رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

هل يمكن أن يتطور شعب دون وجود قدوة ترشده إلى الصواب فى الفكر والفعل والسلوك؟ هل شهد التاريخ بروز أمة وتطورها دون قيادات مرموقة فى السياسة والفكر والعلم والآداب والفنون؟

كل من يراجع أوراقه سيكتشف بسهولة أن غياب القدوة فى أى مجتمع يؤدى بالضرورة إلى انحلال ذلك المجتمع وانحداره. لذا من الضرورى أن نسترد الدور الأهم لفكرة (القدوة) فى حياتنا وضرورتها، وأظن أننا فى مصر نتعامل مع هذه الفكرة الجليلة باستخفاف لا يليق.

على سبيل المثال، إن من يتأمل الكثير مما ينشر فى صفحات الفيسبوك يعتريه العجب من حجم الابتذال اللغوى الذى يقترفه أناس من المفترض أنهم يمثلون (القدوة) من مبدعى مصر ومثقفيها، فهذا كاتب شهير تجاوز الستين لا يتورع أن يكتب فى صفحته (بوستاً) محتشداً بألفاظ فاحشة بذيئة لا يمكن نشرها فى صحيفة ورقية أو يرددها مذيع فى شاشة أرضية أو فضائية. وهذا إعلامى تجاوز السبعين يسكب فى صفحته عبارات ركيكة الصياغة تتخللها مفردات مبتذلة يخجل أن يتفوه بها أب أمام ابنه لو كنا فى مجتمع صحى متوازن.

وهذا شاعر، أكرر (شاعر) لا يجد أية غضاضة فى كتابة (بوستات) غليظة الكلمات (مزدانة) بمجموعة من المفردات السوقية التى يطلقها أناس مساكين حرموا من التعليم وخاصمتهم الثقافة، وذاك طبيب يعشق الأدب والفن، ولا يجد أى حرج فى كتابة بوست يسب فيه المختلفين معه بأفحش الألفاظ!

إن هذا البؤس اللغوي/ الأخلاقى الذى ينتشر بكثافة فى الفيسبوك يستدعى الكثير من الأسئلة المهمة: كيف ولماذا سقطنا فى هذا المستنقع؟ هل لشحوب الحريات دور فى تنامى الفحش اللغوى والتربص بالآخرين؟ هل الاكتواء المستمر بنيران الأسعار المرتفعة يشعل المزيد من السخط، فتغدو اللغة هى الضحية التى تتلقى الضربات الموجعة من قبل أناس مهنتهم الارتقاء بهذه اللغة وتطويرها؟

سألت الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ مصطفى عبدالله، وقد جالس الرجل وحاور الكبار أمثال توفيق الحكيم ويحيى حقى ونجيب محفوظ... سألته، هل كان أحد من هؤلاء يتفوه بالعبارات الغليظة البذيئة فى جلساتهم الخاصة؟ فتعجب ونفى ذلك تماماً، وقال لى: (يحيى حقى كان يسألنى كيفما أصبحت يا مصطفى، فهل يعقل أن يتفوه رجل هذه لغته فى الحديث بمفردة فاحشة أو مبتذلة ركيكة؟).

قد يقول أحدهم إن الفيسبوك مجرد وسيلة اجتماعية (للدردشة) فلا مشكلة فى أن يعبِّر المرء عن نفسه بأى لغة أو لهجة مهما كانت قسوتها أو ركاكتها؟ لكنى اتساءل: أليس على المبدع واجب أن يرتقى بالذوق العام؟ ألا يرى الآلاف من المتابعين ما يكتبه هذا المبدع أو ذاك؟ فكيف ستكون مشاعرهم إذا قرأوا عبارات بذيئة محشوة بمفردات خشنة مقززة؟.

أذكر أننى جلست مع نجيب محفوظ ثلاث مرات، منهم مرة استمرت نحو ساعة، ولم يتلفظ صاحب نوبل بأية كلمة منفرة. وأذكر أننى سألت أمين بسيونى، رئيس الإذاعة المصرية الأسبق، عن كيف كان يسجل برامجه مع الموسيقار الأعظم محمد عبدالوهاب، فأخبرنى بالآتى: (إن عبدالوهاب كان متعباً جداً، إذ كنت أقول له سأمر عليك اليوم يا أستاذ لأسجل حلقة مدتها خمس دقائق فقط لتذاع فى رمضان، فيرفض، ويقول لى: سأنتظرك بعد ثلاثة أيام، فأبادر محتجاً بأدب: لماذا يا أستاذ... إنها خمس دقائق فقط؟ فيجيب بحكمته المعروفة: حتى أفكر ماذا سأقول للناس ليفيدهم ويمتعهم فى هذه الدقائق الخمس).

أتخيل أن المبدع الحقيقى عليه أن ينتبه لدوره وأهميته فى السمو بالذوق العام، فإذا كانت الشكوى من أمور بائسة كثيرة تخنق الناس الآن، فلا داعى لأن نفاقم من تلوث وجدانهم أيضاً بهذا السيل من المفردات البذيئة المعجونة بوحل العبارات الركيكة!