رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عرضت قناة «القاهرة الإخبارية» برئاسة الكاتب الصحفى أحمد الطاهرى، الإنتاج الوثائقى المصرى الأول من داخل إقليم «شابيلا» فى دولة الصومال، من سيناريو وإخراج الإعلامى الدكتور محمد سعيد محفوظ. «شابيلا» إقليم يقع فى جنوب شرق الصومال، وهو الإقليم الأخطر والأكثر بؤسًا وفقرًا فى دولة الصومال، وهو التجسيد الأكثر واقعية للدولة الفاشلة فى الصومال؛ حيث تتضافر فيه عوامل التناحر القبلى والحرب الأهلية، والإرهاب مع تداعيات التغير المناخى ممثلة فى التصحر والجفاف والمجاعة.

«شابيلا» يضرب أكثر من عصفور بفيلم واحد؛ فهو تفعيل مباشر للقوة الناعمة المصرية، وبداية العودة للريادة الإعلامية المصرية، خاصة أن التليفزيون المصرى منذ بداية إرساله فى يوليو من عام 1960 كان سباقاً فى الإنتاج التسجيلى والوثائقى، إلى جانب الإنتاج الفنى والروائى، وهو ما ذكرتنا به «القاهرة الإخبارية» من خلال «شابيلا»، حيث المنتج الوثائقى الوطنى الذى يرصد أوجه النشاط الإنسانى فى تفاعله مع محيطه فى عوالم الجنوب، بمختلف محدداتها: السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية، البيئية، والأمنية.

سياسياً؛ الفيلم يعالج إشكالية مهمة فى مسار العلاقات المصرية الأفريقية الفاعلة تماماً على المستوى الرسمى، ويقدم اقتراب جديد لمعاجلة أزمة المدركات السلبية المتبادلة بين الطرفين على مستوى الشعوب غير الرسمى، حيث الغياب المصرى الطويل عن التفاعل مع النخب الأفريقية الحاكمة خلق فجوة فى الإدراك، التواصل والفهم بين الطرفين.

أمنياً؛ لمس الوثائقى نقطة حساسة جداً فى العصب الأفريقي؛ فالصومال هى «كعب آخيل» القاتل فى القرن الأفريقى؛ إذ تمثل الصومال أهمية استراتيجية كبيرة لموقعها المؤثر فى القرن الأفريقى، وما يمثله من أهمية استراتيجية؛ حيث يحتل القرن الأفريقى موقعاً استراتيجياً مؤثراً فى منطقة جنوب البحر الأحمر، ويتمتع بخصائص استراتيجية وأهمية جيوبولوتيكية، حيث يمثل القرن الأفريقى أحد أهم معطيات أمن الطاقة العالمى والإقليمى، وذلك لاتصاله المباشر بمضيق باب المندب الشريان الرئيسى للاقتصاد العالمي؛ فهناك 52 سفينة، و4 ملايين برميل من النفط تمر عبر المضيق يوميًّا، و50 مليون طن من المنتجات الزراعية، وطبقًا لتقرير الطاقة السنوى الصادر عن جامعة كولومبيا عام 2018، فإن إغلاق باب المندب كممر مائى، ولو مؤقتًا، يمكن أن يؤدى إلى زيادات كبيرة فى تكاليف الطاقة الإجمالية، وأسعار الطاقة العالمية؛ حيث إن إغلاق باب المندب سيمنع وصول نفط الخليج العربى إلى قناة السويس، أو خط أنابيب سوميد، وتحويلها إلى الطرف الجنوبى من إفريقيا، ما يزيد من وقت العبور وتكلفته، بالإضافة إلى ذلك، لن يعود بالإمكان لتدفقات النفط الأوروبى والجنوبى الإفريقى التوجه إلى الأسواق الآسيوية عبر قناة السويس وباب المندب، وطبقًا للتوقعات الاقتصادية فإن التكاليف الإضافية للنقل البحرى سوف تتزايد بمقدار 45 مليون دولار يوميًّا، إضافة إلى الارتفاع فى تكاليف الشحن المترتبة على زيادة مسار الناقلات بحوالى 6000 ميل بحرى، لذلك الصومال أهم دول منطقة القرن الإفريقى من حيث الأهمية الاستراتيجية والأمنية، غير أنها فى الوقت ذاته أكثرها ضعفًا وخطورة.

بيئياً؛ جسد لنا الفيلم فى واقعية صارمة، التأثير الحقيقى، والصورة الفعلية لتداعيات التغير المناخى؛ حيث التصحر والجفاف، وما نتج عنهما من مجاعات، إلى جانب الحرب الأهلية والنزاعات العشائرية كلها شكلت بيئة خصبة للإرهاب والتطرف، وجلها عوامل أدت إلى شيوع نمط «اللاجئين البيئيين/ لاجئو المناخ» أو «النازحين البيئيين»، حيث أسفرت التغيرات المناخية الحادة، عن اضطرار الآلاف للهرب من الجوع والجفاف، وحكم الميليشيات بحثاً عن فرص اقتصادية آمنة، كنتيجة مباشرة للصراعات الداخلية والعابرة للحدود من جانب، والتغيرات المناخية الحادة مثل: ارتفاع مستوى البحار، الجفاف والتصحر، ندرة المياه وتقلص المساحات القابلة للزراعة. وهو ما يدلل بجلاء تام على عدالة القضايا والتوجهات التى تتبناها الدولة المصرية، وعلى رأسها قضايا التطرف والإرهاب، وتداعيات التغير المناخى.

«شابيلا» عكس مدى الاهتمام المصرى بتلك القضايا على مستوى القارة؛ فالقارة الأفريقية على وجه الخصوص تعج بعديد النماذج والأمثلة التى تعانى؛ سياسياً، اقتصادياً، واجتماعياً وأمنيا نتيجة للتغيرات المناخية وما نتج عنها من اتساع نطاق الجفاف والتصحر وندرة المياه، أصبحت الصراعات الحدودية قائمة على التنافس على المناطق الرعوية، حيث تندلع صراعات عنيفة حول الثروة الحيوانية، ومناطق الرعى والمياه، والصومال النموذج الأبرز، لذلك «شابيلا» أكثر من مجرد فيلم وثائقي، «شابيلا» رؤية ورسالة مصرية.