رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بموضوعية

بعد متابعتى لعدة حلقات من مسلسل «سره الباتع» أحسست كقارئ أن المسلسل لم ينجح فى التقاط الروح العامة للقصة الرائعة التى كتبها الدكتور يوسف إدريس وكان لى حظ قراءتها منذ سنوات ضمن مجلد أعماله الكاملة.

هذه الروح التى تهيمن على سطور الرواية وتتسلل بين ثنايا الأحداث وما يرد على لسان الشخصيات الرئيسية هى باختصار أن الفلاحين هم السر الباتع لمصر على مدار تاريخها البعيد حتى تكاد تشعر أن مصر هبة فلاحيها وليس كما قال هيرودوت مصر هبة النيل، ذلك لأن سر مصر فى فلاحيها ومصر هى سر الفلاح الكبير، فلم تعرف أى حضارة بشرية هذا الارتباط الفريد بين الفلاح وأرضه مثلما هو حادث فى مصر.

ولم يعرف تاريخ أى أمة ذلك النماذج والانصهار بين الحياة اليومية للفلاح المصرى منذ عصر الفراعنة وحتى الآن وبين التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى شهدتها المحروسة على مدار آلاف السنين فقد طبع الفلاح تاريخ مصر ببصماته التى لا تمحى ورسمت مصر بروحها وحضارتها وعقيدتها وتوحيدها وضميرها الإنسانى ملامح يوم الفلاح منذ استيقاظه فجر كل يوم وحتى عودته إلى منزله، مرورًا بعشرات التفاصيل التى يعيشها فى حقله ومع زرعه ومحصوله.

أما سر الفلاح المصرى الكبير فهو قدرته على الصمت الايجابى والصبر الطويل والتعامل مع نوائب الدهر وبطش السلطة والكثير من أشكال الظلم الاجتماعى التى تعرض لها فى معظم العصور حتى يخيل للجميع انه استعذب العبودية وركن إلى الخضوع تحت أقدام ظالميه ثم فجأة يخرج المارد من القمقم فلا يتوقع أحد أفعاله التى تتجاوز كل خيال ويفاجئ ظالميه بما لم يتوقعه أحد أو يخطر على بال بشر.

تصوروا شبابا فى عشرات القرى بالدلتا يقدمون طواعية وحبا على قطع أصابع أيديهم كى يتم إخفاء الفلاح الشاب الثائر حامد عن أعين رجال الحملة الفرنسية بعدما حدد المستعمر علامة مميزة فى جسد « حامد» بطل روايتنا حتى يسهل القبض عليه ثم تبادر عشرات القرى ببناء ضريح فى كل قرية للسلطان حامد حتى لا يستطيع المستعمر الوصول لجثمانه بعد استشهاده دفاعا عن الأرض الطيبة ومتى حدث ذلك قبل مائتين وخمسين عاما ومصر غارقة فى ظلام الجهل العثمانى والتسلط المملوكى.

إنه الفلاح الذى اختزن الحضارة العظيمة بين جوانحه يستدعيها عند الشدائد فيسعفه تاريخه بكل ما من شأنه أن يشل تفكير العدو لانه باختصار خارج المألوف ونتذكر جميعا حكاية هدم الساتر الترابى بخراطيم المياه فى حرب أكتوبر المجيدة التى تهل روائحها علينا اليوم العاشر من رمضان.

لذلك كله لا يهتز يقينى بان مصر سوف تتجاوز محنتها الراهنة وستخرج من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التى تمر بها هذه الأيام مرفوعة الرأس مثلما حدث قبل ذلك عشرات المرات.

فالشعب الخالد الذى واجه ظروفا أسوأ من ذلك بكثير عبر تاريخه الطويل لهو قادر على التعامل والتعايش مع الظروف الحالية فلم تعرف مصر فى تاريخها ما يردده البعض عن ثورة الجياع.

المصرى يثور لكرامته ودفاعا عن بلده عندما يتهدده خطر لا يثور لأنه جائع.

ستبقى مصر ما بقى فلاحها يحفظ أسرارها ويصون عهدها.

ستبقى مصر ما بقيت أربعة آلاف قرية على ضفاف النهر تزرع طعامها وتعبد ربها وتربى أبناءها بالحلال ويحدوها الأمل فى غد أفضل.

ستبقى مصر رغم شماتة الأعداء وتربص الأصدقاء وظلم بعض ذوى القربى وستمر الأيام الصعبة وها هو السلطان حامد الفلاح المصرى البسيط يخبركم بعد مائتين وخمسين عامًا بالسر الباتع سر مصر وفلاحيها.

Mahmood abdelazim @Yahoo. Com