رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رأينا فيما سلف من البيان أن تحولاً جذرياً أصاب مسيرة العقوبة وانتقل بها من دائرة الانتقام الى رحاب الرحمة والعدل واعلاء شأن الإنسان فى ضوء الحكمة الإلهية «ولقد كرمنا بنى آدم» وها نحن الآن نواصل مسيرة انتصار الفكر الانسانى وإعلاء شأن الانسانية فى ذلك التحول التاريخى الذى أصاب العقوبة من محل القسوة والغلظة وسوء المصير والاهتمام فى مناقشة أمر «الجريمة» الى مواجهة انسانية «المجرم».

ونواصل المشوار التاريخى:

«حيث ظهرت الجريمة فى صورة مرض يجب علاجه تماماً كالأمراض النفسية، وعلى المشرع أن يهتم بجبر الضرر، فيصلح ما فسد، ويقوم ما هلك، ويبرئ ما مرض، ثم يسعى بعد دفع التعويض الى التآلف بين الفاعل والمضرور، حتى يسود التفاهم والحب بدلاً من التعدى والبغض».

ووقف الفيلسوف ذو الاتجاه الإنسانى أفلاطون يتحدث عن محاور ثلاث في هذا المضمار، معلناً أن فلسفة العقوبة وجب ألا تلتفت الى الماضى بل وجب أن تتطلع الى المستقبل، فى سبيل تحديد الغايات الثلاث الآتية:

(أ) جبر ما حدث من ضرر، (ب) إصلاح من «وما» هو قابل للاصلاح، (ج) إقصاء من لا يرجى له الشفاء.

وكانت النتيجة السارة أن بدأ التحول من النظر إلى الجريمة إلى معالجة موقف المجرم: «نفسية المجرم فى المقام الأول» ثم تتبع تربيته، ظروف وعوامل البيئة، مسئولية المجتمع»، إنها إذن ثورة قد حدثت فى النظام العقابى: إنها إذن انسانية الانسان التى وجب أن يقام صرحها حتى فى مواجهة النظام السيادى للدولة.

وعلينا أن نذكر أهم المبادئ التى كانت مصابيح نور فى ظلمات الفكر العقابى، والتى أخذت به صوب فجر جديد، منها:

1- مبدأ شرعية العقوبة فلا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، ووجب أن يكون العدل أساس القانون ومن ثم أساس العقاب، مبدأ الظروف المخففة بكافة صورها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مبدأ الشك لصالح المتهم، مبدأ المتهم برىء حتى تثبت إدانته بحكم قضائى، لا يضار طاعن بطعنه.

وتعود للضوء الفلسفى الذى أنار ظلمات العقول والمجتمعات، فهذا أفلاطون ينادى «بأن إرادة المذنب لا دخل لها فى الظلم، حيث أن الرذيلة صنيعة الجهل، تتبدد بنور المعرفة، وغاية العقوبة الاصلاح، وعلاج المجرم كعلاج الأمراض النفسية، إذ المجرم غير مخير فيما يرتكبه فجزاؤه من ثم يكون التهذيب».

وكان ظهور نجم تلألأ فى سماء الجريمة والعقوبة: إنه الأشهر «قيصر لامبروزو» ذلك الطيب الايطالى الذى وسعت شهرته الآفاق جاء هذا الطبيب «ليشرح الانسان» وكانت دعوته الأولى فى لم التشريح الانسانى: التركيز على دراسة المجرم.

وتبعه صديق له ومعاصر التقى مع الجريمة والمجرمين فى القضاء بحكم عمله، إنه القاضى جاروفالو، ثم انضم إليهما استاذ القانون الجنائى بجامعة روما الفقيه فيرى، ونواصل المسيرة الفكرية والنفسية للمجرم فى ثوب الإنسانية القشيب.