رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا

وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا

وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ

وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا

وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ

وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا

 

كلمات للإمام الشافعى بحاجة إلى تأملها، وإدراك مراميها التى تجعلنا نستنتج كم أن الحياة والزمان والدهر معانٍ بريئة مما نرميها به، من قسوةٍ أو غدرٍ أو ظلمٍ وما إلى ذلك من صفات، يستسهل الكثيرون أن يرموا بها الحياة كلما ضاق بهم أمر، إنها كلماتٌ بمثابة دستور قدرى يوضح كيف أن البشر يكونون مصدر العيب وتدنى الخلق، فيرمون الدنيا بعيوبهم، فالحياة لا تكذب والحياة لا تخون والحياة لا تغدر والحياة لا تتزلف لمصلحة والحياة لا تتسلق ولا ترائى ولا تنافق، لكنها للأسف كلها سلوكيات مصدرها الإنسان، الذى اختار أن يفارق إنسانيته والفطرة السليمة التى فطره الله عليها، وهى فطرة الخير، أما الحياة فهى خلق الله البديع التى جعل فيها سبحانه وتعالى الصدق والرحمة والرأفة والاتساق مع النفس وعدم النفاق، كما أوجد سبحانه الصاحب والصديق والأخ ورفيق العمر والدرب، وهى معانٍ بمثابة المنحة الربانية التى وهبها الله لنا لنصونها فُنصان بها، لا لنبدلها بالزيف والخداع.

إن الدين الحنيف لم يغفل أهمية العلاقات الإنسانية، التى أوصانا الله ورسوله بها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على اجتماع الناس فى خير فى حديث «سبعة يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله» منهم رجلان، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، أى على طاعة الله وصون العهد والكلمة، وتأتى الصداقة كشكل من أشكال العلاقات الإنسانية ذات التأثير الكبير فى الإنسان، فالصديق هو الخل، وعلى الرغم من وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»، أى من يصادق قد يتعجل الإنسان بسلام وصفاء نية فى اعتبارات ومعانٍ كبيرة حين يصدق أحدهم، وهو يؤكد له أنه صديق حميم، وأخ كريم بل شريكٌ فى السراء والضراء، ولا نستطيع أبدا أن ننكر أن مثل هذه النماذج الطيبة موجودة فى الحياة الرحيمة ذات الألفة، بحيث تدفع بعضها بعضا وتؤازر بعضها بعضا وتتعاون وتتآخى وتتمع على الخير، لكن هناك أيضا من يردد هذه القيم بلسان الفم، بينما صوت القلب يضمر ضميرا داكنا وجفوة، كأنه يستخدم هذه المعانى مجرد عبارات أشبه بسلم يصعد به إلى ما يريد ثم يلقى بكل ما قال فى سلال المهملات، غير معترف بأى من تلك القيم، وكما يقولون شر البلية ما يضحك، كلما أشاهد أداء العاملة فى مسرحية «الدخول بالملابس الرسمية» وهى تردد «إنت بابا إنت ماما إنت أنور وجدي»، أضحك دامعا إذ أتذكر موقفًا كهذا لأحدهم أو شخص ما ـ ليس أكثر من ذلك ـ يردد كلمات من جنس أنت أخى أنت صديقى الصدوق، أنت شريك الأيام الصعبة، أنت شريكى فى كل شيء لأنك رجل فى زمان عز فيه الرجال، لتخفى كل تلك الأقاويل وراءها حقيقة واحدة يكنها القلب، وهى بالدارجة «أنت زبون سُقع»، فكأنه بدا ممتنا لمن عاونه فى تجاوز محنة، ثم بعد أن احتاجه هذا الذى دعاه صديق ذهبت كل تلك النداءات مع رياح الزيف والتملق والكذب، فقال لمن دعاه يومًا بأخى العزيز: «أنا أتعامل مع زبائنى كده.. وأنت زبون».. فأصبح بين عشية وضحاها التعامل لا يتجاوز هذا المعنى.

ولأن الإنسان يتأثر بمخالطة رفيقه وصديقه، فلابد لنا أن نحسن اختيار أصدقائنا ورفقائنا، والصديق الصالح من يصدقك القول والفعل، فالأخ درجة من درجات العلاقات الإنسانية فى مرتبة كبيرة بحكم القربى، وهو الشخص الذى يمكنك الاستناد عليه مهما كان ثقل همك، ويخبرك كيف تتصرف بالشكل السليم فى المواقف الصعبة، والصاحب شريكُ الأيام الصعاب أيضا درجة لا يُستهان بها إذا وعى أطرافها معناها، أما الصديق والأخ فمعنى كبير جدا جدا، يُحمّل أمانة كبرى فى عُنق القائلين بها، أمانة تستوجب النصح والصدق وحفظ العهد، وأن يكون الصديق دالا على الخير، صادقا فى قوله وفعله ومحبته وتقربه.

فمن أسف أن يكون الحرص على الدنيا هذا السبب الواهى سبيلا لأن يخسر الإنسانُ إنسانا أو يخدعه ليصل من خلاله إلى مصلحته الدنيوية، فنجد صداقات تنطفئ عند انتهاء المصالح وفى الوقت نفسه نجد أن هناك أصدقاء مثل الغيث، والعنوان الدائم للصداقة هو الوفاء، فعلموا أنفسكم وأبناءكم هذه المعاني، علموهم عدم الخلط بين المسميات، واستغلوا الحياة لكسب إخوة وأصدقاء حقيقيين، تجدونهم ويجدونكم فى المحنة حتى تصبح منحة، ولن تخلوا الحياة من الشركاء والزبائن، فهى أمور طبيعية لكن من المهم أن نتسق مع ذواتنا، وألا نخلط الأمور ببعضها البعض، وألا نتاجر بالمعانى ونستبدلها فى غير مواقعها، أى نكون دائما صادقين مع أنفسنا، ومع الآخرين، وأخيرًا يقول الشاعر زهير بن أبى سُلْمى:

إذا كنت فى قوم فصاحب خِيارَهم ... ولا تصحب الأردا فترْدى مع الرَّدِى.