رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

 

 

مفاجأتان كانتا فى انتظارى فى معرض الصور الفتوجرافية للمصور الصحفى الفنان  «فاروق إبراهيم». الأولى الحشد الزائر من الشباب من الجنسين لمشاهدة المعرض والتجول باهتمام وشغف بين أزمنته وردهاته، بما يمكن أن يشى أن تذوق فن التصوير الفوتوغرافى،هو محل اهتمام تلك الفئة العمرية، التى بات من الصعب التعرف على ذائقتها الفنية لمختلف الفنون البصرية والسمعية والمرئية، أما المفاجأة الثانية التى ألقت ببعض عتمة على المفاجأة الأولى، وكشفت عن تصدعات معرفية وثقافية ومدى التهميش الذى طال التفكير فى الشأن العام، فكانت كالتالى: شاب يسأل صديقه بجدية، من هذا الجالس فى الصورة، أو بمعنى أصح «مين الراجل ده ؟»والصديق يجيب وهو يضحك: معرفش. تكرر السؤال  وتكررت الإجابة عن عدد من الصور المجاورة، وتكررت القهقة الساخرة، أما الصور التى كان يجهلها السائل والمجيب، فكانت صور نجيب محفوظ ومحمد حسنين هيكل والدكتور زويل وصورة جماعية لمجلس قيادة ثورة يوليو تتوسطها «أم كلثوم» لم يكن يظهر بينهم فيها جمال عبدالناصر! 

أسرتنى دائما عدسة «فاروق إبراهيم» الشقية والذكية والحساسة والمغامرة، كما فُتنت بتجربته الحياتية الشاقة الملهمة، التى أخرجته بفعل فطرته الفنية التلقائية، وإرادته الصلبة، من الديجور إلى النور، من براثن الفقر واليتم والعيش فى الهامش، ليصبح واحدا من أهم المصورين فى تاريخ الصحافة المصرية. تنقل فاروق إبراهيم فى أروقة العمل الصحفى من عامل بسيط فى صحيفة «المصرى» فى العهد المالكى، الذى خرج من غرف التحميض المظلمة بها، إلى صحف ومجلات العهد الجمهورى، حتى استقر به المقام فى مؤسسة أخبار اليوم، ليصبح المصور المعتمد لمؤسسة الرئاسة، ولحياة مصر الفنية والثقافية والاجتماعية حتى رحيله عن 72عاما فى العام 2011. 

تتجول عدسة «فاروق إبراهيم» بين أزمان جمال عبدالناصر والسادات وحسنى مبارك لتلتقط صورا للأماكن وللشخصيات العامة والعادية ولفنانين ومطربين وساسة ممن كانوا رموزا صحفية وعلمية ونماذج شعبية من معالم مصر فى عهودها الجمهورية المتباينة، لتمنح الفرصة للمشاهد لإحياء الماضى الحافل بالجمال، باختيار الصورة وزاوية اللقطة الفنية الباهرة التى تفتح امام ناظرها طاقات التأمل لاستعادة اللحظة التى تؤرخ لها، والاستمتاع بلحظات فرح لقوة تعبيرها وصدقه. وسواء كانت الصورة ملونة، أو صورة أبيض وأسود كانت كاميرا فاروق إبراهيم «تتفنن فى توزيع الظلال والضوء بها، فتكاد الصورة الصامتة تنبض بالحياة، وتنطق من فرط كمالها وجمالها. 

لعل عينى فاتن حمامة كانت تنظر إلى مجهول لا نعرفه، وهى تجلس بوقار وخفر بفستان أسود بسيط وأنيق، لتمنح مشاهدها شعورا بالألفة. اقتنص المصور تلك اللحظة ليصور فاتن المحلقة فى الفضاء، ليدفعنا دفعا، لكى نلهث وراءها لعلنا نتمكن مثله من الوصول إلى نهاية ما ترنو إليها عيناها المملوءة بالدهشة واللهفة والانتظار. 

وهذه صورة للست، أو«ثومة» كما كان يدللها محبوها، تتبادل المواقع مع محمد حسنين هيكل وهى تمسك ضاحكة سماعة تليفون، وكأنه ميكروفون وتنحنى وهى تتحدث وكأنها تجرى معه حوارا صحفيا.

 ملأتنا لقطة فريد الأطرش وهو يحتض بحنان جارف قطا سياميا يكاد يموء من فرط دهشته مثله بالفرح والسرور. وأحيت الصور التى التقطها فاروق إبراهيم فى سجن طرة عام 1963، لزيارة السيرك القومى للترفيه عن المساجين، الفرصة للاستنتاج واستراجاع لحظات ذلك التاريخ والدلالات التى تحملها. 

جولة بصرية مفعمة بالجمال والصدق والمشاعر المعبرة عن أحداث وشخصيات وأماكن فى معرض فاروق إبراهيم، تحمل من الرسائل دلالات تعجز الكلمات أحيانا عن التعبير عنها، لكن المؤكد أن أهمها هو إحياء الذاكرة الوطنية لمصر المعاصرة، التي يعزف بعض شبابنا عن بذل جهود بسيطة للإحاطة بها.