عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بين السطور

مصطفي ماهر.. طفل صغير في الصف الخامس الابتدائي، يبلغ عشر سنوات ونصف السنة.. لم أكن أعرفه من قبل.. لكنه نموذج يشرف كل من يعرفه أو يتعامل معه.. والقصة من البداية أحكيها لندرة هذه الشخصية الصغيرة في السن صاحب التصرفات والتعامل بأخلاق رجال كرام.. أرويها في زمن نجد فيه التلاميذ والطلاب معظمهم يرتكبون حماقات في الشوارع والمدارس والمنازل وتصل سلوكياتهم المعيبة حد «التحرش»، أما هذا النموذج «الفذ» فجعلني أبحث عنه في كل مكان كيف ومتي رأيته أقول لكم.. حينما انتهيت من عملي منذ عدة أيام كانت الساعة تقارب الثامنة والنصف، حيث فاجأتني آلام مبرحة وصلت في جيوبي الأنفية لحد النزيف والصراخ وذهبت إلي الطبيب في حالة سيئة، كنت أشعر معها بأن قطاراً دهس عظام وجهي «والعياذ بالله» أو منشاراً ينشر في عظام تجويف عيني ولكم أن تتخيلوا كم الآلام التي كانت تسري في وجهي حتي أغلقت عيني اليمني تماماً من شدة التورم من جراء التعب، دخلت علي طبيبي الدكتور رضا شفيق، فأصدر تعليماته بحقني فوراً ذهبت محمولة إلي الصيدلية المجاورة علي بعد خطوات من العيادة، حيث كانت كل خطوة بمسافة ميل في رأسي يا إلهي.

كان الجميع ينظر إليّ وكأنني مضروبة أو حدث لي حادث، فقد كنت أري رغم كل ذلك بعيني اليسري والحمد لله رغم تشوش الرؤية.. حينما دخلت إلي الصيدلي ومعي مجموعة من الأهل وجدت بينهم طفلاً صغيراً يربت بكفه الصغيرة علي كتفي ليطمئنني بأنني بخير وحينما فقدت السيطرة علي أعصابي وجدته يقف أمامي ويبكي علي بكائي وكأنني والدته يا إلهي ما هذا هل هناك طفل بهذا الأسلوب ثم يقوم بسحب «كرسي» من الخارج ويطلب مني الجلوس ويتوسل لي أن أحاول أن أهدأ ويدعو الله سبحانه وتعالي رب العرش العظيم أن يشفيني وتكف الآلام عني.. أخذت الحقن ولم تهدأ الآلام رغم أنها مسكنة، وكرتيزون لأنها تأخذ وقتاً إلي أن يسري مفعولها في جسدي.. حتي وجدت الطفل يندفع نحوي مرة أخري مستفسراً عن ماذا يقول للتاكسي عند إيقافه رغم وجود العديد ممن كانوا معي.. ويتوسل إلي الله بينه وبين نفسه أن يشفيني.. يا إلهي، أهذا طفل يمشي في هذا الزمن؟! حتي غادرت المكان والألم يعتصره علي حالتي ونحيبي ودعوت له وعلمت منه عن طريق أحد الموجودين معي أن اسمه مصطفي ماهر.. وتمنيت أن ألقاه مرة أخري؟! وعندما عدت في وقت الاستشارة للطبيب تمنيت أن أشاهده حتي دار حديث بيني وبين نفسي أنني سوف أذهب إلي الصيدلي لأذكره بنفسي وأسأله عن هذا الطفل المهذب الحنون الذي لا تسعني صفحات أن أذكر صفاته التي ظهرت لي في عدة دقائق لتأتي لي المفاجأة.. ما هي؟! رأيت بعض الأطفال يلعبون ويلهون بكرة قدم في ممر مكان كبير ما بين ثلاث عمارات بينها عمارة عيادة الطبيب.. فتمنيت أن يكون من بينهم هذا الطفل حتي رأيته ولكن كنت أراه منذ 3 أيام برؤية مشوشة، فأطلقت نداء باسمه.. حتي جاءني يسعي مهرولاً.. طنط الحمد لله أن الله شفاكِ.. وكأنني وجدت هدية عظيمة، فقد استجاب الله سبحانه وتعالي لي برؤيته وطلبت منه رقم هاتفه وعندما عدت إلي المنزل هاتفته ليأتي لي صوت سيدة فاضلة قالت لي إنها أمه وخشيت من أول المكالمة أن تغلق في وجهي أو تسألني ماذا أريد من طفلها أو صغيرها وهكذا وسوسة النفس خيلت لي كل الظنون السوء ولكنني رأيت أن أخلاق الأم لا تنفصل ولا تقل عن أخلاق الطفل، ولكن أتت لي المفاجأة التي أبكتني وأذهلتني حتي لم أستطع استكمال المكالمة حتي أجفف دمعي، فقد قالت لي الأم أهدئي يا سيدتي، فطفلي فعل معك هذا لأنه كان يأتي لي بالدواء وساعدك لأنه يحملني علي ظهره.. لماذا وبلهفة سألتها قالت يحملني ليدخلني «الحمام» وأنا بنت الأربعين ربيعاً، ولكنني أصبت بالمرض الخطير ولا أقوي علي السير أو الجلوس فهذا الطفل أصبح يساعدني ويعاملني وكأنني ابنته أو أخته حتي ينظف لي فراشي وأذهب إلي دورة المياه وغير ذلك، فهو أصبح رجلاً سلوكاً وفعلاً، لكنه لم يكمل عامه الـ11.

أدعو لمصطفي أن يعينه الله علي بر والدته وأن يساعدها بعد أن انقطع عن الدراسة ولا يذهب لمدرسته إلا في أوقات الامتحان آخر العام فقط.. إنه نعم الطفل، ويسابق الزمن كي تعيش أمه، محاولاً السعي لشفائها ليس هذا فحسب، إنما امتدت أخلاقه ومساعدته لمن يحتاجها كأنه رجل كبير خارج منزله، بارك الله في هذا الطفل ودعواتنا لأمه هذه السيدة التي أنجبته وجعلت أخلاقه هكذا بالشفاء.