رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

 

 

من المكتسبات التى حققتها ثورة 1919 وغيرت وجه التاريخ كان خروج المرأة بشكل صريح للتظاهر، فقد خرجت المرأة من بيتها لا للبحث عن لقمة العيش أو مزاحمة الرجل، ولكن للبحث عن الحرية والاستقلال.. كانت النخبة النسائية على درجة رفيعة من الرقى والحس الوطنى المرهف، فبعد أيام من انطلاق شرارة الثورة تحركت النساء باحثات عن حرية وطنهن وحريتهن أيضًا! خرجت المرأة المصرية سافرة، متمردة، ثائرة، تملأ الطرقات بهتافاتها عن الحرية والاستقلال، وكان لابد أن يفجر المشهد الشعر وكانت النتيجة ان كتب حافظ إبراهيم قصيدته التى يقول فيها: خرج الغوانى يحتججن ورحت أرقب جمعهن فإذا بهن يتخذن من سود الثياب شعارهن، وأخذن يجتزن الطريق، ودار سعد قصدهن.

ظهرت المشاركة الإيجابية النسائية فى ثورة 1919 فى صورة لم يعتدها المجتمع، بخروجهن لأول مرة فى المظاهرات الحاشدة والمنظمة إلى الشوارع. كانت المظاهرة النسائية فى صباح العشرين من مارس، أول ما انطلق فى سياق الاحتجاج على اعتقال سعد زغلول ومحمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقى ونفيهم إلى جزيرة مالطا.

كانت هذه المظاهرة هى الأولى التى سرعان ما لحقتها غيرها من مظاهرات نسائية انتقلت عدواها من الطبقة الارستقراطية إلى شرائح الطبقة الوسطى، ومنها إلى نساء الطبقة العاملة، اللاتى سقطن منها شهيدات، وكانت أول شهيدتين فى هذه الثورة السيدتين: حميدة خليل وشفيقة محمد.

خرجت مظاهرات النساء فى حشمة ووقار، وعددهن ما يقرب من الثلاثمائة من أكبر عائلات مصر، وأعددن احتجاجا مكتوبا ليقدمنه إلى معتمدى الدول، وطالبن فيه بإبلاغ احتجاجهن على الأعمال الوحشية، التى قوبلت بها الأمة المصرية، بينما كانت تسير هؤلاء النسوة كان الجنود الإنجليز يقفون لمنع موكبهن من العبور، فحين وصلت المظاهرات إلى شارع سعد زغلول «ضريح سعد حالياً»، قاصدات بيت الأمة ضربوا نطاقا حولهن ومنعوهن من السير، وسددوا حرابهم إلى صدورهن، وبقين هكذا مدة ساعتين تحت وهج الشمس الحارقة، بل تقدمت هدى شعراوى وهى تحمل العلم المصرى إلى جندى، وقالت له بالإنجليزية نحن لا نهاب الموت، واطلق رصاصك علينا مثلما فعلتم فى «مس كافيل» فخجل الجندى، وتنحى للسيدات عن الطريق وجعلهن يغيرن - ومس كافيل ممرضة إنجليزية أسرها الألمان فى الحرب العالمية الأولى وأعدموها رميا بالرصاص وكان لمقتلها ضجة كبيرة فى العالم.

وفى عام 1920 تم تشكيل لجنة الوفد المركزية للسيدات، نسبة لحزب الوفد بزعامة سعد زغلول، وانتخبت السيدة هدى شعراوى رئيسا لها.

ومن الأسماء التى وقعت على أول بيان احتجاجى نسائى وفضلن الانتساب إلى الزوج أو الأب الآنسة كريمة محمود سامى البارودى، ابنة محمود سامى البارودى، باستثناء هدى شعراوى التى آثرت أن تذكر اسمها مقرونا بحرم على شعراوى، أما صفية زغلول فوقعت باسم حرم سعد زغلول باشا، وكذلك حرم قاسم أمين جوليت صليب.

وتعتبر السيدة صفية زغلول واحدة من أبرز الشخصيات التى أسهمت اسهاما عظيما فى إشعال جذوة الثورة، فقد شاركت فى تكوين هيئة وفدية من النساء عام 1919، بهدف تحقيق المطالب القومية للمرأة المصرية.

هناك كذلك حميدة خليل، وهى واحدة من اللاتى خرجن لكى تقود مظاهرة نسائية من حى الجمالية، تترأس المظاهرة بهتافات أمام الاحتلال البريطانى، وتطالب بعودة الزعيم سعد زغلول من المنفى، وأمام مسجد الإمام الحسين، أصيبت برصاصة فى صدرها يوم 16 مارس 1919؛ لتأتى بعدها شفيقة محمد التى كانت ضمن المشاركات فى مظاهرة نسائية إلى مقر المعتمد البريطانى، وبالقرب من المقرن وجدت حصارا من الإنجليز لإجبارهن على الابتعاد ولم تهدأ شفيقة بل اندفعت وهى تحمل العلم المصرى فى يدها وبيان الاحتجاج فى يد أخرى، ولكن سرعان ما أصيبت برصاصات فى صدرها وبطنها أنهت حياتها، أيضا انضمت إلى قائمة اللواتى هددن عرش بريطانيا فى مصر: زينب محمد مراد التى عُرفت فى مصر بـ«سيزا نبراوى» وتعتبر من رائدات الحرية النسائية، حيث اشتركت فى تنظيم وقيادة أول مظاهرة نسائية ضد سلطات الاحتلال الإنجليزى.

لقد كانت ثورة 1919 نقطة تحول فاصلة فى تاريخ مصر وأحدثت تغييرات على كافة المستويات السياسية والاجتماعية، ووضع المرأة التى عانت تهميشا وتمييزا وحرمانا من التعليم لسنوات عديدة، وكان لها نصيب الأسد فى التغييرات الاجتماعية التى شهدها المجتمع المصرى بفضل جهود الرائدات الأوائل، ووضعت الثورة حجر الأساس للمطالبة بحقوق النساء، ففى مارس 1956 صدر قانون مباشرة الحقوق السياسية والذى أعطى النساء حق الترشح والتصويت لأول مرة بعد سنوات من المطالبة، وكان لاعتصام درية شفيق أثر كبير فى الاستجابة لها.