عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صواريخ

لا شك أن التجربة السياسية المصرية لم تشهد تراكماً في الممارسات الديمقراطية علي نحو يمكن التعويل عليه كثيراً ونحن نناقش ما إذا كانت الحكومة قد قدمت برنامجاً بالفعل أم لا. وهو أمر تتحمل أوزاره نظم حاكمة متعاقبة لم يكن لديها الإرادة السياسية الحقيقية لبناء مجتمع ديمقراطي سليم.

لقد تبين من خلال ما جري في البرلمان يوم السابع والعشرين من مارس، أن إشكالية واقعنا السياسي يمكن رصدها من خلال ما نواجهه من قصور في مفهومنا تجاه «البرنامج السياسي» بشكل عام، فهو أمر وثيق الصلة بما قدمه رئيس الحكومة من «برنامج» يستهدف به نيل ثقة البرلمان، فهو بمثابة برنامج انتخابي بالضبط، مثله مثل برنامج يقدمه مرشح للرئاسة، أو يقدمه حزب يشارك في انتخابات نيابية، أو حتى يقدمه حزب يتطلع إلي التأسيس.

فواقع الأمر أن «البرنامج» لا يمكن أن ينشأ في فراغ مثلما نصنع في كثير من منعطفاتنا السياسية؛ وبالتالي منوط بالبرنامج تحديد خطة عمل مفصلة، تعالج ملفات بعينها، بتواريخ محددة، وأدوات واضحة، يمكن علي أساسها إعمال كافة مبادئ الحكم الرشيد المعنية بالمحاسبة والمسائلة؛ بحيث تخضع لسيادة القانون، مثلما تخضع للرقابة الشعبية المباشرة، والنيابية علي السواء.

والواقع أن شيئاً من ذلك لا أثر له في حياتنا السياسية، انظر إلي الأحزاب، وهي المدرسة المنوط بها إعلاء شأن كافة محاور التنمية السياسية، إن وجدت لها برامج فستجدها مكررة، وتكاد تكون منقولة نصاً من حزب إلي آخر، ومضمونها مجرد شعارات جوفاء، لا يمكن من خلالها تقييم ورصد جهد الحزب في الشارع. والحال نفسه لو تقدم الحزب للانتخابات النيابية.

من هنا، فإن ثقافة «البرنامج السياسي» تغيب عن حياتنا السياسية، ولا يمكن أن تحل محلها عبارات إنشائية، وإن استهدفت خيراً!، ولا تغني عنها آمال عريضة وإن كانت مشروعة. ذلك أن في غياب «برنامج» حقيقي لا يمكن وضع سياسات تراكمية تبني علي ما سبقها، وتؤسس لما يليها من جهود وطنية.

أقول ذلك، وبرنامج حكومة المهندس شريف إسماعيل ما زال محل الدراسة البرلمانية؛ ومن ثم يمكن إعادة صياغته وفق محددات حاكمة، يشارك فيها نقاش مجتمعي واسع النطاق، من شأنه أن تنجح التجربة المصرية في بلورة برنامج حقيقي، له رؤيته، وأهدافه، وتوقيتاته، وأدواته؛ ومن ثم نصحح بذلك أحد المفاهيم المشوهة داخل تجربتنا السياسية، عسي أن تمتد الجهود إلي إصلاح غيره من المفاهيم التي أهدرنا مضمونها الديمقراطي، لعل أهمها ما يتعلق بالأحزاب السياسية، باعتبارها السبيل المؤكد إلي تحول ديمقراطي حقيقي، مهما كان بها من هشاشة وضعف في بنيتها، وتراجع كبير في موقعها داخل أوساط الرأي العام. فليس من شك أن الأحزاب تشكل نقطة الانطلاق الدقيقة لتصحيح مسارنا الديمقراطي، وما به من تشوهات.

ولو أن القائمين علي «برنامج» الحكومة المقدم إلي مجلس النواب قد اجتهدوا أكثر من ذلك، ونجحوا في تقديم جديد تنمو معه الآمال الثورية المتطلعة إلي آفاق أرحب من التقدم، لظهر ذلك مبكراً في حوار مجتمعي حقيقي، تستكشف به الحكومة ما لدى الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية كافة من رؤى وأفكار، لتتكامل مع ما لدى الحكومة من حقائق ومعلومات غير متوفرة خارجها عن ملفات كثيرة؛ ومن ثم ما كان للحكومة أن تتخفي بهذا الشكل خلف عبارات إنشائية مطاطة، وأهداف في حالة سائلة لا يمكن ضبطها بدقة.

غير أن ثقة في نيل الثقة البرلمانية ربما أطاح بفرصتنا في رؤية برنامج حكومي جاد، كان في ذاته سيشكل مكسباً لحياتنا السياسية، وهو أمر لطالما حذرنا منه كثيراً؛ فليس في ظل شعبية الرئيس يمكن أن تحيا الحكومة طويلاً، ولن تغني شرعية تنالها الحكومة بثقة البرلمان عن شرعية الإنجاز الذي يحقق الطموحات الشعبية المشروعة بذاتها.

  ‏ [email protected]