رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

تقول الحكمة الفرنسية الشهيرة، «الكل يعرف لكن المفاجأة تقع»، ويقول موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، فى مذكراته «قصة حياتى»، التى أصدرتها دار نشر ويليام مورو اند كومبانى فى منتصف السبعيينيات، إن حرب يوم كيبور شنت علينا، فى اليوم عينه الذى لم نكن نتوقع أن تندلع فيه تلك الحرب.

وربما تكفى مذكرات موشيه ديان وحدها، للدلالة على عظمة الإنجاز المصرى فى حرب أكتوبر 1973، التى نحتفل فى تلك الأيام بالذكرى التاسعة والأربعين لانتصاراتها، اذ تكتسب تلك المذكرات أهميتها، ليست فقط من خطورة موقع صاحبها، ولا سيرة حياته، باعتباره واحدا من كبار القادة الإسرائيليين، الذين شاركوا فى التخطيط لجميع الحروب التى شنتها اسرائيل على العرب، وانما أيضا لكونه احد القادة العسكريين فى إسرائيل، الذين عرف نشوة الانتصار فى معظم هذه الحروب، قبل أن يذوق مرارة الهزيمة فى أكتوبر، وهو ما يعنى أن القارئ سيكون وهو يقرأ هذه المذكرات، أيا ما كانت جنسيته، أمام شهادة اسرائيلية واضحة، واعتراف صريح، بما أنجزته العسكرية المصرية فى تلك الحرب العظيمة، التى يخلدها التاريخ العسكرى بحروف من نور. 

مثل الهجوم السورى - المصرى فى يوم كيبور مفاجأة كبرى لاسرائيل، رغم من أنه كان متوقعا، اذ لم يتخيل أحد فى إسرائيل أبدا، حسبما يقول ديان فى مذكراته، أن المصريين سيقبلون وجودنا على قناة السويس، أو أن السوريين سوف يذعنون لاحتلالنا لمرتفعات الجولان، وقد مر عام 1971 الذى أطلق عليه الرئيس السادات «عام الحسم»، بلا حدث يذكر، لكن مع انتصاف عام 1973، بدا أن مصر وسوريا قد عزمتا بالفعل على شن هجوم، بعدما رسم البلدان شكلا محدداً لخطط عسكرية، بموجبها تستولى سوريا على مرتفعات الجولان، وتستولى مصر على غرب سيناء، حيث ستعبر قوات مصر القناة وتتقدم شرقاً، للاستيلاء على ممريْ جيدى ومتلا، وتتقدم جنوبا لتستولى على حقول بترول أبورديس وشرم الشيخ، ورغم ان البلدين حددا تاريخا ثابتا لشن هجومهما، لكن ذلك اليوم مر بلا أحداث، ويقول ديان: برغم كل ذلك، استقر رأيى أننا كنا فى الحقيقة نقترب أكثر من اللحظة التى سوف تعاود فيها مصر وسوريا، الأنشطة الحربية الهجومية.

يروى ديان فى مذكراته، وقائع هذا الاجتماع الذى دار فى هيئة أركان الحرب الاسرائيلية، فى 20 مايو عام 1973، والذى استقرر فيه الرأى على إصدار الأوامر لهيئة أركان الحرب، وقوات الدفاع الإسرائيلية، ليحضّروا أنفسهم لمواجهة هجوم شامل من مصر وسوريا، فى نهاية فصل الصيف، وقد كان على اسرائيل أن تستعد لهذه الحرب، بداية من يونيو فى ذلك العام، ويقول ديان: أعدت هيئة الأركان الإسرائيلية، الخطة الرئيسية لمواجهة التحدى القادم من مصر وسوريا، ورغم أن مخابراتنا العسكرية والمخابرات الأمريكية، استنتجتا أن سوريا ومصر لن تشنا حربا، وفسرت المخابرات الإسرائيلية وقتها، النشاط العسكرى النشط على الجبهة المصرية بأنه «مناورات عسكرية»، لا ترقى الى درجة التجهيز لشن هجوم، لكننا رغم ذلك لم نكن مطمئنين، وبالأخص فيما يتعلق بالجبهة السورية.

انتهى الاجتماع، لكن الإحساس بعدم الراحة ظل ملازما لديان، الذى قرر أن يذهب مباشرة إلى قيادة الجبهة الشمالية، ويزور مواقع الخطوط الأمامية، ويتكلم مع الأهالى فى المستوطنات الزراعية هناك، وفى ذلك اليوم، أصدر فرع العمليات أوامره برفع مستوى الإعداد العام، وبتعزيز القوة المدرعة لتصل إلى 111 دبابة، والمدفعية لتصل إلى 32 مدفعاً فى الجولان، واتخاذ المعايير اللازمة لتعزيز القيادة الجنوبية، لتصل قوتها المدرعة إلى 300 دبابة.

