مسجده‮ (‬مسجد أحمد ابن طولون‮)‬،‮ ‬واختار مسيحياً‮ ‬لكي يبني القناطر،‮ ‬وكان‮ »‬ابن طولون‮« ‬يذهب كثيراً‮ ‬لزيارة‮ »‬دير القصيد‮« ‬وكان علي صلة وثيقة برهبانه،‮ ‬كما كانت الأديرة المصرية مجالاً‮ ‬لالتقاء الخلفاء والولاة وكانوا يحبونها ويقضون فيها الكثير من الوقت،‮ ‬ويصادقون أساقفتها ورهبانها‮.‬

ويعد القمص‮ »‬بولس باسيلي‮«‬،‮ ‬كاهن كنيسة‮ »‬مارجرجس الجيوشي‮«‬،‮ ‬أول وآخر كاهن قبطي حتي الآن يدخل البرلمان بالانتخاب الحر عن دائرة شبرا في الفترة من‮ ‬1971‮ ‬وإلي‮ ‬1975،‮ ‬واشتهر بالخدمات العامة سواء للمسلمين أو المسيحيين،‮ ‬وأنشأ عدد معه مؤسسات الخدمة الاجتماعية الضخمة‮: ‬المكفوفين والمغتربين من الرجال والنساء في حي شبرا،‮ ‬وكانت هذه المؤسسات تخدم جميع مدن مصر‮.‬

وكان‮ »‬باسيلي‮« ‬خطيباً‮ ‬مفوهاً‮ ‬له أسلوب قوي ومطلع في‮ ‬جميع المجالات إلي جانب مؤسسات التنمية التي أدارها بمهارة وحصل علي العديد من الأوسمة منها‮: ‬قلادة مصر من السيدة جيهان السادات لإنجازاته الاجتماعية‮.‬

كان صدقي باشا رئيساً‮ ‬للوزارة ووزير الداخلية،‮ ‬وقد ضاق ذرعاً‮ ‬بتمكن النحاس باشا من الوصول إلي الجماهير في مختلف المدن والقري،‮ ‬والتي كانت تشتعل فيها المظاهرات المعادية للحكومة والمطالبة بإسقاط الدستور الملكي دستور‮ ‬30‮ ‬وعودة دستور‮ ‬23،‮ ‬وكان النحاس باشا عندما يصل بالقطار إلي إحدي المدن،‮ ‬غلق الجنود المحطة ويتم منعه من الخروج،‮ ‬ويظل قابعاً‮ ‬إلي أن يعود إلي القاهرة،‮ ‬فيبادر إلي التسلل إليها بالسيارة،‮ ‬مثلما فعل في مدينتي بني سويف والمنصورة،‮ ‬عندما أمر‮ »‬صدقي باشا‮« ‬بإطلاق الرصاص علي النحاس باشا في سيارته ليتخلص منه،‮ ‬ولكن الجماهير أحاطت به ونجا النحاس باشا ولم يصب،‮ ‬بينما كانت المدينة كلها قد أصبحت شعلة متقدة بالوطنية والفداء،‮ ‬وقد أدرك صدقي أن محاولة قتل النحاس بالرصاص لن تتم،‮ ‬فقرر أن يقتله طعنا بحربة مسمومة،‮ ‬وهو ما وقع بالفعل حينما زار النحاس باشا المنصورة،‮ ‬حيث هبت الجماهير لتحيته واستقباله،‮ ‬وكان إلي جواره رئيس لجنة الوفد بالمنصورة،‮ ‬وقتها،‮ »‬سنيوت بك حنا‮« ‬وبين ضربات الجند للجماهير،‮ ‬تقدم جندي من فرقة الهجانة السودانية،‮ ‬حيث انقض بحربة مسمومة علي صدر النحاس باشا،‮ ‬فارتمي‮ ‬سينوت حنا علي صدره وتلقي الطعنة عنه،‮ ‬ولقي مصرعه ومات شهيداً‮«.‬