رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى 7 يناير تحل ذكرى ميلاد الأديب والمفكر الرائع يحيى حقى.. (7/1/1905- 8/12/1992) وعندما يذكر اسمه على الفور تقفز إلى الذهن رائعته (قنديل أم هاشم) وكأن الرجل لم يكتب ولم يبدع إلا تلك الرواية.. لكن هكذا هى الأقدار، اقترن والتصق اسمه بهذا العمل الجميل..وكان هو يندهش لهذا الأمر ولا يستلطفه لأنه من الضرورى النظر إلى باقى الأعمال، وأن تأخذ نصيبها من الدراسة والتحليل والشهرة.. نفس الأمر نجده ولكنه بشكل مختلف إلى حد كبير..عميد الأدب العربى، فعندما يذكر اسم طه حسين على الفور تقفز إلى الذهن (الأيام).. ثم يأتى بعد ذلك دعاء الكروان.. وأديب.. إلخ.

وفى كتابه (كناسة الدكان) يعرض يحيى حقى لسيرته الذاتية..ونلتقط منها بعض السطور والفقرات التى نراها مهمة وتضىء وتكشف عن ذاتية يحيى حقى.

(هذه السيرة ستقيس عمرى بالسنين والأيام، وما هو بالقليل..طظ! لا قياس عندى لعمرى إلا بهذه اللحظات القليلة النادرة التى نبض فيها عرق فى روحى معتزاً بجذل قدسى عند التقائى بالفن، متلقياً ومعبراً. قمة هذا الجذل عند التقائى بالشعر والموسيقى على قدم المساواة– ثم النحت، ثم التصوير، ثم العمارة. لست أدرى أين أضع بينها لقائى برشاقة الإنسان فى فن الباليه.

يعلو كل هذا جذل اللقاء بفن أعظم وأجل: فن الطبيعة وجمالها، لو أفضت فيه لاحتجت إلى أن أكتب مجلداً ضخماً..لحظات قليلة نادرة، ولكنى عرفت بفضلها طعم السعادة وحمدت ربى عليها حمداً طويلاً لا ينقطع.

ولا ولوج إلى ساحة السعادة– فى اعتقادى– إلا من أحد أبواب ثلاثة: الإيمان والفن والحب، لا شىء يشع بها مثل هذا الخشوع الذى أراه فى المعابد. وإذا كان الحب هو أكثرها التصاقاً بالصلصال والحمأ المسنون، وبالزمان والمكان والصدف، فإنه شرط ارتفاع الإنسان عن مرتبة الحيوان، وكان الإيمان أكثرها طموحاً لأنه يطلب الله لا الناس، والخلود فى الآخرة لا العبور فى الدنيا، فسيبقى الفن وسطاً جامعاً للطرفين، يا لها من منزلة!).

ما يستوقفنا هنا ذلك الحب للفن، فعن طريق الفن بكل مستوياته وأنواعه يشعر الإنسان بالسعادة.. والسبب هو أن النفس من خلال الفن قادرة على أن تعبر إلى الجوهر ولا تتوقف عند الظاهر. فهذه السيرة الذاتية توضح لنا قيمة وأهمية الفن للإنسان.

كنت أنا الابن الثالث بين إخوتى..ولدت فى 7 يناير بحارة الميضة وراء مقام السيدة زينب فى بيت ضئيل من أملاك وزارة الأوقاف. ورغم أننا غادرنا حى السيدة وأنا لا أزال طفلاً صغيراً. فهيهات أن أنسى تأثيره على حياتى وتكوينى النفسى والفنى، فما زلت إلى اليوم أعيش مع الست «ما شاء الله» بائعة الطعمية، والأسطى حسن حلاق الحى، وبائع الدقة..ومع جموع الشحاذين والدراويش الملتفين حول مقام «الست».

فى هذه السيرة نتوقف عند المكان الذى ولد فيه وكيف تأثر به، وما زال يعتمل فى داخله..وهذا يعنى أن الإنسان رغم مرور الزمن يظل محل الميلاد ومحل الطفولة راسخاً فيه بصورة أو بأخرى.. ولعل هذا ظهر فى كتابته لرواية (قنديل أم هاشم).. رحم الله يحيى حقى.

 

 

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال- أكاديمية الفنون