فى يوم  2 أكتوبر، ناقش ديان مع اليعازر رئيس هيئة الأركان، وضع التعزيزات العسكرية فى الجولان، والوضع على الجبهة المصرية، ويقول ديان: لم تكن هناك أية إشارة لنية مصر او سوريا شن هجوم، رغم ما جاءنا من معلومات عن اتخاذهم لاستعدادات إضافية، وقد زاد ذلك من شكوكي، فطلبت من رئيس هيئة أركان الحرب، أن يمدنى ببيان يحتوى على تفاصيل التغييرات، فى توزيع القوات السورية، وقررت أن الموضوع كان طارئاً لدرجة وجوب تناوله على مستوى الحكومة.

فى اليوم التالى أكد مندوب المخابرات، أن الجيشين المصرى والسورى قد انتشرا على الجبهتين، لدرجة تخوّلهما من شن هجوم فى أى وقت، لكنه قال إنه لا يعتقد أنهما على وشك القيام بذلك، وأكد ان ما يحدث على الجانب المصري، لا يخرج فى رأيه، عن كونه مجرد مناورات سنوية، فلم يقترح أحد من الذين حضروا الاجتماع، مزيد من الخطوات الواجب اتخاذها للتعامل مع ما يحدث على الجبهتين السورية والمصرية، مثل استدعاء الاحتياط مثلا.

فى صباح 4 أكتوبر، اجتمع ديان من جديد مع رئيس هيئة الأركان ونائبه، وقيادة الجبهة الشمالية، لمناقشة ما يمكن فعله من خطوات، ويقول ديان: تناولت الاقتراحات أن نحفر خندقاً ثانياً مضاداً للدبابات، وأن نزيد من تحصيناتنا، وعندما حل المساء، كانت التقارير جميعها تؤكد احتمالية شن مصر وسوريا حربا ضد اسرائيل.

ويروى ديان فى مذكراته، ما حدث صبيحة يوم الجمعة الموافق 5 أكتوبر، ووقائع ما دار فى الاجتماع الأسبوعى لهيئة أركان الحرب، وكيف انتهى الاجتماع الى إعلان حالة الطواريء ج، التى تمثل أعلى حالات الطواريء للجيش، ويقول : أرسلنا إنذاراً للقوات الجوية، وطلبت فتح خطوط تليفونية مباشرة للمسئولين الكبار فى وزاراتي، فى وقت كان الجميع فيه يستعدون لقضاء إجازة يوم كيبور فى منازلهم، لكننا عملنا كل ما فى وسعنا لتحصين مواقعنا العسكرية ورفع حالة الطوارئ، التى تعنى استعداد القيادة العليا للجيش، والغاء الإجازات، والتفتيش على جميع المواقع.

كان افتراض الجيش حسبما يقول ديان فى مذكراته، هو أنه إن كانت الحرب قد أصبحت وشيكة بالفعل، فسيكون من الضرورى استدعاء الاحتياط، واتخاذ المزيد من الإجراءات، لكن رئيس المخابرات الإسرائيلية، كان يرى أنه من غير المحتمل أن يعبر المصريون بقوات كبيرة، فيما كان التقدير الأمريكى يقول بأنه لا سوريا ولا مصر تنتويان شن هجوم فى المستقبل القريب، قبل أن نفيق بعد ساعات على حقيقة مؤكدة تقول بأن الحرب قد شنت علينا بالفعل، فى اليوم عينه الذى لم نكن نتوقع أن تندلع فيه.

والحقيقة المؤكدة تقول الآن، بعد مرور تسعة وأربعين عاما، على انتصارات أكتوبر، أنه كان من الممكن لمصر والعرب، قبول الاستسلام والخضوع لإسرائيل، وشروطها بعد هزيمة 1967 كحل سهل، لكن عزيمة الجندى المصري، أثبتت أن المصريين قادرون على تحدى الشدائد، وهو ما تجلى فى تلك الملحمة العسكرية العظيمة، التى أظهرت إيمان المقاتل المصرى بالله، وبحقائق التاريخ والجغرافيا، ولم تضع إسرائيل فحسب فى حجمها الطبيعى فى عيون العالم، وانما أكدت أيضا المقولة الشهيرة عن الجيوش الغاشمة التى تقول: «كثير من الجيوش تسير لحتفها على أنغام نصرها السابق».