رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

منتهي الوحشية والخسة واللا إنسانية عندما يغتال إرهابي.. مسئولاً أو جنديا حتى ولو كان بتفجير نفسه المفخخة بالكراهية.. لكن الجريمة الأكبر أن يتم اغتيال تاريخ فنان عالمي مثل عمر الشريف بالتنكر له حيا وميتا واتفاق الجميع على اغتياله في وضح النهار بتجاهل قيمة فنية وثقافية عالمية عرفت الملايين حول العالم على مصر «اللى منها عمر الشريف».

 ومن المحزن والمقرف ايضا أن تجار الكلام في مصر خاصة خبراء المصالح والانحطاط القيمي «صدعونا» بالكلام عن القوة الناعمة.. ألم يكن عمر الشريف خلال مايقرب من ستة عقود مؤسسة فنية وثقافية عالمية تحمل اسم مصر وتطوف بنا حول العالم.. جنازة عمر الشريف يوم الأحد الماضي كانت اقرب لمشهد سينمائي مكثف يشير إلى أمة فقدت وعيها وإلى نخب ماتت ضمائر رموزها وإلى وسط فني لايجيد إلا الطبل والزمر والكذب والسير في جنازات «كلاب العمد» ونفاق أولى الأمر، ومن بيدهم مفاتيح الرزق في هذا البلد.

 غاب التمثيل الرسمي عن جنازة عمر الشريف وغابت الأحزاب والنقابات إلا فيما ندر وكأن الجثمان المحمول الى مثواه الأخير يخص رجلا من عابرى السبيل دهسته عجلات الزمن الرديء.

عمر الشريف لم تمنحه الدولة جائزتها ولا أوسمتها التي منحتها لشخصيات حملت لقب مثقفين وكتاب.. وزير ثقافة أسبق منح نفسه جائزة الدولة قبل عامين ولم يحاسبه أحد على أن إنتاجه الفكرى لايرقى إلى جائزة مدرسية.. كتاب الدولة حصلوا على جوائز متتالية بحق من يقفون في طابور معاشات المتقاعدين عن الابداع.

لماذا هانت كل قيمة جميلة في هذا البلد علينا وعلى من بيدهم أن يحتفوا ويكرموا؟.. ألم يكن عمر الشريف يستحق وبجدارة أن تنظم له جنازة رسمية تشرف على تنظيمها وزارة الثقافة أم ان الوزير الحالي لايعرف من هو عمر الشريف؟.. لماذا لم يمنح عمر الشريف جائزة الدولة وجائزة النيل ووسام الدولة؟.. حكي لي المرحوم المخرج الكبير صلاح أبو سيف ذات مرة التقيته بمقهى البن البرازيلي بشارع طلعت حرب أن عمر الشريف دفع ثمن وطنيته بأن ظل خارج دائرة هوليوود لأنه رفض طوال عمره المشاركة في أعمال فيها شبهة دعاية للصهيونية واسرائيل، ونحن للأسف كافأناه حيا وميتا بالتجاهل المدفوع بالجهل والتخلف والتقزم الفني والثقافي.. وأمام بؤس الحال الذي يطاردنا وسيظل يطارنا يتساءل البعض لماذا تراجع الشعور بالانتماء الوطني عند المصريين خاصة الشباب؟ وكأن أحدا لايدرى السبب.

 ببساطة ياسادة الانتماء الوطني شعور لايتكون ويقوى بأغنية مدفوعة الأجر لنصف مطرب أو ربع مطربه، ولا ببطولة كروية حصلنا عليها ولا باستجداء عواطف الناس.. الوطنية حالة تاريخية تتكون ويكبر الشعور بها بالتراكم عندما يدرك اي شعب أنه محل تقدير قيادته وأن العدل أساس الملك وأن القانون لايوضع لعقاب الفقراء والبسطاء فقط وأن الوفاء صفة المرحلة واللحظة وان الفقر ليس قدرا محتوما يلاحق أجيال بعينها وأن الثروة ليست هبة سرية توزع على المتنفذين في الغرف المغلقة ليكتنزها مائة أو مئتنان ويحرم منها شعب بأكمله.

الشعور الوطني الصادق والقوى والفوار يولد ويكبر من الزواج الشرعي بين الثروة وعموم الناس، وغير ذلك فإنه حمل سفاح من علاقة آثمة بين من يملك كل شيء ومن لايحاسب على أي شيء.. وبيده أن يحاسب.. الانتماء يتراجع ويموت عندما يدرك شعب بأكمله أن قدره أن يموت دفاعا عن أرض رواها بدمه ليسرق غيره ثمرها ويحول شواطئها إلى شاليهات وبورتوهات.

عمر الشريف مات ودفن في مصر من دون حفاوة تليق به، وعزاؤه أنه سيظل كريما ومكرما في ذاكرة العالم الذي يدرك عظمة جيل الستينيات في السينما العالمية وفي صدارته عمر الشريف.. أعظم تكريم لعمر الشريف تابعناه فيما صدر عن وكالات الانباء العالمية وصدر عن كبار فناني العالم بحق رجل لم نعرفه كما لم ولن نعرف كثيرين غيره من المبدعين الذين فضلوا طوال حياتهم أن يقولوا كلمتهم ويقدموا إبداعهم ويمضوا غير مبالين بضوضاء الطبالين ومهرجي السلاطين والعاطلين بالوراثة على أرصفة السلطة بانتظار جائزة.. رحم الله عمر الشريف الذي من سوء حظه أن مات في عصر اعتلت فيه الصراصير مقاعد الحكماء والنجباء.

[email protected]