عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

ما زال نصر أكتوبر 1973، العاشر من رمضان 1393 هجرية، يمثل لحظة فارقة فى تاريخ المنطقة والعالم بعد أن حل الأمل مكان اليأس، والفرح بديلاً عن الحزن، والنصر مكان الهزيمة، ورغم مرور 50 عاماً على الحرب فإن ذكراها لا تزال محفورة فى الأذهان، بعد أن بذلت مصر كل الجهد من العرق والدماء لتحقيق هذا النصر.

حقق المصريون خلال الحرب معجزة تاريخية.. لم يكن الجيش المصرى العظيم هو البطل الوحيد فيها، ولكن لعب الشعب المصرى دوراً محورياً لم يقل أهمية عن الدور الذى كان يقوم به الجنود على الجبهة ليقف خلف جيشه العظيم ويخوض هو الآخر حرباً ضد الشائعات والحرب النفسية التى كانت تبثها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلى هو الجيش الذى لا يقهر وأنه من أقوى الجيوش فى المنطقة، وأن أى حرب محسومة لصالحه، معتمدين فى ذلك على حالة الإحباط التى شعر بها الكثير من أبناء الشعب المصرى بعد نكسة 1967.. وكانت هذه الحرب النفسية أشد خطراً من الحرب التى كانت تدور على الجبهة بالأسلحة، فهى حرب لم تكن تدور بأى سلاح مادى ولكنها أسلحة معنوية تحاول السيطرة على عقول المصريين وبث روح الخوف والهزيمة داخلهم.

ولكن الشعب المصرى أدرك أن هذه الشائعات والحرب النفسية جزء من خطة العدو من أجل كسب المعركة حتى يتخلى الشعب المصرى عن جيشه الذى يدافع عن أرض سيناء المجيدة على الجبهة، ولكن كل ذلك لم يكن له أى أساس من الصحة، وهو ما أكدته صحيفة «ديلى ميل» فى 12 أكتوبر 1973، عندما كتبت: «لقد اتضح أن القوات الإسرائيلية ليست مكونة كما كانوا يحسبون من رجال لا يقهرون، إن الثقة الإسرائيلية بعد عام 1967، قد تبخرت فى حرب أكتوبر، وذلك يتضح من التصريحات التى أدلى بها المسئولون الإسرائيليون بمن فيهم موشى ديان نفسه.

ظهر التعاون الكبير بين الشعب والقوات المسلحة فى حرب أكتوبر لتحقيق النصر، فالجميع تعاون من أجل استعادة الأرض والهيبة المصرية، الجميع كان فى ذهنه كلمة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، كانت هذه الكلمة دليلاً واضحاً على أن المصريين لن يتهاونوا لحظة واحدة فى استعادة أرضهم بالحرب.

من مظاهر التعاون بين القوات المسلحة والشعب فى حرب أكتوبر أنه كان مسموحاً للطيارين المصريين بالهبوط الاضطرارى للطائرات المقاتلة على طريق «مصر- إسكندرية الزراعى»، فى حالات الضرورة، فكان الفلاح المصرى يساعد الطيارين ويقوم بسحب الطائرة إلى مكان آمن ويغطيها بأوراق الشجر حتى لا ترصدها طائرات العدو، ويقوم باستهدافها، فالفلاح المصرى فعل هذا من دافع حبه لوطنه وجيشه ولم يعلمه أو يطلب منه أحد أن يفعل ذلك.

تحول الشعب المصرى كله بجميع طوائفه ومختلف ثقافاته وفئاته إلى وحدة واحدة، وتلاشت كل الخلافات السياسية وغيرها، كما أن عالم الجريمة والمنتمين إليه انضموا لوحدة الشعب، وتمثل ذلك فى غياب القتل والسرقات وغيرها من الجرائم الجنائية الكبيرة فى سبيل المعركة الكبرى، ولم تسجل أقسام الشرطة أى بلاغات خلال أيام الحرب، ويرجع انخفاض معدل الجريمة أو تلاشيها إلى الحس الوطنى العالى وانشغاله بالدفاع عن الأرض والعرض.

الشعب المصرى فى هذه الحرب المجيدة أعلى قيمة الوطن على كل شىء، وقام عدد كبير من أفراد الشعب بإحساسه بالمسئولية بتشكيل لجان مقاومة بجانب أفراد الشرطة لمساندتهم فى مواجهة العدو الخارجى، وتكاتفت الفئة الإجرامية مع الشعب للانتصار واسترداد الأرض، وتحولت الشعارات إلى أفعال على أرض الواقع، وتجسدت فى العمل على قلب رجل واحد فى تقديم المساعدات والعون للجيش والشرطة مادياً ومعنوياً، وأكدت كل الملفات الأمنية التى خرجت عقب انتصار أكتوبر أن حركة الجريمة فى الفترة التى تبدأ من 6 أكتوبر حتى 21 أكتوبر قد انخفض عن مثيلاتها فى العام السابق، كما تراجعت أرقام السرقات الكبرى، وسجلت جرائم السرقة الصغيرة انخفاضاً كبيراً، وتكرر الأمر بجرائم النشل. كما انخفضت جرائم الطريق العام واختفت لأول مرة منذ زمن طويل تجمعات العابثين فى شوارع وسط المدينة واختفت إلى حد كبير مضايقاتهم للمارة والسيدات وانشغل الجميع بقضية الوطن وبأعمال الدفاع المدنى، واختفت تماماً جرائم سرقة السيارات من محاضر الشرطة وتم تفسير ذلك بأن هذا النوع من الجريمة كان يقدم عليه فى الغالب شباب يرغب فى الاستمتاع والمغامرة، وقد وجد نفسه فاختفت هذه الجريمة من سجلات الأمن العام، ولم يختلف الأمر كثيراً فى الريف المصرى، حيث اختفت جرائم سرقة الماشية، وخلت السجلات من جرائم التلاعب والاختلاس فى الجمعيات التعاونية الزراعية، كما اختفت جرائم النصب بالرغم من أنها من الجرائم التى تجد فرصة مواتية فى أوقات الحروب.

حقاً أن المجرمين تحولوا إلى شرفاء خلال فترة حرب أكتوبر تضامناً مع قضية وطنهم، ولم يقع حادث واحد يمكن أن يعد مثيراً للقلق أو مزعجاً لحالة الأمن العام، فلا عصابات تهاجم المساكن والمتاجر، ولا أشقياء يتعرضون للمارة فى الظلام الدامس، ومن ثم كانت حياة المدنية بعد 19 يوماً من الحرب يغمرها إحساس المواطنين بسيادة الأمن، ولم تعد الجريمة الجنائية للظهور إلا بعد مفاوضات وقف إطلاق النار.

فى ذكرى الانتصار الخمسين التى تحل اليوم ندعو بالرحمة لبطل الحرب والسلام الرئيس الراحل أنور السادات ولكل شهداء القوات المسلحة.