عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

يعقد اليوم وعلى مدار ثلاثة أيام مؤتمر دولى هام بمقر الجمعية الفلسفية المصرية عن الاستشارة الفلسفية والعلاج بالفلسفة، ومن شأن هذا المؤتمر أن ينقل البحث والدرس الفلسفى نقلة نوعيه يعظم من فائدتها للمجتمع ويقربها من حياة الناس وحل مشكلاتهم الفردية والاجتماعية، ويجعل من خريجى أقسام الفلسفة أكثر ارتباطاً بواقع الحياة المعيشة حيث يمكنهم دراسة هذا البرنامج الذى قد يكون من نتائج هذا المؤتمر والتوصيات الصادرة عنه والدورات اللاحقة له من العمل فى هذا المجال الحيوى المعاصر الذى غاب عن مجتمعاتنا العربية بينما ازدهر شأنه وعمت فوائده المجتمعات الغربية فى أوروبا والولايات المتحدة.

تعتبر الاستشارة الفلسفية حركة جديدة فى الفلسفة وإن كانت جذورها تعود إلى سقراط والحوار الديلكتيكى الذى اتبعه مع شباب أثينا لتعليمهم الحق والخير والجمال، والحقيقة إن تاريخ الفلسفة ككل فى اعتقادى - يمكن أن يُنظر إليه على أنه تاريخ للعلاج بالفلسفة، فالفلاسفة منذ فجر تاريخ الفلسفة مهمومون بقضايا الإنسان ومشكلاته الفردية والاجتماعية، وكم قدموا أفكاراً ومذاهب لعلاج تلك المشكلات فى كل العصور. كل ما هنالك أن المصطلح اتخذ أبعادًا جديدة معاصرة مع ظهور مفاهيم، مثل الاستشارة الفلسفية والعيادة الفلسفية والمستشار الفلسفى والمقاهى الفلسفية..إلخ.

إن خدمات الاستشارات الفلسفية اليوم تحاول تقديم العون للذين يبحثون عن فهم فلسفى لحياتهم، أو لمساعدتهم فى حل مشكلات اجتماعية أو حتى عقلية. وربما تقترن بعلم النفس ليقدموا سوياً استشارة متكاملة الأركان، وربما تكون الاستشارة الفلسفية بدلاً من العلاج النفسى أو جزء منه، ولكن فى النهاية فالغرض هو البحثً عن الخير والحياة الطيبة. وتجاوز بعض المشكلات التى قد تعترضنا فى حياتنا وتتعقد داخلنا شيئاً فشيئاً للدرجة التى تتطلب معها طرحها على غيرنا وطلب المساعدة.

إن الاستشارات الفلسفية تساعد فى فهم احتياجات المرء الاساسية للتواصل مع الآخرين، لاستكشاف شعوره الذاتى، وفهم ردود أفعاله العاطفية والمعرفية والسلوكية. كما أنها تعمل على زيادة الوعى الذاتى، والتسلح بالمهارات اللازمة للتعامل مع أنماط الحياة المختلفة وإدارة العلاقات الانسانية وحسن توجيهها، كما أنها تولد لديهم شعور أكبر بالمعنى والسيطرة والتحكم فى مجريات حياتهم ومن ثم الشعور بالرضا والتوازن.

إن الاسئلة التى تطرحها الفلسفة منذ نشأتها هى الاسئلة التى تؤرقنا عادة مثل كيف نفهم الوجود وكيف نحقق السعادة وكيف نحيا حياة طيبة. ولقد تناول الفلاسفة عبر تاريخ الفلسفة الطويل تساؤلات مثل: من أكون؟ ماذا أعرف؟ إلى أين أذهب؟ وكيف أذهب؟ ما الحقيقة؟ ما الواقع؟..مالطريق إلى الحياة السعيدة؟.. كيف يتوازن لدى المرء تحقيق مطالب العقل والنفس مع تحقيق مطالب الجسد؟ ما الصورة المثلى لحياتنا الاجتماعية والسياسية..؟ كيف تتحقق سعادة الفرد فى ظل ظروف اجتماعية وسياسية مضطربه؟.. الخ. لقد عالج الفلاسفة تلك الأسئلة وناقشوها مناقشة عقلية مستفيضة ساعدت على تقديم الاجابات المفيدة لحل ما يترتب على هذه الأسئلة وغيرها من مشكلات.

ومع تقدم الزمن والتطورات العلمية والتكنولوجية التى أثرت على حياة الانسان المعاصر ظهرت الحاجة الماسة لأن تتأسس برامج بحثية وتخصصات فلسفية جديدة مثل العلاج بالفلسفة والاستشارة الفلسفية، ومن خلالها تأسست مراكز وعيادات للاستشارة الفلسفية جنبا إلى جنب مع عيادات ومراكز الاستشارات النفسية والاجتماعية، وقد أثبت العاملون فى هذه المراكز والعيادات كفاءة شديدة فى علاج الكثير من المشكلات والحالات بمجرد الحوار الذى يساعد المستشير على تغيير نمط فكره السلبى المحبط إلى نمط ايجابى ينظر إلى الحياة نظرة أكثر تفاؤلاً وإيجابية.

إن الكثير من المشكلات التى يُنظر إليها خطأ على أنها مشكلات نفسية وتوصف على أنها أمراض نفسية إنما هى فى واقع الحال مجرد هزات فكرية تمر بالإنسان فى لحظات كثيرة من حياته ويكون عاجزاً عن إدراك كنهها بشكل صحيح فيتجاهلها أو يتخذ إزاءها قرارات متسرعة تسبب له الكثير من المشاكل فى حياته. وكم يكتشف الفرد مدى بساطتها لو أنه عرضها وناقشها مع ما ندعوه بالمستشار الفلسفى!، فالعيادات الفلسفية أو مراكز العلاج بالفلسفة ليست أماكن لاستقبال المرضى بل هى مراكز لاستقبال الأصحاء والتحاور معهم فيما يعانونه من مشكلات تعقد حياتهم وتضيق بها صدورهم، فهؤلاء ليسوا مرضى ولا يحتاجون للذهاب للاستشاريين النفسيين ولا للمصحات النفسية، بقدر حاجتهم للتحاور مع إنسان راجح العقل يمتلك الرؤية الشاملة لحقيقة الانسان وطبيعة مشكلاته وقادر على تحليل المشكلة الفكرية وتفكيكها وردها إلى عناصرها الجزئية البسيطة حتى تتضح أمام صاحبها فيتخلص منها ويتجنب تداعياتها، وهذا هو دور المستشار الفلسفى، إنه لا يعالجك من مرض بل يحميك من الوقوع فيه!!