عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحت عنوان: كيف تتجنَّب حرباً باردة جديدة فى عصر متعدد الأقطاب؟ كتب المستشار الألمانى أولاف شولتز مع نهاية عام 2022 فى مجلة فورين أفيرز - Foreign Affairs التى تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، يستعرض وجهة نظر بلاده للتحولات المتسارعة على المسرح الدولى، الكلمة الألمانية التى استخدمها شولتز فى وصف هذا التحول، هي: Zeitenwende بمعنى «تحول جذرى تاريخى» أو «مُغير قواعد اللعبة». شولتز أكد فى مقاله أن: «فكرة عصر ثنائى القطب، حيث يدور كل شىء حول الولايات المتحدة والصين، تتجاهل الواقع العالمى، وأن الواقع الجديد يسير نحو عالم متعدد الأقطاب».

ومع أن المستشار الألمانى لم يعمل على تسمية تلك الأقطاب الدولية الجديدة، غير أنه أشار إلى أن «العالم يشهد نقطة تحوُّل تاريخية، جاءت حرب العدوان الروسية ضد أوكرانيا لتنهى حقبة كاملة، فقد نشأت قوى جديدة أو عادت إلى الواجهة، بما فى ذلك الصين القوية اقتصادياً والصارمة سياسياً، ففى هذا العالم الجديد والمتعدد الأقطاب، تتنافس دول ونماذج حُكم مختلفة على السلطة والنفوذ».

المقال طرح كذلك أحد التساؤلات المؤرقة على الساحة الأوروبية الآن، ويتعلق بمستقبل الاتحاد والقارة الأوروبية فى ضوء تلك التحولات الكبيرة والجذرية على صعيد النظام الدولى، حيث طرح السؤال التالي: كيف نستطيع، نحن كأوروبيين واتحاد أوروبى، أن نبقى لاعبين مستقلين فى عالم متعدد الأقطاب؟

دلالات المقال الألمانى، والذى يعد بمثابة إعلان رسمى عن استراتيجية ألمانية للسياسة والعلاقات الخارجية، متعددة، والسؤال المحورى السابق، الإجابة عليه تتجاوز حدود العاصمة الألمانية، بل مقر الاتحاد الأوروبى، فالعالم أجمع يطرح هذا السؤال، ويسعى للإجابة عليه فى ضوء الحقائق الجيوسياسية الجديدة.

الدلالة الأولى والأبرز للمقال الألماني؛ أنه إقرار أوروبى واضح بالتغير الواقع فى بنية النظام العالمى ما بعد الحرب الباردة، واعتراف رسمى صريح بنهاية حقبة القطب الأمريكى الواحد لصالح نظام عالمى جديد متعدد القطبية. كلمات المستشار الألمانى يمكن القول إنها عكست وجسدت الرؤى الأوروبية الخاصة بعالم «متعدد القطبية»، فرانس تيمرمانس، النائب الأول لرئيسة المفوضية الأوروبية، قال إن بكين وواشنطن تميلان إلى رؤية العالم على أنه ثنائى القطب، على الرغم من أنه ليس كذلك. وأضاف فى مقابلة نشرتها مجلة Foreign Policy أعتقد أن الصين والولايات المتحدة ستفهمان أنه يجب عليهما العيش فى هذا العالم المعقد متعدد الأقطاب. «إنها مسألة وقت فقط». وهو ما يعكس على نحو واضح مدى الاعتراف الأوروبى فى هذا السياق. وفى جانب آخر تعنى تراجعاً أوروبياً فى المستقبل عن دعم الهيمنة القطبية الأمريكية.

الدلالة الثانية؛ تتعلق بألمانيا نفسها، والتى تسعى للعودة للعب دور «القائد الأوروبى»، بعدما تراجع النفوذ الألمانى فى حقبة أنجيلا ميركل لصالح فرنسا، وذلك فى إطار قطبية أوروبية منافسة وفاعلة فى عالم الأقطاب المتعددة، وذلك بعدما كشفت الأزمة الروسية الأوكرانية مدى المأزق الذى تعيش فيه القارة العجوز من تبعية اقتصادية تجارية لروسيا والصين خاصة على مستوى الطاقة، وتبعية سياسية للولايات المتحدة الأمريكية. تلك التبعية التى أضرت بالمصالح الأوروبية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، حيث انطلق كل طرف للحفاظ على مصالحه، فى مقابل تحملت أوروبا العبء والضرر الأكبر.

الدلالة الثالثة؛ أن النظام الدولى ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية يبدو فى أقصى درجات الاستقطاب. خاصة على مسرحى الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث توالت القمم الأمريكية– الصينية  العربية– الإفريقية.

الدلالة الرابعة؛ هناك خمسة عوامل مرتبطة بعودة منافسة القوى العظمى فى العالم الأوسع والتى قد تؤثر سلبًا على البيئة الاستراتيجية لأوروبا الغربية: هذه العوامل تتمثل فى العدوانية الروسية المتزايدة، والتمدد الاقتصادى والتجارى الصيني؛ تآكل الالتزام العسكرى الأمريكى تجاه أوروبا؛ مخاطر الأزمات العسكرية الدولية مع احتمال تورط الدول الأوروبية؛ الحافز المتزايد للدول لامتلاك أسلحة نووية؛ وضعف الخطوط البحرية وسلاسل التوريد الأوروبية الحيوية اقتصاديًا. يجب أن تنعكس هذه العوامل الخمسة بدورها فى السلوك الاستراتيجى للدول الأوروبية. وهو ما يعنى أن العودة إلى التوازن الخارجى ستكون خيارًا أكثر ملاءمة.

لذلك، وعلى الرغم من المساعى الأمريكية الحثيثة لإدارة بايدن، من أجل إعادة الفاعلية للدور الأمريكى عالمياً كقطب دولى فاعل، إلا إن تلك المساعى لن تنجح فى تعطيل تحول هيكل النظام الدولى إلى عالم متعدد الأقطاب، وإعادة عقارب الساعة للوراء مرة أخرى. خريطة التفاعلات الدولية الجديدة قد تشكلت بالفعل، والجميع مطالب بإعادة تشكيل مصفوفة المصالح الوطنية فى ضوء تلك التحولات.