عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صفحات من تاريخ مصر (٣٨)

الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخ الجامع الأزهر، ومؤسس المدرسة الفلسفية العربية، وصاحب أول تأريخ لها باللغة العربية.. اسم لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يمر مرور الكرام، ليس فقط لكونه واحدًا من كبار الفلاسفة والمفكرين المصريين، ولكن لكونه وبحق واحدًا من أهم وأبرز أئمة التنوير والإصلاح الدينى على الاطلاق فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر.

فقد استطاع من خلال مؤلفاته، وكتاباته، ومحاضراته المتنوعة أن يوقظ الشعور الدينى، وأن يشعر المسلمين أنهم يجب أن يهبوا من رقدتهم لإصلاح نفوسهم، وألا يعتمدوا على الفخر بماضيهم، بل يبنون من خلال الاجتهاد وإعمال العقل جديدًا لحاضرهم ومستقبلهم فالدين عُرف بالعقل، ولا بد من اجتهاد يعتمد على الدين والعقل معًا حتى نستطيع أن نواجه المسائل الجديدة فى المدنية الجديدة، ونقتبس منها ما يفيدنا، لأن المسلمين لا يستطيعون العيش فى عزلة، ولا بد أن يتسلحوا بما تسلح به غيرهم.

عزيزى القارئ.. السطور القليلة القادمة لن تسعفنى لكى أعرض فكر الشيخ وآراءه المختلفة، ولكنى سأحاول أن أستعرض بعضًا منها، ظنًا منى أننى أستطيع من خلالها أن ألفت النظر لإحياء تراث الشيخ عبدالرازق، وأمثاله من المجددين المعبر عن روح العصر والتقدم، وظنًا منى أيضًا أننا نحتاجه الآن كسلاح للعقل ونحن على أعتاب جمهوريتنا الجديدة.

ولنبدأ الرحلة.. كان شيخنا الجليل رحمه الله، يتمتع ببيان مشرق، وأسلوب بديع فى الكتابة والوصف، فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده فى تحرير العقل العربى من الجمود الذى أصابه لعدة قرون، كما شارك فى إيقاظ وعى الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهى لمواكبة التطورات السريعة فى العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره فى مختلف النواحى.

فيقول... «إن الإسلام جمع بين الدين والشريعة؛ أما الدين فقد استوفاه الله كله فى كتابه الكريم، ولم يَكِل الناس إلى عقولهم فى شىء منه؛ وأما الشريعة فقد استوفى أصولها ثم ترك للنظر الاجتهادى تفاصيلها».

«الاجتهاد بالرأى فى الأحكام الشرعية هو أول ما نبت من النظر العقلى عند المسلمين، وقد نما وترعرع فى رعاية القرآن وبسبب من الدين، ونشأت منه المذاهب الفقهية».

«لا غنى لنا، فى الكمال المدنى الذى ننشده، عن الاستفادة من الأمم التى سبقتنا فى ميدان الرقى، وأن الشرق والغرب هما شطرا الإنسانية؛ فمن سعى بينهما فى الفتنة كان عاقًّا، جانيًا على الإنسانية.. إنما نحن مصلحون نمهد للمودة والقربى بين شعوب البشر كلها».

«الفن يفيد الإنسان فى البحث عن قيم الحياة، وأن الفن يزرع السمو فى نفوس البشر».

عزيزى القارئ.. ما سبق كان بعضًا من آراء الشيخ الفيلسوف وطريقته فى التفكير، فقد مات وخلف من آرائه كلها مدرسة قوية الأثر واضحة المعالم توقن بأن المشكلة ليست فى الدين، وإنما فى الفهم الخاطئ له، وما تراكم على هذا الفهم من أفكار استمرت فى الوجود واكتسبت قداسة طمست حقيقة الإسلام التى تدعو للبناء والرقى المادى والروحى، باتساع المكان والزمان ووفق متطلبات كل عصر.

أخيرًا.. سيظل الشيخ الفيلسوف الدكتور مصطفى عبدالرازق علامة بارزة بين علماء الأزهر الشريف، ومَن تولوا مشيخة الأزهر الشريف، فقد جمع بين العلم الشرعى والأدب والتاريخ والفلسفة الإسلامية والترجمة، كما اجتمع له سمت العلماء وصفاتهم، من التواضع، والوقار، والأدب الجم، فكانت ابتسامته لا تفارق وجهه.

رحم الله الإمام الفيلسوف.