عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

 

 

أبدت  مرافقتى السورية الشابة اندهاشها، عندما أجهشتُ بالبكاء أثناء تجوالى معها فى «سوق الحميدية» أحد الأسواق الشعبية فى «دمشق». كان الزمن فى أعقاب خروج  منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، واستقرار بعض فصائلها فى سوريا. كانت تلك زيارتى الأولى لدمشق، لكنها لم تكن الأخيرة. كنت فى مهمة صحفية للتعرف على خطط المقاومة الفلسطينية المستقبلية بعد أن أُجبرت على الرحيل، بعد الغزو الإسرائيلى الوحشى  لبيروت  عام 1982.

سنحت لى الرحلة بجانب ذلك، فرصة التعرف على الأوضاع الداخلية السورية. استقبلنى «خالد بدكداش» زعيم الحزب الشيوعى السورى فى منزله بدمشق. منزل  بسيط يشبه منازل  معظم السوريين فى ذلك الوقت. قال لى وهو يضحك بلهجة  واثقة: هذا هو بيتى الذى وصفه «محمد حسنين هيكل» بالقصر الفاخر المنيف، فى معرض هجومه على الحزب وقياداته عام 1959.

ألقيت حقيبتى فى الفندق الذى نزلت به، وكان مطلبى الأول زيارة سوق الحميدية. ارتبط  السوق مع ذكريات طفولتى بقيام الوحدة بين مصر وسوريا، وبأغنية صباح الشهيرة من الموسكى لسوق الحميدية، أنا عارفة السكة لوحدية، وما إن بدأت جولتى فى السوق، حتى جاشت مشاعرى، وخذلتنى دموعى، تأثرا بذكرى أيام مجد زائل، أما صديقتى المرافقة الشابة، فمن  الطبيعى أن تندهش، فهى لا تعرف شيئا من ذلك، لأنها ببساطة ولدت بعد انهيار دولة الوحدة، وشبت وسط أمة تنحرها الخلافات!

سوريا استردت اسمها بعد الانفصال، وتمسك الرئيس «عبدالناصر» بأن تحتفظ مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة. وبعد رحيله بنحو عام استجاب  الرئيس «السادات» لدعوات من كبار الكتاب والمفكرين وقرر أن  تستعيد مصر اسمها، لتصبح بذلك «جمهورية مصر العربية».

قبل أيام مرت الذكرى الخامسة والستون للوحدة، وكان من اللافت للنظر، أن أحدا لم يتحمس للاحتفال بها، اللهم بعض المقالات المتناثرة التى تذكر بها، دون الاهتمام الكافى بالتوقف عند أسباب سقوطها، تطلعا للتعلم من دروسها وأخطائها.

فى خطابه الذى أعلن فيه انهيار دولة الوحدة قال الرئيس «عبدالناصر»: لا استطيع أن أتصور القاهرة ودمشق إلا أخوة كفاح، وإلا شركاء قدر ومصير، مع كل عاصمة عربية أخرى.. ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من المحتم أن تبقى سوريا.. إن قوة سوريا، قوة للأمة العربية، وعزة سوريا عزة للمستقبل للمستقبل العربى.

نعم من المحتم أن تبقى سوريا، وأكيد أن قوتها قوة لنا. والعزلة التى  تم فرضها عليها، وتعليق عضويتها فى جامعة الدول العربية، وسحب السفراء العرب منها قبل أكثر من عشرة أعوام، أضعفتها، ويسرت فتح أرضيها  لتصبح ساحة لصراعات  قوى عرقية ودينية ترهن إرادتها  وقرارها بمصالح أطراف إقليمية ودولية، وامتد خطرها من داخل  سوريا إلى خارجها، لتغدو كذلك خطرا على دول المنطقة، خاصة بعدما تأكد أن هز صلابة الدولة السورية، لم يستفد منه سوى أعداء وحدة  الدولة الوطنية.

رفرف قلبى من الفرح وأنا أشاهد الوزير سماح شكرى، ورئيس مجلس النواب المستشار «حنفى الجبالى» فى دمشق. وبصرف النظر عن الحرص على التأكيد  أن الزيارتين تمتا لأسباب إنسانية وأخلاقية تتعلق بكارثة الزلزال المدمرة، فهما تحملان ما هو أبعد من ذلك. فمنذ اللحظة الأولى لوصول الرئيس السيسى إلى السلطة، والسياسة الخارجية المصرية تدعم كل خطوة تتوجه نحو تسوية سياسية للأزمة السورية، وتنطلق من موقف أن التباين فى المواقف العربية مع نظام «الأسد» لا ينبغى أن يكون حائلا دون تحسين العلاقات مع سوريا، لانعكاس ذلك الإيجابى على مجمل الوضع العربى. لهذا ولغيره، وبعد استئذان لن ترفضه صنعاء، فلابد من سوريا وإن طال السفر.