عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

هناك حديثان.. وفي الحقيقة حادثتان كشفتا مدى توغل العصبية والقبلية الكامنة في نفوس المسلمين الجدد، بصورة مبكرة وقبل أن يبدأ تاريخ الإسلام.. فالحادثتان جرتا قبل وفاة رسول الله، وكانتا بمثابة الشرارة الأولى لنار الصراع على السلطة باسم الدين في كل الدول الاسلامية، التي مازالت مشتعلة حتى الان، وحرقت، وتحرق، الدول والشعوب الإسلامية دولة دولة، وشعباً شعباً.. ومنعت أي تطور او تقدم أو إبداع في هذه الدول.. بل إن دولاً بأكملها تحولت إلى ركام من رماد، لأن الخلفاء والملوك والرؤساء، ومن بعدهم أمراء الجماعات الإسلامية المتطرفة.. ادّعوا الحكم بأمر الله وليس باسم الشعب!

قبل خلاف الأنصار والمهاجرين في سقيفة بنى ساعدة بعد وفاة رسول الله.. جرى حديث غدير خم «وكذلك جرى» حديث ابن عباس عن رغبة الرسول أثناء مرضه كتابة كتاب لا يضلون من بعده.. فإن ما أسفر من اختلاف، وتناقض، واختلاق، في تفاسير الحديثين بين علماء أهل السنة وعلماء أهل الشيعة.. لم يكن خلافاً دينياً، ولكنه كان صراعاً على السلطة باسم الدين!

وحديث الغدير هو حديث صحيح يصل لدرجة التواتر (متتابع عن رواة ثقات) عند السنة والشيعة، وقد روى عن رسول الله في يوم 18 من ذي الحجة سنة 10 هـ، في طريق عودته بعد حجة الوداع في غدير يُدعى خُم بين مكة والمدينة. قال في خطبة الوداع: «أما بعد ألا أَيّها الناس إنّي قد دعيت ويوشك أن اُجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».. ثم قال : إنّ الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن ومؤمنة. وأخذ بيد علي بن أبي طالب وقال: ألستُ أولَى بالمؤمنينَ من أنفسِهِم وأزواجِي أمهاتُهُم فقلنَا: بلَى يا رسولَ اللهِ قال: فمَن كنتُ مولاه ُفعليٌّ مولاهُ اللهمَّ والِ من والاُه وعادِ مَن عادَاهُ».

وقال علماء السنة إن الحديث صحيح رواه مسلم وأحمد ويدل علي فضل علي ومكانته، وأنه من آل بيت النبي، ولكن ابن تيمية في منهاج السنة قال: «ليس في هذا الحديث – حديث غدير خم – ما يدل على أنه نص على خلافة علي، إذ لم يرد به الخلافة أصلاً، وليس في اللفظ ما يدل عليه، ولو كان المراد به الخلافة لوجب أن يبلغ مثل هذا الأمر العظيم بلاغاً بيناً».

وفى حين يحتفل الشيعة بهذا اليوم كل عام في مناسبة تُدعى عيد الغدير بأعمال كالصوم والغُسل، وقد اتخذوه مناسبة للتشهير باغتصاب حق خلافة على بن ابى طالب لرسول الله، وإمامة آل البيت للمسلمين، ويستدلون بهذا الحديث، بالإضافة لأحاديث أخرى، أن الإمامة لعلي بن أبي طالب، حيث تقول المراجع الشيعية إن في هذا اليوم نزلت الآية «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً». وأن إتمام الدين هو الإيمان بالإمام والولي علي بن أبي طالب من بعد رسول الله.

أما الحديث الثاني، أو الحادثة الثانية فهو عن ابن عباس، وقد أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما بسنديهما عن سعيد بن جبير قال: «قال ابن عباس: يوم الخميس! وما يوم الخميس! اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه، فقال: ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا؟ فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه».. والخلاف الذي وقع، ومازال، بين علماء السنة والشيعة ليس في صحة الحديث، حيث ان هناك اتفاقاً على صحة الحديث والمشكلة في كلمة «أهجر؟» وهي بمعنى الهذيان والتخريف.. حيث إن عدداً من علماء السنة ينكرون ورودها أصلا في الحديث، وإنها من ادعاءات الشيعة، وقالوا إن عمر بن الخطاب قال: (إن النبي صلي الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا). بينما أقر بعض علماء السنة الكلمة ولكن باعتبارها استفهاماً وليس إقراراً بالواقع!

وعموماً فإن كل فريق، من السنة والشيعة، لم يهدف في تفسير الحديث (الصحيح) استجلاء الحقيقة في واقعة مهمة دينياً وتاريخياً وسياسياً.. حيث كان كل فريق مشغول بإثبات النفي أو نفى الإثبات حتى لا يستخدم كحجة شرعية لتولى على بن أبى طالب الخلافة أو عدم توليه الخلافة.. ونلاحظ أنه منذ حديث غدير خم ومرورا بحديث ابن عباس ثم الخلاف العلني في سقيفة بنى ساعدة.. وحتى الخلاف الدموي بين معاوية بن أبى سفيان وعلى بن أبى طالب ثم مع الحسن والحسين ابني على.. والذي انتهى بمقتل على وابنيه ومطاردة وتقتيل آل بيت النبي في واقعة هي الأسوأ في تاريخ المسلمين.. فإن الفرق المتصارعة على الخلافة بعد رسول الله انقسمت أولا إلى فريقين من قريش.. فريق كان يرى انه الأفضل والأحق بالخلافة لأنه من آل بيت النبي، واولهم على بن أبى طالب، والفريق الآخر يبدو أنه كان يتزعمه عمر بن الخطاب، حيث ظهر دوره محوريا وفاعلا وواضحا في حديث ابن عباس وكذلك عندما حسم الصراع على الخلافة في السقيفة لصالح أبوبكر.. المهم أن كل فريق كان يناصب العداء للفريق الآخر منذ أول واقعة وحتى الآن.. وهو عداء عصبي وقبلي وليس إسلاميا بل إن كل فريق كان يضم رجالا عظماء في إيمانهم وإسلامهم.. ولكن الصراع على السلطة كان أقوى.. وإلا ما كان وصل إلى حد قتل وترويع ومطاردة آل بيت النبي حتى النساء منهم ثم التمثيل بجثة حفيد رسول الله.. ومِن رجال كانوا أقرب الناس إلى رسول الله.. ولكن السلطة.. كافرة!

[email protected]