عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

عرفت حلمى شعراوى فى بيت أبى. كان صديقا لأخوى رجاء ووحيد النقاش. شاب خجول وحيى  ودائم الابتسام، تظن من فرط وداعته  وهدوئه وحيائه أنه غير موجود فى المكان.عندما صرت شابة، كان حلمى يحلو له المرح والمزاح ليقول لمن معنا: هذه البنت كانت فى طفولتها تشّب على ساقى وتجذبى من ملابسى لتقول لى  بصوت خجول: عمو.. عمو هات قرش، فيفتح بذلك باب الحكايات. حين بدأت حياتى العملية بت أحدق فى هذا الكائن الغريب المسمى «حلمى شعراوى» الذى اكتسب غرابته بالنسبة لى من أنه نموذج فريد من نماذج المثقفين، لا يشبه أحدا سواه.  

بدأ شغفى بالتحديق عندما دلنى حلمى فى وقت مبكر على كتاب «معذبو الأرض» للمناضل والمفكر «فرانز فانون» الطبيب النفسى وعالم الاجتماع، الذى نشأ فى جزيرة تحتلها فرنسا، ومع ذلك حارب وهو شاب  فى صفوف جيشها لمقاومة الغزو النازى لأراضيها، وعانى داخلها من ممارسارت عنصرية بسبب بشرته السمراء. وفى الجزائر التى انتقل إليها، تصدى لها كدولة احتلال. انضم إلى جبهة التحرير الوطنى الجزائرية التى تشكلت لمجابهة الاحتلال الفرنسى، برغم أنه يحمل  الجنسية الفرنسية. 

ارتبطت الجدية لدى البعض بالجهامة، لكنها عند حلمى شعراوى كانت  قرينة للغبطة والسرور وأضحت سمة وعلامة ورمزا لشخصيته. وشغفه بالقضايا الأفريقة لغة وثقافة وتاريخا ومستقبلا، وأرضا وبشرا، وصبره ومثابرته لنقل الاهتمام  بالقارة من غرف البحث المغلقة، لتصير اهتماما عاما، فصل واحد من فصول جديته وشعوره الدائم بالمسئولية تجاه الشأن العام. ارتبط ذلك بفصل آخر لا يقل أهمية عنه، هو  الانخراط  حتى الثمالة فى قضايا وطنه، غير الأفريقية. 

شارك حلمى فى تأسيس لجنة جبهوية شكلها حزب التجمع لمقاومة التطبيع الثقافى مع إسرائيل عام 1980 باسم «لجنة الدفاع عن الثقافة القومية «. وفى العام التالى اتخذت اللجنة قرارا  بقيام أعضائها من الكتاب والفنانين والمثقفين بتوزيع بيان فى معرض الكتاب اعتراضا على مشاركة إسرائيل به  .لم يشغل بال حلمى وهو يلقى القبض عليه مع صلاح عيسى وهما يوزعان البيان سوى ترديده باندهاش وهدوء: مش معقول ياجماعة كده، والله عيب قوى إن مواطنا يعتقل فى بلد عربى لأنه بيهاجم إسرائيل ! 

فى منتصف الثمانينات تلقيت اتصالا هاتفيا منه من مقر عمله فى تونس مسئول عن العلاقات العربية –الأفريقية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة العربية، طلب منى فيها أن اتصل بالدكتور «زكى نجيب محمود» لكى أخبره أن المنظمة منحته جائزتها. وإجابة عن أسئلتى قال حلمى :حتى لا يسمع  الرجل خبر حصوله عليها من وسائل الإعلام، قبل أن نخبره نحن. معنى الكلام، أنه مهما كانت الانشغالات فطاقته التى لا تنفد عن محبة الناس وتقدير مكانتهم، يجب أن تكون حاضرة لعمل ما هو واجب وما هو حق. 

وفى مركز البحوث الدراسات العربية  والأفريقية الذى كان يديره، خصص جزءا كبيرا من عمله  ، لتسجيل تاريخ اليسار المصرى، امتدادا لحفظ الذاكرة الوطنية للبلاد. 

أسفرت رحلة تحديقى فى شخصية «حلمى شعراوى» عن اقترابى من الطابع الإنسانى، الحافل بطيبة القلب واتساع الأفق، الذى ميز علاقاته بالآخرين. ولعلها كذلك ثقافته العميقة، تلك التى قادته لتقبل المخالفين فى الرأى بسماحة صدر ورغبة فى الحوار، لا النقار، وبعيدا عن نسج أنشطة العلاقلات العامة المعطلة والسائدة فى الوسط الثقافى والمعرفى  والإعلامى. 

شبه كبير بين «حلمى شعراوى» و«فرانز فانون» كلاهما وهب حياته للدفاع عن المظلومين فى القارة الأفريقية وخارجها، وسجل  تضحيات شعوبها، مع فارق أن الثانى مات شابا، وتجاوز الأول عامه الثمانين عند الرحيل. 

على باب سرداق عزائه سألته: لماذا يا حلمى خالفت وعدك بالكتابة اسبوعيا فى الأهالى كما اخبرتنى فى مكالمة أخيرة، ومن غيرك يراجع كتابك الأخير بالمطبعة. الاجابة لدى عشرات الشباب من الباحثين الذين وقفوا يتلقون واجب العزاء فى الأستاذ والمعلم.