عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لوجه الله

تتراوح نظريات الاقتصاد وفلسفته.. بين السيطرة الحكومية التامة على الاقتصاد «الاشتراكية» أوالحرية الكاملة له «الرأسمالية» المحضة.. وتبدأ الحكاية مع أزمة الكساد العالمى الكبير عام 1929.. حيث كانت الليبرالية الكلاسيكية لآدم سميث هى المسيطرة على الفكر الاقتصادى.. وبينما كان تلاميذ تلك المدرسة يطورونها دفعًا لمزيد من حرية الأسواق، وفى مقدمتهم عبقرى الاقتصاد الإنجليزى جون كينز.. وقعت أزمة الكساد الكبير.

دفع الكساد الكبير أتباع منهج توازن السوق إلى التراجع عن جموحهم.. وكانت صرخة مدوية أطلقها رمز تلك المدرسة جون كينز.. عندما أعلن ضرورة تدخل الحكومات فى الأسواق لإعادة الانضباط لها.. وها هى الكينزية نفسها تدعو الحكومات للتدخل لمواجهة التضخم والبطالة والركود بدلًا من تركها لتوازن السوق.. واستجابت أغلب دول العالم للنداء الكينزى.. وتمثلت أبرز نجاحاته فى المقولة الشهيرة للرئيس الأمريكى روزفلت..«يجب ألا يموت أحد من الجوع أو يعطل قادر عن العمل».. كما أكد التدخل الحكومى فى الأسواق بقوله «يجب أن يجنى المزارعون أرباحًا لا تقل عما يجنيه الصناع».. ورغم النجاح المبهر للكينزية فى انتشال العالم من أزمته.. حتى مطلع السبعينيات.. كانت هناك عبقرية أخرى فى علوم الرياضيات والاقتصاد «تنمو ببطء فى أروقة المؤسسات الأكاديمية» غير راضية عن ذلك المسار.. كانت ترى رغم النجاحات الكينزية.. أن على الأسواق أن تتخذ مسارًا مغايرًا.. حرية السوق والأجور والعمالة وحركة البضائع.. وبرغم نجاحاته الأكاديمية وتقديمه العديد من النماذج الرياضية.. وكان أبرزها النقد الذى قدمه لمنحنى فيلبس.. عن العلاقة العكسية بين التضخم والبطالة وتنبؤه الفريد بالركود التضخمى.. إلا أن التطبيق العملى لأفكاره أبى إلا أن يحوله من عبقرى الاقتصاد إلى شيطان الاقتصاد ميلتون فريدمان.. فكان دأب فريدمان وتلامذته من بعده فى «جامعة شيكاغو».. الطعن فى الأفكار التى لا تمثلهم.. بل والسخرية من أى إجراء يحمل الصفة التعاونية أو التكافل المجتمعى.. وقد استخدموا الأزمة العالمية فى مطلع السبعينيات للطعن فى المذهب الكينزى.. متغاضية عن الأسباب الحقيقية لوقوعها.. التى تمثلت فى انهيار نظام «بريتون وودز» وهروب رؤوس الأموال، مع أزمة إمدادات النفط.. وهى بالطبع عوامل لا علاقة لها بالفكر الكينزى.. لكنها استخدمت للطعن فيه وأن تقفز المدرسة النقدية محله.

ورغم منحه جائزة نوبل فى الاقتصاد.. إلا أن نظريته للحرية المطلقة للأسواق لم تقدم يومًا حلًا حقيقيًا للأزمات.. بل كانت هى نفسها الأزمة.. وقد حل الخراب والبؤس والفقر، حيث حل فكره فى جميع أنحاء العالم.. بينما كان المخرج الحقيقى لهذه الدول هو الهدم المباشر لقواعد فكره التى انتشرت فى تلك الدول كالسرطان.. وتقوم أفكار ميلتون فريدمان على مغالطة تعريف علم الاقتصاد.. بالقول إن الاقتصاد كالعلوم الطبيعية قواعده مقدسة، وأن أى تدخل فيها يؤدى لخلل لا يمكن علاجه.. فتحييد الحكومات بشكل كامل من الحياة الاقتصادية هو الأساس.. لا ضرائب لا دعم لا تحديد للأسعار لا قطاع عام أو شركات حكومية.. لا ضمان اجتماعى أو رعاية صحية لا جمارك أو حماية لصناعة أو زراعة.. ولا لمجانية التعليم «رغم أنه لولا المجانية والمنح لما أكمل هو نفسه تعليمه»!.

فى المقال القادم سنستعرض كيف تطورت تلك المدرسة وكيف حلت بالخراب على كل الدول التى فرضت فيها فرضًا.. ومن هى القوى الدافعة لها.. والأهداف الحقيقية لنشر ذلك الفكر المدمر ودور «صبيان شيكاغو» فى ذلك.

 

[email protected]