عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

ما الفارق بين الأدب العابر والأدب الخالد؟

الأدب الخالد هو الذى يتجاوز فكرة الإمتاع، فيتسرب إلى الذات، يُخربش فى الرأس، يُغير قناعات، يطور أفكاراً، ويُسرى فى الخلايا المتبلدة ارتعاشات الحيوية فتتغير وتتبدل وتتحسن.

وهذا ما يفعله المبدع المُشاكس شريف العصفورى، بسردياته العميقة، الغريبة، غير النمطية، والضاربة كمسمار صغير يخترق حوائط التسليم والركون والصمت ليصيبها بشروخ قابلة للتوسع، والانهيار، أملاً فى جدران جديدة من العقلانية ورحابة الفكر والتعددية.

ففى روايته الأحدث «على مقهى براديسو» يُغادر المبدع الموسوعى، القوالب المُعتادة للحكاية مستعيناً بقصة فارقة فى التاريخ الإنسانى ليُعيد طرح السؤال الأهم، ما حدود الطاعة؟ وما التزامات كل إنسان أخلاقياً تجاه غيره من البشر؟

فالمعروف لدينا أن الطاعة عنصر أساسى لنجاح أى نظام، وهى التزام أخلاقى من تابع لمتبوع بهدف مهم هو تحقيق المصلحة العليا.

 يستعين «العصفورى» بقصة «ستانسيلاف بتروف» الضابط السوفيتى الذى أنقذ ملايين البشر من موت محقق لأنه خالف قانون الطاعة. فى سنة 1983 أسقط صاروخ سوفيتى طائرة مدنية كورية عن طريق الخطأ، لأن ضابطاً ظن أنها طائرة معادية تخترق المجال الجوى، وراح ضحية الحادث 269 إنساناً، كان من بينهم عضو مجلس شيوخ أمريكى، وتوترت الأجواء بين أمريكا والسوفييت. كان بتروف وقتها مسئولاً عن زر الرد السريع حال حدوث هجوم أمريكى محتمل على موسكو، وكانت التعليمات المفروضة عليه هى أن يضغط على الزر فور تلقيه إنذاراً بالهجوم. وفى ظل التوتر المتصاعد وصله إنذار ضوئى بانطلاق خمسة صواريخ أمريكية نحو الأراضى الروسية، وكان عليه أن يرد بإطلاق الصورايخ المحملة بالرؤوس النووية تجاه واشنطن ونيويورك وباقى الأراضى الأمريكية، لكنه فكر للحظات. وخلال تفكيره الذى لم يتجوز ثوانى معدودات، استخلص أن هناك خطأ ما لأن أمريكا إن قررت مهاجمة روسيا، فإنها لن تهاجم بخمسة صواريخ فقط، واقتنع أنه لو ضغط الزر لقتل ملايين البشر، فتراجع وامتنع، وصح استنتاجه فيما بعد لأنه لم يكن هناك هجوم ولا شىء، وهكذا أنقذ العالم من حرب كونية مُدمرة.

وسُرح هذا الضابط من الخدمة، وعانى من النسيان والإهمال وإصابة زوجته فاليريا بالسرطان، لكن «العصفورى» أحياه لنا، وأعاد تقديمه لنُكرمه على عصيانه العقلانى. فطاعة التعليمات هُنا كانت ستقضى على ملايين البشر. يقول الروائى على لسانه عن مقاومته للهيمنة الشمولية «جعلونى طيعاً ليناً سائلاً. أفرغونى فى قالب أرادوه، ولكننى حطمته بمساعدة فاليريا حبيبتى».

ويُقدم فى النص ذاته حكاية ثيودرو بلهارس، الطبيب الألمانى العظيم الذى قدم إلى مصر فى القرن التاسع عشر، وعاش فيها واكتشف أخطر عدو للمصريين، وهى البلهارسيا لينقذ ملايين البشر أجيالاً خلف أخرى ثم يرحل فى صمت، ويُدفن بالقاهرة. فعلى مقهى براديسو ينتظر الاثنان الحساب على ما فعلوه للبشر من فضائل نُسيت وأهملت فى الحياة الدنيا، بينما يشتعل الصخب فى العالم كله حول أبطال كاذبين.

والله أعلم.

[email protected]