عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لوجه الله

تناولنا من قبل ما أحدثه «صبيان شيكاغو» فى تشيلى.. وقد لا يتسع المقام لذكر ما فعلته «عصابة بريكلى» فى إندونيسيا.. لكنها قصة واحدة.. أزمة كبرى مفتعلة فانقلاب فهبوط ملائكة الاقتصاد فنزح ثروات نزحاً.. فمن جواتيمالا لتشيلى للأرجنتين للبرازيل وفنرويلا لباقى القارة الأمريكية الجنوبية.. ومنها إلى شرق آسيا.. ثم شرق أوروبا وروسيا.. المأساة كانت واحدة.. لكن فى روسيا اختلف الأمر قليلاً.. لم يسمح رجال يلتسن بخروج كافة الثروات الروسية إلى الشركات الأجنبية.. وقرروا تقاسم «النهيبة».. ويكفى هنا الإشارة لبيع شركة «نوريلسك للنيكل» مقابل 170 ملیون دولار فقط بينما كانت أرباحها الصافية تتخطى 1.5 مليار دولار سنوياً!.

ولما كان شيطان الاقتصاد ميلتون فريدمان.. يواجه كل فشل لأفكاره بالقول..إن الهدم لم يكن كاملاً.. ولا بد من هدم بنيان الدولة بالكامل حتى تتم إعادة البناء على أرض نظيفة.. لم تكن هناك فرصة لتلك الأفكار أعظم من دولة العراق.. دولة هدمت بأكملها بكل مؤسساتها.. وقد وقف بول بريمر الحاكم الأمريكى للعراق بكل قوة أمام أى محاولة لقيام ديمقراطية أو حكومة منتخبة فى العراق.. فقد تأتى بمطالب شعبية واحتياجات اجتماعية.. تضاد نظرية اللادولة و«الحرية المطلقة» لفريدمان.. وها هو العراق قد أخذ تلامذة فريدمان من «صبيان شيكاغو» فرصتهم كاملة فيها لأكثر من ٢٠ عاماً.. وماذا كانت النتيجة؟ وما وضع العراق وشعبه اليوم؟!.

نعود لنظرية فريدمان.. يستطيع فريدمان بشكل أكاديمى أن يقدم لك ما تقف له احتراماً فى السياسة النقدية وتمنحه جائزة نوبل.. كما يستطيع حشو عقول تلامذته بالعديد من النماذج الرياضية والإحصائية القادرة على كسب أى مناظرة اقتصادية.. لكن العلة القاتلة لفكر فریدمان.. هى كما سبق وأوضحنا قيامه على مغالطة أن «علم الاقتصاد علم طبيعى وليس اجتماعياً».. ولتحقيق ذلك المبدأ.. يجب ألا يكون هناك أى دور للحكومات فى الحياة الاقتصادية.. وأن يكون البقاء للأقوى.. وأن يمتلك الأقوى حرية لا محدودة فى فعل وأخذ ما يشاء.. بينما يتوقف دور الحكومات على لعب دور الشرطى لحماية ذلك النفر من الأقوياء وشركاتهم.. وقمع أى محاولة أو تحرك للمطالبة بأى حقوق.. وباختصار فالصورة الناصعة لفكرة فريدمان الشاملة للاقتصاد هى العودة لعصور ما قبل الدول والمجتمعات الإنسانية.. البقاء للأقوى لا حماية لأحد ولا دفاع عن ضعيف أو فقير.

وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن النجاحات الافتراضية المزعومة لنظرية فريدمان التى لم تتحق فى الواقع على الإطلاق إلى اليوم.. ولم نرَ منها إلا كوارث متفرقة فى أرجاء المعمورة.. فأى عبقرية اقتصادية فى الدفع بالشعوب إلى الفقر واليأس الذى قد تنتج عنه حروب أهلية دموية.. وما الحاجة للمجتمعات الإنسانية من الأساس إن كان البقاء للأقوى فقط ؟!.. وأى عبقرية اقتصادية فى جمع ثروات الأمم فى أيدى نفر قليل من اللصوص وترك باقى البشر عبيداً لهم يتضورون جوعا.. وإن لم يكن دور الحكومات رفع مستوى معيشة شعوبها وتحقيق الرفاهية للجميع فما مبرر وجودها؟.. وأخيراً لعشاق فريدمان المفتونين بفكره: لماذا لم تتبنَّ أى من الدول المتقدمة أفكارة كاملة.. وظلت تحافظ على شبكات قوية للحماية الاجتماعية والصحية والضرائب؟!.. لماذا لا تأخذ أفكاره مداها فى غير المستعمرات القديمة؟.. ولماذا يرتبط الخروج من كبواتها بدهس أفكاره وطرد صبيانه؟.. وبقى السؤال المحورى لعلم الاقتصاد ككل هل الهدف الرئيسى لعلم الاقتصاد تنمية ثروات الأمم وتحقيق الرفاهية للمجتمع ككل أم للأقوى فقط؟!.

[email protected]