رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

خلق الله الإنسان وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ولكن الإنسان ألف هذه النعم لأنه لا يشعر بوجودها, لعملها بصورة متقنة بارعة , ولم يؤد شكرها المستحق وصدق المولى عز وجل حين قال (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها), ومن أعظم نعم الله على الإنسان نعمة الصحة التى هى تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضي, وكان من حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) (سلوا الله العفو والعافية، فما أوتى أحد بعد اليقين خيراً من العافية) ومن كلامه أيضاً (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ، والفراغُ).

ما إن يخبرنا الطبيب بضرورة إجراء جراحة عاجلة, ونبدأ فى إجراءات دخول المستشفى, حتى ينتابنا عدة مشاعر مختلفة تتأرحج بين الرجاء والأمل وانتظار المجهول, وعندما نرقد على السرير الأبيض ونرمى بأجسادنا المنهكة من شدة الوجع ومرارة الألم والتعب، لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، نبحث عن شعاع الأمل بين جنبات المكان، وفى أروقة الممرات، وفى وجوه المارة والعابرين، نبحث عنه بين السطور، وبين تقاريرالأطباء والممرضين، بين ضحكاتهم، وهمساتهم، ونتمنى أن يتناقلوا شيئاً مفرحاً يعنينا، فلحظات الشدة والألم نعيشها بين الرجاء والخوف، وبين الأمل واليأس، تحصر الدنيا أمام أعيننا لترينا كم هى صغيرة لا تساوى جناح بعوضة أمام لحظة ألم نعيش قسوتها بكل جوارحنا وأحاسيسنا، وبكل خلايا أجسادنا, نقف أمامها عاجزين صامتين، إلا من آهات الألم والأنين، لا نقوى أمامها على شيء، إلا أن نستسلم لما كتبه الله لنا من أقدار، فهى تشكيل حياتنا بما هو أفضل إن أردنا ذلك وأيقنا أن الجميع متساوون فى الحياة، فلا فضل لعربى على أعجمى، ولا لغنى على فقير، إلا بالتقوى. وأكبر دليل على ذلك مساواتنا ونحن على السرير الأبيض وقد رمينا كل شيء خلفنا، ولم يبق معنا سوى أجسادنا والألم نتساوى فيهما، ومساواتنا بعد موتنا تحت التراب بأجسادنا، هى أعمالنا فقط ما يبقى معنا وينفعنا.

تلك اللحظات كفيلة بتغيير حياة الإنسان وما جبلت عليه نفسه من الغرور والعظمة والتكبر، فهى تعطى درساً عظيماً لمن ابتلى بذلك بأن القوة لله وأن الشافى هو الله، فلا تكبر، ولا طغيان، ولا ظلم، ولا بهتان، وأن الدنيا كما تدين تدان وأن الجزاء من جنس العمل، فمن كان علمه وعمله صالحين بات مطمئناً مهما أصابه من أقدار الحياة، وليعلم أن الله قد ابتلاه لمحبته له وتنقيته من الذنوب، ومن كان غير ذلك، فتلك اللحظة العصيبة تعطيه درساً بأنه عبد ضعيف تحت رحمة الله، ولا أحد يستطيع أن يشرح له ذلك سوى لحظة الألم التى يشعر بها ويعيش تحت وطأتها، فهى كفيلة بذلك.

السرير الأبيض, ذلك السرير الذى لا يعرفه إلا من استخدمه, ولا يستطيع وصفه إلا من عايشه, لحظات عصيبة تمر على المريض وهو يرى عشرات الحالات التى قدر الله أن يبتليها فى صحتها, محاطة بذويها ومحبيها, وتسمع دعوات بالشفاء العاجل للمولى عز وجل, فيزداد قربك من خالقك الذى بيده ملكوت السماوات والأرض, وتوقن يقيناً لا يخالجه شك أن أمرك بيد الله وحده وإن اتخذت الأسباب المادية.

فوق السرير الأبيض حياة أخرى مختلفة عن حياة البشر, فحينما تنعزل عن الناس تعرف قيمة هذه الدنيا التى نلهث وراءها جميعاً, فيتغير تفكيرك ونظرتك إليها, وربما كانت لحظات المرض رسالة عملية من السماء مفادها أن النعم لا تدوم, وأن الدنيا متقلبة, بالإضافة إلى منح كثيرة من داخل محنة المرض.

[email protected]